عبد الإله حيضرة يسائل رئيس الحكومة حول مآل تنزيل إصلاح التعليم

وجب تجاوز الحسابات الضيقة لأن التعليم تتوقف عليه أحلام أمة بأجمعها

 

 

تدخل الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين في الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة حول موضوع: « واقع التعليم وخطة الإصلاح»، وهو الموضوع الذي لم يقدم حوله عزيز أخنوش أجوبة حاسمة عدا وعود بتنزيل الإصلاح مع نهاية ولايته الجارية. وأثار رئيس الحكومة نقاشات في تعقيبه خارج الموضوع حيث تطرق للمحروقات الملتهبة أسعارها وكذا غلاء أضاحي العيد في تأكيد على أسعارها حيث أضاف أن ثمنها يصل ألف درهم كحد أدنى في حين كان أحد وزرائه حدد ثمنها في 800 درهم، وهي أرقام خلفت سخرية الجميع واعتبرت محاولة للفت الانتباه عن الموضوع الحارق المتعلق بالمحروقات حيث تسربت معلومات أو تم تسريبها عن قصد من اجتماع لأحد أحزاب الأغلبية طرح خلاله أن سعر البنزين سيتجاوز 25 درهما، وهو ما يهدد بركود اقتصادي خطير جدا.
وبالعودة إلى تعقيب المستشار الاتحادي عبد الإله حيضرة فقد جدد  التأكيد، مرة أخرى، باسم الفريق الاشتراكي، على أنه لا تنمية ولا تقدم بدون معالجة شاملة لمنظومة التعليم ببلادنا، هذه المنظومة التي يجمع الرأي العام الوطني على أنها في حاجة ماسة إلى وصفة سحرية لمعالجة ما يمكن معالجته، وشدد حيضرة على أن مسلسل الإصلاحات والقرارات والمخططات يبدأ وينتهي دون أن يخضع لأي تقييم أو تشخيص موضوعي من شأنه أن يساهم في معالجة جزء من هذه الاختلالات، بدءا من الميثاق الوطني للتربية والتكوين، البرنامج الاستعجالي، ثم الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015 – 2030  التي تحولت مقاصدها الكبرى إلى قانون إطار من المفروض أن يجسد تعاقدا وطنيا ملزما للجميع، لنصل اليوم إلى نتائج لا علاقة لها بانتظارات المواطنين، ناهيك أن القطاع أصبح قطاعا مكلفا تبحث الدولة عن منفذ لتمويله، وأوضح المستشار الاتحادي أن التمويل ليس هو الإشكال الحقيقي بل المشكل يكمن في كيفية النهوض بقطاع يتأسس عليه مصير أمة بأكملها في وقت أضحت فيه المعرفة سلعة محكومة بقوانين التجارة التنافسية من عرض وطلب وربح وخسارة.
وأضاف حيضرة أن إصلاح منظومة التعليم في نظرنا كفريق، لا يكتفي بخطط واستراتيجيات متسرعة وأحيانا ارتجالية تستجيب لإكراهات ظرفية فقط، بل تقتضي توفر الإرادة السياسية الكاملة في بلورة سياسات عمومية تجعل من منظومة التعليم مجالا للاستثمار المعرفي ويمكن من تعزيز مبدأ المواطنة وإرساء دعائم المدرسة الجديدة تربية وتكوينا.
فلا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن نختزل الإشكالات الكبرى لمنظومة التربية والتكوين والتعليم العالي والتصورات الممكنة لتجاوزها في ظل ولاية حكومية أو ولايتين، لأن الأمر يتعلق بقضية وطنية كبرى، لاتزال بعد قضية وحدتنا الترابية، الشاغل الأساسي لكافة المغاربة، وقال حيضرة مخاطبا رئيس الحكومة:»   قد تكون حكومتكم محظوظة، إذ تحملت المسؤولية في ظل امتلاك بلادنا لرؤية استراتيجية لمنظومة التربية والتكوين 2015-2030، واعتماد النموذج التنموي الجديد الذي وضح الرؤية في العديد من القطاعات وعلى رأسها قطاع التربية والتكوين.
وهذا من شأنه أن ييسر مهمتكم في أجرأة هذه التوجهات الكبرى وتصريفها في برامج عملية ومقررات تشريعية وتنظيمية وتدبيرية تعطي جرعة من الأمل لكل الشعب المغربي في إصلاح حقيقي وملموس لهذا القطاع الذي يرهن بلادنا في حاضرها ومستقبلها، في ظرفية دولية صعبة يسودها الشك وعدم اليقين.
