انصرمت على استحقاقات08 شتنبر 2022، عشرة أشهر، خاض فيها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية معركة انتخابية نظيفة، احترمت كل المعايير المسطرية التي جاء بها قانون الطوارئ ذي الصلة بجائحة كوفيد 19 .
وعليه التزم الاتحاديون بربوع المملكة، بالبرتوكول، وتقيدوا به حرفيا، وفي الحسيمة شمال المغرب، كانت الحملة حربا ضروسا بين الأحزاب المتنافسة، والتي جثمت على صدر الإقليم لسنوات وكانت، ومازالت، جزءا من المشكل، ولم تكن جزءا من حله، خاصة ما عرفته المنطقة من حراك شعبي، أضحت كلفته باهظة، وكانت هذه الأحزاب خاضت تحالفا شرسا قطع الطريق على حزب الوردة حتى لا يفوز بمقعد برلماني، لأن التجربة أعطت أنه لما تبوأ الأخ أمغار مقعدا برلمانيا في تجربة سابقة، كان متنفسا ونافذة يشهق منها الإقليم ضد سياسة العزلة والتهميش التنموي، إذ أن أربعة مقاعد للاستقلال والأحرار والبام والحركة الشعبية لم تصنع ولم تقدم للإقليم إلا الأوهام حتى فقدت الساكنة والشباب على رأسها، الأمل كله فعج المتوسط بقوارب الموت العابرة إلى الضفة الجنوبية منه .
وأمام هذا المشهد التراجيدي والكارثي والجزئي، تحركت الآلة الانتخابية بالحسيمة بكل ما أوتيت من ترهيب وترغيب في تجمعات حاشدة أمام أعين السلطة، التي بقيت محايدة حيادا سلبيا، استحضر فيها كل المقاربات القبلية والعرقية والدينية، وتم تغييب السياسة لصالح الشعبوية، نطقت المحكمة الدستورية في 18 ماي 2022 بإلغاء المقاعد الأربع آنفة الذكر، والتي كانت من نصيب نور الدين مضيان (الاستقلال) وبوطاهر البوطاهري عن (الأحرار) ومحمد الحموتي عن (الأصالة والمعاصرة) ثم محمد الأعرج (وزير سابق عن الحركة الشعبية).
لم يبق المناضلون بالحسيمة مكتوفي الأيدي تحركوا وزادوا على نضال الحملة النقية، نضال الترافع عن المقعد الاتحادي المغتصب لاسترداده فكانت معركة الاسترداد، بعد أن تقدم حزب الوردة بالطعن مدعما بكل الحجج المادية، وفي الآجال القانونية المحددة، والذي استجابت له المحكمة الدستورية بالإلغاء، وانبرى إليه العياشي حسين، محام بهيئة المحاماة بالحسيمة، بصفتين مظفورتين جدليا: بصفته محام وحقوقي يهمه إرجاع الحق إلى أهله، وبالصفة الثانية كونه مناضلا مسؤولا إقليميا بحزب الوردة (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ).
وقد اتسمت الحملة الانتخابية الجزئية المعادة بالفتور والعزوف بحيث بلغت نسبة المشاركة على مستوى الإقليم22,29 أدلى ما مجموعه52 ألفاو261 ناخبة وناخبا بأصواتهم في مكاتب توزعت إلى 608 مكاتب تصويت عبر أرجاء الإقليم، والسبب هو تلك الأحزاب التي كان مر على صعودها للبرلمان عشرة أشهرفقط، قطعت خلالها صلتها بمريديها وزبنائها، وهو ما تأكد للجميع إبان الحملة في أرجاء الإقليم حيث كانت تتعالى أصوات لسان حالها :أين كنتم لما أغلقتم هواتفكم بمجرد صعودكم إلى قبة البرلمان؟
والواقع أن كثيرا من الصواب مع هؤلاء الساكنة التي كانت تُبتز، وبخاصة الموجودين في مناطق الكيف حيث الوعود بالحماية من السلطة وغير ذلك من الأكاديب، بيد أن الترخيص لزراعة الكيف من طرف الدولة أسقط في أيدي هؤلاء الأساطين البرلمانية، والتي كان يعتقد الناخب أنها آلهة جبل الأولمب لن يسقطها من عروشها أي عاصف، حتى جاءت السقطة على يد حزب القوات الشعبية، طبعا مع استحضار الثقة والنزاهة في القضاء المغربي .
إن الدرس الذي أعطاه الحزب ومن عبره الأخ عبد الحق أمغار وكل المناضلين الذي حجوا إلى الحسيمة لدعمه وعلى رأسهم الكاتب الأول الأخ لشكر وبرلمانيي الغرفتين وشبيبة الحزب للجهتين الشمالية طنجة تطوان الحسيمة، والشرقية الناظور وجدة، بأن إرادة المناضلين لا تقهر إن أخلصوا النية، فالكلمة التوجيهية السياسية للأخ الكاتب الأول أعادت إلى الأذهان ملاحم الحزب حينما كان يخوض معاركه السياسية والانتخابية بأخلاق سامية، ولنا في ترشح الأخ المرحوم عبد الرحيم بوعبيد في أكادير ترشحا نضاليا ليس إلا، فرغم إسقاطه قدم له المناضلون الورد كذلك، كان المناضلون الاتحاديون والتقدميون في الموعد بالحسيمة حينما أهدوا حزب الوردة مقعدا مستردا في شخص الأخ أمغار.
إن ما حدث بالحسيمة شيء من إعادة الاعتبار للسياسة وإضفاء المعنى عليها.
(*) شاعر ومترجم وباحث