الصيدلية أو الفارماكون ، بلغة الإغريق ، ابتكار عجيب لمعالجة السم بالسم (الترياق) .السم قاتل و شاف في الآن نفسه .و بما إنه الأساس الوجودي لكل صيدلية ، تكون الصيدلية بحكم أسها ذاك مفارقة . مفارقة يكثفها شعارها أو طوطمها . الثعبان القاتل بسمه الشافي طوطم الصيدليات و الصيادلة .إنه الرمز و المفارقة المركبة للتضاد الملغز ، و العارضة للعبة المظهر و الحقيقة ، و المجسدة لاقتصاد المعنى المرسل .
صيدليتنا الرمضانية سنعرض فيها أفكار ملغومة بكل مواصفات المفارقة . أفكار صغيرة ، لكنها غائرة في المعيش الثقافي و اليومي « للمغاربة « . أفكار قاتلة بسمها لكنها في الآن ذاته ترياق جماعي لتدبير أمن و سلامة العيش في اليومي .
لا للعنف ، شعار كوني و إنساني ، أصبح رمزا تندد به و من خلاله الجماعات و المؤسسات و الفاعلون المدنيون و الحقوقيون بأشكال العنف الذي يتعرض له الأفراد ضمن العلاقات الاجتماعية ، أو تتعرض له الشعوب من طرف دولها و أجهزتها الأمنية ،أو من طرف مستعمريها . العنف فعل اجتماعي و سياسي منبوذ لأنه يدمر كل أواصر و قواعد العيش المشترك . تتعرض النساء للعنف أكثر من الذكور ، و يتعرض الأطفال للعنف أكثر من الشباب و الكهول . العنف سواء كان نفسيا أو رمزيا أو جسديا ، فرديا أو جماعيا ، مدمر لحيوات الناس ، لذا أصبحت الإنسانية على وعي بأن رفضه واجب و التشهير به فرض عين و معاقبته إلزام قانوني . يغذي العنف البنيوي (بطالة ، غلاء معيشة ، كتم الحريات ، فساد ، اقتصاد الريع ، إقصاء و تهميش …) أحداث العنف الاجتماعي و يرفع من درجاتها الكمية و الكيفية ، مثلما يشكل بنيتها التحتية .
لا للعنف مطلب مشروع على جميع المستويات ، لكن ما العنف المقصود ؟ و هل كل العنف يجب نبذه ؟ و هل يصح الحديث عن العنف بالمفرد ؟ و هل يمكن للإنسانية أن تحيا من دون عنف ؟ ليس العنف جوهرا خاصا بعينة من الأفراد دون غيرها ، و ليس جوهرا لثقافة دون غيرها ، أو جوهرا لديانة دون غيرها . العنف ينشأ و يتكون و ينمو و يتحول في سياقات نفسية و اجتماعية و اقتصادية و سياسية و فكرية . لذلك من المفترض أن نتحدث عنه بصيغة الجمع و ليس المفرد . des violences . في العنف ، هنالك ما هو مدمر و قاتل ، و في العنف أيضا ما هو منتج و خلاق . تنحر و تذبح أمة الإسلام سنويا الكبش –الحيوان . لا يخرج فعل الذبح و النحرعن سياق العنف ، بل يمكن اعتباره أعنف أشكال العنف ، لكن مع ذلك لا يمكن تصنيفه ضمن العنف المنبوذ و المدمر، بل و عكس ذلك إنه عنف منتج للحياة الجماعية و الاجتماعية ، و ضامن لتجددها .إنه عنف طقوسي ، و مثله مثل كل أشكال العنف الطقوسي يؤدي مهمة احتفال الجماعة بحياتها و لحمتها الاجتماعية ، و تذكير أفرادها بأن ضرورة هذا النوع من العنف آتية و نابعة من كونه عنفا يوقف العنف ، عنفا ضد العنف . ينبني نحر أضحية العيد الكبير لدى أمة المسلمين على القصة الإبراهيمية التي اعتبرها كثير من الأنثربولجيين و المحللين النفسيين ، نموذجا ثقافيا لإيقاف العنف ، سواء كان هذا العنف عنف اقتتال الإخوة ، أو عنف قتل الإبن .. إنها الحل العنيف (ذبح الحيوان ) لإيقاف العنف المدمر (ذبح الإنسان ). لذلك يعتبر العنف الطقوسي عنفا منتجا و ضروريا لحياة المجتمعات خارج دائرة العنف القاتل . في الحياة اليومية يتعايش العنف المدمر مع العنف المنتج و الخلاق . يستوطن العنف علاقات الحب ، و من دونه لا يمكن للحب كعلاقة اجتماعية متفردة أن يكون و يدوم و يستمر. « ضربة الصعقة المباغتة «le coup de foudre «هي إحدى أشكال بلاغة عنف الحب .، مثلما يستوطن الجنس و الجماع و القبلة، فلا لذة في الجماع إن لم يكن ملفوفا بعنف الحب و عنف الجنس. عناق الصداقة عنف ، و عناق المحبة عنف ، المصافحة الحميمية عنف … إنه عنف ، لكنه قاتل و مدمر لعنف البرود و اللامبالاة القاتليتن لحرارة العلاقات الإنسانية و دفئها و حميميتها .
سؤال العنف الأكبر، ضمن العلاقات الإنسانية و أنماط العيش المشترك ، سؤال كميةquestion de dose . حينما تكبر الكمية يتوحش و يقتل ، و حينما تصغر الكمية تدمر و تنهك وترهق و تقلق بؤر الوجود الإنساني الأكثرعطاء و انفتاحا. لذلك يكون سؤال الكمية سؤال عدل ، سؤال ميزان ، سؤال محكمة المشاعر و العواطف الإنسانية المحاطة اجتماعيا بإكراهات العنف البنيوي الأكثر تدميرا.