إن مفاتيح التعليم لا تتطلب بالضرورة صرف أرصدة مالية ضخمة، بمبررات التهيئة والإصلاح المعماري وتوفير العتاد الديداكتيكي، ولا الانكباب السنوي على التغييرات في البرامج والمناهج والرؤى، ولا إطلاق مشاورات أفقية، بدون استشارة القواعد والأعمدة التربوية، كتلك التي دعت إليها أخيرا الوزارة الوصية، بل تتطلب العمل على إعادة الثقة بين الثلاثي المشكل لكل عملية تعليمية، ويتعلق الأمر بــ (الأستاذ والتلميذ وولي أمره).
وبدون هذه الثقة فإنه لا يمكن أن نحظى بتلميذ مستعد للتعليم والتكوين، فأهم ما ينقص المدرسة هو طفل يحمل صفة تلميذ، طفل يدرك حق الإدراك أن ولوجه إلى المدرسة، هو ضرورة لتنشئته وجعله فاعلا في الحياة ومؤثرا في تغيراتها، لا أن نرسخ في ذهنه أن التعليم يعني فقط المصعد إلى تحصيل الشغل والوظيفة».
واوضح المستشار الاتحادي بإن إشكالية النموذج التنموي الجديد وما جاء في كل من القانون الإطار والبرنامج الحكومي تكمن في التنزيل الميداني لها، والقدرة على إقناع الفاعل الميداني في الانخراط الإيجابي لإنجاحه. وهذا يقتضي:
–     التساؤل عن مسار ومآل المشاريع التربوية السابقة، وهل حققت أهدافها وغاياتها، أم فشلت أو أُفشلت؟ وهذا يتطلب إجراء تقويم موضوعي يمكن من الحكم عليها بالفشل أو الإفشال.
–    يقتضي كذلك إرساء المبادئ الدستورية وإقرار ربط المسؤولية بالمحاسبة لإعادة الثقة بين المؤسسات ومختلف مكونات المجتمع المغربي.
-إعطاء المصداقية لقرارات وتقارير لجن التتبع والاستقصاء والافتحاص في منظومة التربية والتكوين من أجل ربط المسؤولية بالمحاسبة.
–   إعادة النظر في القوانين المنظمة للقطاع الخاص، لمراقبة وضبط الاختلالات التي يعرفها في علاقته بما هو تربوي واجتماعي ووطني.
إن تفكيرنا السليم داخل الفريق الاشتراكي لا يسعفنا في استيعاب النقاش الذي يثار بمجلسي البرلمان أو خارجه بمناسبة مناقشة واقع التعليم، والذي يعكس بجلاء وضعنا السياسي الصعب والمتجلي في طغيان الحزبية الضيقة واختزال إشكالات المنظومة في اللغة وتجاهل الجوهر التربوي والبيداغوجي والمناهجي في مشروع الرؤية الاستراتيجية، وهو ما لا يخدم المنظومة ويتعارض مع خطاب الإصلاح الذي يردده الجميع.
وشدد حيضرة على أن تطوير الجامعة المغربية يقتضي الاعتراف بالكفاءات الوطنية وتحميلها المسؤولية في إطار الوضوح والشفافية وليس، كما يروج في وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية، بناء على الخلفيات السياسية والحزبية المتحكمة في بعض التعيينات في مناصب المسؤولية الجامعية على مستوى المؤسسات والعمداء وغيرهم.
وأضاف  «لا شك أن الاستخفاف بقيم الاستحقاق والجدارة والكفاءة العلمية في تولي المسؤوليات بقطاع التعليم العالي وغيره لن يزيدنا إلا تراجعا وتأخرا وتكريسا مخزيا لبعض الممارسات المشينة التي لاحت مؤخرا في الساحة الجامعية.
وهي مناسبة لتنويرنا وتنوير الرأي العام الوطني حول مصير ومآل الاتفاق الذي وقعته الوزارة الوصية مع النقابة الوطنية للتعليم العالي؟ وخاصة الاتفاق المتعلق بالنظام الأساسي للأساتذة الباحثين؟
لقد آن الأوان أن نترفع جميعا عن حساباتنا الضيقة أغلبية ومعارضة وأن نضع اليد في اليد من أجل التوجه رأسا إلى الإصلاحات الحقيقية الكفيلة بالنهوض بمنظومة التربية والتكوين باعتبارها المدخل الرئيسي والشرط الأساسي لكل تنمية شاملة ومنشودة».


الكاتب : محمد الطالبي- الرباط

  

بتاريخ : 07/07/2022