الصيدلية أو الفارماكون ، بلغة الإغريق ، ابتكار عجيب لمعالجة السم بالسم (الترياق) .السم قاتل و شاف في الآن نفسه .و بما إنه الأساس الوجودي لكل صيدلية ، تكون الصيدلية بحكم أسها ذاك مفارقة . مفارقة يكثفها شعارها أو طوطمها . الثعبان القاتل بسمه الشافي طوطم الصيدليات و الصيادلة .إنه الرمز و المفارقة المركبة للتضاد الملغز ، و العارضة للعبة المظهر و الحقيقة ، و المجسدة لاقتصاد المعنى المرسل .
صيدليتنا الرمضانية سنعرض فيها أفكار ملغومة بكل مواصفات المفارقة . أفكار صغيرة ، لكنها غائرة في المعيش الثقافي و اليومي « للمغاربة « . أفكار قاتلة بسمها لكنها في الآن ذاته ترياق جماعي لتدبير أمن و سلامة العيش في اليومي .
يفترض ظهور السر علاقة اجتماعية بين فردين اثنين ، أو بين فرد و جماعة ، مثلما يفترض تفاعلا و تبادلا بينهم . فخارج هته العلاقة الاجتماعية لا وجود اجتماعي للسر
لا يكون السر سرا إلا إذا تم إفشاؤه (خيانة أمانة حفظه ) . عملية إسرار السر من طرف فرد لآخر هي إفشاء مشروط ، خيانة مشروطة بعدم الإفشاء . تلك مفارقة السر و التي تجعل من عملية الإسرار إسرارا و إفشاء في الوقت نفسه من جهة و سيرورة من جهة ثانية . في هذا السياق قد نتحدث عن السر الثنوي و الثلاثي و الرباعي … سيرورة السر و ديناميته يصلان السر بالكذب و التضخيم و الزيادة و النقصان و كلها عناصر تقوي التفاعل و توسع دائرته الاجتماعية . السر قول يفترض عدم القول (الصمت) كي يظل سرا . إنه معطى و معلومة و قول ، لا شبه بينها و بين كل المعلومات و المعطيات . تختلف معلومة السر عن أخواتها بكونها تتطلب الإبعاد القسري عن التداول الاجتماعي . عليها أن تخزن في البئر (بالمناسبة استعارة البئر بقدر ما ترتبط بالسر ترتبط كذلك بالحقيقة ) . استعارة البئر هي من يرفع قيمة معلومة السر مقارنة بباقي المعلومات العمومية . الشكل الاجتماعي (السر) هو ما يمنح لمضمونه قيمة و ليس العكس . إنه المحفز الطاقوي الذي يفرض حفظ و كتمان المعلومة و هو ما يشعل نار الرغبة في إفشائها . السر ثقيل التحمل نفسيا و اجتماعيا لذلك استمرايته كسر تتطلب التقاسم و التفاعل بما هما أهم أعمدة الحياة الاجتماعية لكل جماعة . لا يمكن للمجتمع و كذا العلاقات الاجتماعية أن تحيا من دون جرعات كبرى أو صغرى من السر و في الآن ذاته جرعات كبرى أو صغرى من خيانته و إفشائه ، و إلا كنا سنعيش كلنا داخل “ جمعيات و جماعات سرية سياسية او صوفية مغلقة “ ، لكن كيف يمكن للسر أن يخلق متانة رابط الصداقة و الصديق و في الآن نفسه أن يهددها بالانحلال و التفكك ؟ كيف يمكن للسر و هو ضرورة للحياة الاجتماعية أن يحيا داخلها؟
يفترض جورج سيمل أن الحميمية الكلية و الكاملة و الشاملة لا تتوافق مع علاقات الصداقة ، لأنها تعدم الإختلاف بكل ميولاته .على الصديق أن يظل مختلفا (مالكا لقسط من أسراره) كي تدوم الصداقة و معها فضول المعرفة و التعرف . يمنح السر للفرد و للعلاقة البينفردية عمقا يضيئه و يعلنه بريق العين المنعكس على الداخل و الباطن . بريق يعلن للخارج أن الأمر يتعلق بتجربة الصداقة و ليس بفضيلة الصداقة ، بتجربة الفرد و ليس بأناه ، بفردانيته و اختلافيته و ليس بمطابقته و شيهه للآخرين .يثير جورج سيمل ، في هذا السياق ، إحدى خاصيات المجتمعات المعاصرة و التي تتمثل في تطوير و تنمية الصداقات الاختلافية التي تكون فيها حصة و قسط الفضول و السر معلنتين و واضحتين .