تجري وقائع معركة للاستفادة من الموانيء البحرية في الصومال حيث لا يتوقع أحد أن يحدث ذلك. فقد أصبح الصومال طرفا في صراع إقليمي بين السعودية والإمارات من جانب وقطر وتركيا التي تدعمها من جانب آخر.
ولب الصراع لا يتعلق فقط بالمياه التي تعج بالحركة قبالة الساحل الصومالي بل باستقرار البلاد ذاته مستقبلا.
ويشهد الصومال حربا منذ عشرات السنين وحتى بضعة أعوام مضت كان يواجه صعوبات في اجتذاب استثمارات أجنبية. غير أن التنافس في شبه الجزيرة العربية أدى إلى تدفق استثمارات كبيرة على الصومال.
وقبل عام وقعت شركة مملوكة لحكومة الإمارات العربية المتحدة عقدا قيمته 336 مليون دولار لتوسيع ميناء بوصاصو شمالي مقديشو في إقليم بلاد بنط الصومالي المتمتع بالحكم الذاتي.
وقبل أقل من عام من ذلك تولت شركة أخرى مملوكة للإمارات دفة الأمور في ميناء بربرة في إقليم أرض الصومال الشمالي المنشق وتعهدت بإنفاق ما يصل إلى 440 مليون دولار لتطويره. وفي مارس آذار تملكت اثيوبيا حصة في الميناء مقابل مبلغ لم يتم الكشف عنه.
وفي الوقت نفسه تعمل تركيا حليفة قطر في الجانب الآخر على ضخ استثمارات بمليارات الدولارات في الصومال. وتدير شركة تركية ميناء مقديشو منذ عام 2014 بينما تتولى شركات تركية أخرى شق الطرق وبناء المدارس والمستشفيات.
وقد ازدادت حدة هذه المنافسات منذ يونيو حزيران الماضي عندما قطعت دول عربية على رأسها السعودية والإمارات علاقاتها الدبلوماسية مع قطر واتهمتها بدعم إيران ومتطرفين إسلاميين.
ويقول دبلوماسيون ورجال أعمال وباحثون ومسؤولون صوماليون إن هذا الخلاف هو الذي يحرك الرغبة في السيطرة على منطقة القرن الأفريقي ومياهها.
ويحتل الصومال موقعا قريبا من طرق نقل النفط الحيوية كما أن موانيه يمكن الاستفادة بها لصالح اثيوبيا التي لا تطل على بحار ويبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة.
وترتبط دول الخليج مع الصومال بعلاقات تجارية ودينية منذ قرون لكن هذه العلاقات أصبحت الآن في مهب الريح مع ظهور منافسات جديدة. وقال روب مالي رئيس مجموعة الأزمات الدولية للأبحاث «وجد الصومال نفسه طرفا في هذا الجهد المبذول لمحاولة توسيع النفوذ التجاري والعسكري على امتداد الساحل».
ويقول دبلوماسي غربي رفيع في منطقة القرن الأفريقي إن السعودية وإيران تريان في الساحل الصومالي وكذلك جيبوتي واريتريا في اتجاه الشمال على نحو متزايد «جناحهما الأمني الغربي».
ويتركز اهتمام قطر وتركيا على دعم الرئيس محمد عبدالله محمد كما أن كل استثماراتهما تقريبا في مقديشو. ويرى دبلوماسيون غربيون وكثيرون في الصومال أن الرئيس وكبير هيئة العاملين معه مواليان للدوحة بعد أن حصلا على تمويل لحملتهما الانتخابية في 2017.
وقال مسؤول قطري لرويترز إن الدوحة قدمت للحكومة الصومالية المركزية تمويلا يبلغ 385 مليون دولار لمشروعات البنية التحتية والتعليم والمساعدات الانسانية.
وقال المسؤول إن إبرام الصفقات مباشرة مع الحكومات الإقليمية في الصومال مثلما فعلت الإمارات يضعف الحكومة المركزية.
ويتفق وزير المالية الصومالي عبد الرحمن دعالي بيلي مع هذا الرأي.
فقد قال لرويترز «منطقة الخليج لديها الكثير من المال وإذا أرادت الاستثمار في الصومال فنحن نرحب بها بذراعين مفتوحتين. لكن المسألة تتعلق بالدخول من الأبواب الصحيحة». وتختلف الحكومة الاتحادية في مقديشو منذ فترة طويلة مع إقليمي بلاد بنط وأرض الصومال اللذين يتمتعان بحكم شبه ذاتي. ومن الناحية الفعلية يتصرف إقليم أرض الصومال وكأنه دولة مستقلة كما أنه يسعى منذ سنوات للانفصال عن الصومال لكنه لم يحظ باعتراف على المستوى الدولي.
