وضع كارثي تعيشه منطقة سوس ماسة منذ عدة أشهر بسبب إفلاس ضيعات الحوامض المترامية على أزيد من 40 ألف هكتار، والتي ظلت لسنوات عديدة تضخ المياه الجوفية ومعها مياه السدود الصغيرة بالمنطقة من أجل إنتاج حوالي 450 ألف طن سنويا من الحوامض (70 في المائة من الإنتاج الوطني) .
واليوم وبعد أن نضبت مياه الحوض المائي لسوس ماسة لتستقر تحت مستوى 14% (100 مليون متر مكعب عوض 730 مليون متر مكعب) لم يجد أصحاب الضيعات التي كانت تصدر آلاف الأطنان من البرتقال والليمون نحو أوربا، وتشغل مئات الألاف من اليد العاملة المحلية، أي سبيل آخر وضع المفتاح تحت الباب والتخلي عن هذه الضيعات التي كانت تدر عليهم في وقت سابق ثروة بالعملة الصعبة، تاركين عشرات الألاف من العمال الفلاحيين عرضة للبطالة.
والواقع أن هذه الوضعية، هي عنوان عريض للفشل الذي منيت به المخططات الحكومية في القطاع الفلاحي، والتي ظلت تصم آذانها رافضة أي انتقاد لهذه السياسة الفلاحية المتهورة التي أوصلت المنقة إلى حافة الهاوية.
لطالما كتبنا على أعمدة هذه الجريدة أن هناك حاجة ملحة لمراجعة السياسات العامة المتبعة حاليا في القطاع الزراعي، والقائمة على الاستعمال المفرط للموارد المائية، خصوصا تلك المعبأة من المصادر الجوفية، خصوصا وأن بعض الزراعات التي شهدت طفرة كبرى في الإنتاج في إطار المخططات الزراعية المتبعة منذ 15 عاما، تستلزم اليوم إعادة النظر في ظل الوضعية المائية الخطيرة التي تشهدها البلاد، والتي لم تعد تسمح بهدر الثروات المائية المتضائلة، سنة تلو أخرى.
وليس أمامنا الكثير من الخيارات، الخصاص المائي الراهن يلزمنا بوضع حد لجميع الزراعات المستهلكة للمياه بشكل مفرط، وحتى إذا رفضنا هذا الخيار، فإن الطبيعة هي التي ستفرض علينا الرضوخ للأمر الواقع.
وهاهو هو قطاع الحوامض بجهتي سوس وملوية، يقف اليوم أمام الباب المسدود، حيث أدى الاعتماد المفرط على المياه الجوفية لسقي عشرات الآلاف من أشجار الحوامض إلى استنزاف المخزونات الجوفية التي لم تعد تتجدد بفعل توالي سنوات الجفاف، وها نحن اليوم نرى كيف أصبح العديد من المزارعين بالمنطقة يقتلعون أشجار الحوامض من حقولهم ويهجرون ضيعاتهم بعدما أصبحوا عاجزين عن استخراج ما يكفي من المياه لسقيها. وهذا ما يؤكد أن الطبيعة في النهاية هي التي تقول كلمتها.
ويعيش القطاع الفلاحي في الوقت الراهن أخطر أزمة جفاف يشهدها منذ عقد الثمانينات، فلم يسبق لهذا القطاع الذي يعيش منه بشكل مباشر أزيد من 15 مليون مواطن، أن توالت عليه تباعا 6 سنوات من الجفاف وهو ما جعل الموارد المائية للبلاد تهبط إلى مستويات قياسية، تبدو معها الوضعية المائية التي عرفها المغرب خلال أعوام 1981 و 1986، و1987، و1991 أفضل بكثير من الوضعية المائية الراهنة، وقد دق العديد من الخبراء والباحثين الزراعيين ناقوس الخطر منذ مدة طويلة، محذرين من الانعكاسات الكارثية لهذه الأنماط الإنتاجية المعتمدة على المياه الجوفية، والتي بدأت معالمها الآن تظهر بشكل جلي مع توالي سنوات الجفاف، حيث أصبحت مجموعة من المناطق السقوية تشهد خصاصا حادا في المياه الجوفية . وبسبب هذا الوضع غير المسبوق، تراجع متوسط واردات المياه إلى السدود من 18 مليار متر مكعب خلال فترة 1945 – 1980، إلى 14 مليار متر مكعب ما بعد 1980 وإلى أقل من 5 ملايير متر مكعب في السنوات الخمس الأخيرة، و منذ 2018، تم تسجيل ست سنوات جافة متتالية مع انخفاض شديد في مستوى الموارد المائية ومخزون السدود والفرشاة المائية.
ويسلط الميزان التجاري للمغرب الضوء على حقيقة صادمة مفادها أن المغرب أصبح يبيع 8 ملايير دولار من الخضر والفواكه والحوامض (المشبعة بالمياه و التي تستنزف 80 % من مواردنا المائية المتضائلة عاما تلو آخر) ليشتري مقابلها 9 ملايير دولار من الحبوب التي قرر المخطط الفلاحي (المغرب الأخضر والجيل الأخضر)، أن يقلص مساحة زراعتها (من 6 مليون هكتار إلى 1.5 مليون هكتار) مفضلا استبدالها بزراعة الحوامض و البطيخ و الأفوكادو.. وهكذا يتضح أن مجموعة صغيرة من الفلاحين الكبار أصحاب الضيعات المتخصصة في التصدير هم الذين استفادوا من 8 ملايير دولار المتحصلة من بيع المنتوجات الفلاحية وإغراق الأسواق الأوربية، وهؤلاء الفلاحون الكبار كانوا خلال السنوات الماضية أكبر المستفيدين من مخطط المغرب الأخضر الذي قام بتمويل استثماراتهم بنسب وصلت إلى 80% وتم لفائدتهم كراء أراضي الدولة أو شرائها بأسعار جد تفضيلية و تم إعفاؤهم من الضرائب..