ضغوط نفسية كثيرة ترافقهم استعدادا لاجتياز محطتها.. تلاميذ البكالوريا بين رهبة الامتحان وغموض الآفاق

كلما اقترب موعد امتحانات البكالوريا، بدأت القلوب تخفق بشدة، وتعلو الهمسات في المدارس والبيوت، ويمتدّ التوتر ليشمل التلاميذ وأسرهم وحتى محيطهم الاجتماعي، فهذه الامتحانات لا تعني للتلميذ مجرد اختبارات في مواد دراسية، بل ترمز في نظر كثيرين، إلى مصير كامل، ومستقبل بأكمله، وحياة يراها البعض تتوقف على بضع ساعات داخل قاعة الامتحان.

 

تتحوّل أيام المراجعة التي تسبق الامتحانات إلى سباق محموم مع الزمن، يحاول فيه التلميذ استيعاب أكبر قدر من المعلومات، وقد ينسى في خضم هذا الضغط أن يأكل جيدا أو ينام بشكل منتظم. وقد تسيطر عليه أفكار سوداوية مثل «ماذا لو لم أنجح؟» أو «ماذا سيقول أهلي عني؟»، فتتعمق مشاعر الخوف والإحباط شيئًا فشيئا.
الكثير من التلاميذ يعانون في صمت، إذ يخشون البوح بضعفهم النفسي، خوفًا من أن يُوصموا بالهروب أو الفشل. بعضهم يصاب بنوبات هلع أو يعاني من اضطرابات في النوم، وآخرون يدخلون في حالات من الانعزال التام. هذه الضغوط قد تقود، في حالات مأساوية، إلى اتخاذ قرارات خطيرة كالهروب من المنزل، أو الإقدام على خطوات غير محسوبة العواقب وذات خطورة كبيرة، خاصة عند الذين قد يشعرون بأنهم خذلوا آبائهم وأمهاتهم أو لم يكونوا على قدر انتظاراتهم.
لكن، من أين تنبع كل هذه المخاوف؟ لماذا يتحول امتحان، مهما كانت أهميته، إلى مصدر للمعاناة النفسية؟ الجواب يكمن في البيئة الاجتماعية والثقافية التي نعيش فيها، حيث يُربط النجاح في البكالوريا بالهيبة الاجتماعية، عند البعض، وبالقدرة على الولوج إلى التعليم العالي، وهذا واقع يفرض نفسه، وبالتالي الحصول على مستقبل «مضمون». وهكذا، يصبح الامتحان ليس فقط تحديا دراسيا، بل اختبارا للكرامة وللصورة أمام الناس. وهنا، تقع الأسر بدورها تحت ضغط كبير، إذ تتابع الأمهات ومعهم عدد من الآباء أبناءهم في كل لحظة، يطلبون منهم الدراسة بلا توقف، ويقلقون إن هم خرجوا أو تأخروا في النوم، وقد يمارسون ضغطًا نفسيا دون أن يشعروا، وبالتالي يكون القلق الذي يشعر به التلميذ هو في الواقع انعكاس أيضا لقلق الأهل، الذين يخافون على مستقبل أبنائهم أكثر مما يخافون على أنفسهم.
الغريب أن هذه الظاهرة تتكرر كل سنة، مع كل دفعة من التلاميذ، بنفس السيناريو تقريبا الذي يتوزع ما بين الضغط، الخوف، التوتر، الانتظار، الدموع، والفرح أو الحزن بعد إعلان النتائج. ومع ذلك، لا يبدو أن المجتمع يراجع طريقة تعامله مع هذه المرحلة، بل يتمادى أحيانًا في ترسيخ الضغط على التلميذ، ويجعل من النجاح في البكالوريا معيارا نهائيا لتقييم قيمة الفرد. لهذا، من الضروري يؤكد عدد من الفاعلين التربويين على ضرورة أن نعيد التفكير في معنى النجاح والفشل، لأن البكالوريا، مهما كانت أهميتها، تبقى مرحلة ضمن مراحل أخرى كثيرة في الحياة، ولنجاح لا يقاس بشهادة واحدة، بل بالقدرة على الصمود، وعلى الاستمرار، وعلى تطوير الذات، فكم من شخص رسب في البكالوريا ونجح بعدها نجاحا باهرا في حياته المهنية أو الفنية أو الاجتماعية؟ وكم من متفوق فيها تاه بعد ذلك في مسارات لم تكتمل؟
ويشدد الأخصائيون الاجتماعيون ارتباطا بهذا الموضوع على ضرورة تربية الأبناء على أن الفشل ليس عيبا، بل تجربة، وأن الحياة لا تتوقف عند امتحان، بل تمتد لتشمل آلاف الفرص. كما يرون بأنه يجب على المؤسسات التعليمية أن توفر دعما نفسيا حقيقيا للتلاميذ، وأن تساعدهم على فهم ذاتهم وإدارة قلقهم، كما ينبغي على وسائل الإعلام أن تتوقف عن تصوير الامتحانات كمعركة مصيرية، وأن تركز بدلا من ذلك على نشر ثقافة الوعي والتوازن. وفي السياق ذاته، أكد محمد عدام وهو أستاذ في مادة الرياضيات بالتعليم الثانوي التأهيلي بالدار البيضاء لـ «الاتحاد الاشتراكي»، على أنه ‏يمكن للمؤسسة التعليمية التخفيف من الضغط النفسي بالنسبة للمتعلمين خلال فترات التعلم وذلك بتنظيم أنشطة موازية كالمسابقات الرياضية والمسابقات الثقافية، والرحلات، والأندية المدرسية، أما خلال فترة الامتحان فالمؤسسات تعمل على تأهيل المتعلمين لاجتياز الامتحانات الإشهادية، ولا يمكن في هذه المراحل من السنة الدراسية العمل على نفسية التلميذ سوى من خلال توجيهه لاجتياز امتحاناته في أحسن الظروف، مضيفا بالقول «هنا نتحدث عن التلقين التحصيل العلمي لا غير». وأوضح المتحدث ذاته بأن ‏الكل يعلم أن دور الأسرة مهم جدا في تحصيل المتعلمين وذلك من خلال مواكبة التلميذ خلال جميع فترات التحصيل العلمي وليس فقط فترات الامتحانات، والتنسيق بينها وبين طاقم التربوي، أي الأساتذة، وكذا منح بعض التحفيزات للابن والابنة عند تحقيق علامات ممتازة.
ويدعو عدد من المتتبعين لهذا الموضوع والمنشغلين بالمسألة التعليمية لأن تقوم وسائل الإعلام بدور مهم في التوعية والمواكبة لهذا الموضوع، وألا يقتصر حضور عدد منها على تغطية لحظة الامتحانات بأي شكل من الأشكال التي قد تؤدي إلى نتائج غير التي يكون الجميع يرغب فيها. وفي النهاية، فإن التلميذ الذي يستعد اليوم للبكالوريا يحتاج قبل كل شيء إلى التفهم والدعم، لا إلى التخويف والتهديد، ويحتاج إلى من يقول له «أنت قادر، لكن حتى لو لم تنجح الآن، فالحياة ستمنحك فرصة أخرى»، فالنجاح الحقيقي هو أن نؤمن بأن الحياة أوسع من ورقة امتحان، وأغنى من نتيجة على لائحة، لكن هذا لا يلغي ضرورة الدراسة والتحصيل وبذل كل الجهد لتحقيق الهدف.

صحافية متدربة


الكاتب : لمياء الرايسي

  

بتاريخ : 14/05/2025