قبل أقل من عشر سنوات لم يكن هناك اهتمام يذكر على الصعيد التجاري بالصومال.
وبدأ ذلك الوضع يتغير في العام 2011 عندما انسحب مقاتلو حركة الشباب التي يدعمها تنظيم القاعدة من مقديشو. وبعد ذلك بشهور بدأت تركيا عمليات للإغاثة من المجاعة وفتحت الباب لمشروعات وأصبحت تمثل الآن أكبر مستثمر أجنبي في الصومال.
وتأمل الحكومة أن تسهم الاستثمارات الجديدة لا سيما في البنية التحتية في إعادة بناء البلاد.
ويسهم ما طرأ من تحسن على تحصيل الضرائب في رفع الإيرادات الحكومية غير أن هذا لا يغطى سوى مرتبات العاملين في القطاع العام. ويتطلب الأمر مبالغ طائلة من أجل الطرق والمدارس وغيرها من الأساسيات. ومن الممكن أن تقدم شركات وجمعيات خيرية من الشرق الأوسط بعضا من هذه الاستثمارات.
غير أن هذا المال يمكن أن يعمل أيضا على زعزعة استقرار البلاد من خلال تعميق التوترات بين الحكومة المركزية المتحالفة مع تركيا وقطر وإقليمي بلاد بنط وأرض الصومال اللذين تلقيا بالفعل أموالا من الامارات. وقال حسين شيخ علي مستشار الأمن الوطني السابق «هذه الاستثمارات لها أثر ضار على استقرارنا السياسي وتتسبب في تدهور العلاقة بين الحكومة الاتحادية والإقليمين».
وأضاف «وهذا قد يتسبب في أزمة دستورية لن يستفيد منها سوى حركة الشباب».
وقد أدت الأزمة الخليجية بالفعل إلى تعميق الخلافات في الصومال. وظلت الحكومة المركزية محايدة الأمر الذي أزعج الإمارات والسعودية اللتين حظيتا بدعم إقليمي بلاد بنط وأرض الصومال في مواجهة قطر.
وقال شيخ علي «الخروج من هذه الفوضى في غاية الصعوبة. ولا يمكننا ذلك دون الوحدة».
ولم تستجب الرئاسة الصومالية وحكومة الإمارات على الفور لطلبات للتعليق.
وتخشى دول غربية أن تطغى المنافسات الخليجية في الصومال على مساعيها التي تكلفت مليارات الدولارات بقيادة الأمم المتحدة لبناء جيش صومالي عامل لمحاربة حركة الشباب قبل انسحاب قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الافريقي في 2020. ويقول الدبلوماسيون إن الأزمات السياسية بين مقديشو والسلطات الإقليمية تضعف مساعي الحكومة لتدعيم النظم المالية والشروع في مهام أخرى أساسية من مهام الدولة. كذلك فإن المنافسات الخليجية أصبحت محسوسة على الأرض في الصومال.
ففي منتصف ابريل نيسان أنهت الصومال والإمارات التعاون العسكري بينهما. فمنذ عام 2014 كانت الإمارات تتولى تدريب القوات الصومالية في مقديشو ودفع مرتبات أفرادها وأسست قوة لمكافحة القرصنة في بلاد بنط. وتعرضت قطع سلاح بالمئات للنهب من مركز التدريب في مقديشو أثناء إغلاقه.
وجاء ذلك بعد أن صادرت قوات الأمن الصومالية ما يقرب من عشرة ملايين دولار نقلت جوا من الإمارات لدفع مرتبات الجنود واحتجزت الطائرة التي نقلت المبلغ بصفة مؤقتة. كما أغلقت الإمارات مستشفى كان يقدم الرعاية الصحية مجانا.
وفي الأسبوع الماضي سافر مسؤولون من بلاد بنط إلى دبي لمقابلة مسؤولين في الإمارات وشركة بي. آند أو التي تتولى تطوير مينائه.
وقال رئيس إقليم بلاد بنط عبدي ولي محمد علي إن «استثمار ملايين الدولارات في الصومال في هذا المنعطف الحرج في التاريخ في غاية الأهمية بالنسبة لنا».
وبالمثل استضاف المسؤولون في إقليم أرض الصومال دبلوماسيين من الإمارات الأسبوع الماضي لبحث «تعزيز العلاقات الثنائية».
وقال هاري فيرهوفن الأستاذ بجامعة جورج تاون في قطر «بالنسبة للصوماليين أنفسهم من الواضح أن هذا النوع من لعبة الشطرنج الجيوسياسية، التي يعد فيها الصومال أرض صراع بالوكالة للمشاكل التي تشهدها منطقة الخليج، يمثل نبأ سيئا».