ـ يجب أن نمنع اتخاذ القوانين غطاء لممارسات غير مشروعة كما في حالة العملية الانتخابية أو في عدد المراقبين في الصناديق
ـ لا بد من تقنين العلاقة بين السلطة والمال، من خلال موجة جديدة للإصلاحات الدستورية
أكد عبد الحميد جماهري،عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، خلال استضافته في برنامج «وجها لوجه» على إذاعة MFM، أن تناول جلالة الملك لموضوع الانتخابات في خطاب العرش جاء استجابة لنقاش مجتمعي واسع، موضحًا أن ملك البلاد كان من الطبيعي أن يجيب عن أسئلة المغاربة وتطلعاتهم الكبرى. وأشار إلى أن الخطاب حسم مسألة إجراء الانتخابات البرلمانية كاستحقاق أول، مع التشديد على احترام دورية الانتخابات، معتبرًا أن الأمر لا يرتبط بأجندة راهنة فقط، بل هو تذكير بأهمية الانتخابات في إنتاج السيادة الشعبية.
وفي ما يتعلق بالدعوة الملكية لإخراج مدونة الانتخابات الموحدة قبل سنة 2026، أوضح جماهري أن جلالة الملك ،منح مهلة زمنية كافية لتفادي الضغوط التي قد تفرز قوانين معيبة أو متأثرة بالظرفية، مشيرًا إلى أن هذه المبادرة تمنح فرصة لنقاش موسع بين الأحزاب. وأكد أن الاتحاد الاشتراكي ناقش هذه المسألة منذ سنة ونصف في البرلمان والمؤسسة الاشتراكية للمستشارات والمستشارين الاتحاديين ، غير أن الحكومة تجاهلت مقترحاته، ربما لشعورها بالارتياح لوضعها الحالي.
وشدد على أن الرهان الأكبر اليوم هو استعادة الثقة في العملية الانتخابية التي تضررت بفعل الممارسات السلبية، مبرزًا الهوة بين المؤسسات المنتخبة والمواطنين، والعزوف عن المشاركة، والأداء الباهت لبعض المنتخبين، إضافة إلى محاكمات طالت آخرين. واعتبر أن الخطاب الملكي جاء ليعطي فرصة لأجل إحداث «رجة» تعيد الاعتبار للعمل السياسي والانتخابي وتؤسس لميثاق جديد.
ولتحقيق ذلك، يرى جماهيري ضرورة تجنب تكرار تجربة تعديل المنظومة الانتخابية في كل دورة انتخابية، موضحًا أن هذا النهج قد يكون مبررًا قبل دستور 2011، ودعا إلى إقرار قواعد عمل قارة ونهائية، لأن الانتخابات أصبحت مركزية في إنتاج السيادة ووضع المغرب بكل وضوح على مسار ديمقراطي شامل، كما هو اختيار رئيس الحكومة الذي سيعتبر شريكا دستوريا في تدبير الشأن العام. كما دعا إلى منع ترشح الأشخاص الذين يضرون بالأمن العام، وضبط مصادر الأموال المستعملة في الحملات، باعتبار أن بعض المرشحين يتخذون من القوانين الانتخابية غطاءً لممارسات غير مشروعة.
وأشار أيضًا إلى أن التقطيع الانتخابي الحالي يعاني من اختلالات كبيرة، إذ يمكن أن تمنح دائرة بها ألفا ناخب مقعدين برلمانيين، فيما تمنح أخرى تضم أكثر من 300 ألف ناخب ثلاثة مقاعد فقط، داعيًا إلى اعتماد تقطيع يخضع لقواعد منطقية وثابتة.
وفي ما يخص تمويل الأحزاب ومراقبة الحملات وربط المسؤولية بالمحاسبة، وصف جماهري المنظومة الانتخابية بأنها جوهر الإصلاح الذي دعا إليه الخطاب الملكي، لكنه حذر من «الوديان غير النظيفة» التي تصب في العملية الانتخابية، معتبرًا أن سيطرة الأثرياء و»بارونات الانتخابات» تضعف المؤسسات وتزرع الشك في نزاهة العملية برمتها، مما يساهم في قتل الثقة لدى الناخبين.
وأوضح جماهري، أن حكومة عزيز أخنوش يمكن وصفها بـ»الحكومة المحظوظة» نظرًا لتشكيلها من ثلاثة أحزاب فقط، ما منحها في البداية انسجامًا عدديا وسياسيًا، لكنه تحول لاحقًا إلى مصدر لمشاكل بنيوية في التدبير.
وأضاف أن هذه المشاكل برزت بوضوح في تدبير ملفات حساسة، منها ملف عيد الأضحى الذي شهد ارتباكات، وملف الاستيراد الذي استفاد منه 18 شخصًا فقط، بقيمة إجمالية بلغت 13 مليار درهم. وأضاف أن طريقة تدبير ملف التشغيل عرفت بدورها خروقات، وهو ما دفع بعض الأحزاب المكونة للتحالف الحكومي إلى التعبير عن استيائها.
وعلى الصعيد الاقتصادي، انتقد جماهري أداء الحكومة في الحفاظ على وتيرة النمو، مذكرًا بأن نسبة النمو كانت في حدود 5,5 في المائة عند الخروج من جائحة كوفيد19، لكنها تراجعت إلى نحو 3 في المائة، أي بانخفاض قدره 2,2 نقطة مئوية، رغم أن الحكومة لم تواجه أزمة بحجم أزمة كوفيد. واعتبر أن هذا التراجع مقلق، لأن النمو هو الضامن الأساسي لفرص الشغل والاستقرار الاجتماعي للأسر.
وأشار إلى أن نسبة البطالة بلغت 13,3 في المائة من الساكنة القادرة على العمل، حسب التقرير، الذي رفعه والي بنك المغرب السيد عبد اللطيف جواهري إلى جلالة الملك ليلة عيد العرش، وهو ما اعتبره رقمًا خطيرًا يعكس فشل الحكومة في معالجة أحد الملفات الاجتماعية الأكثر إلحاحًا من شأنه أن ينسف الدولة الاجتماعية.
وفي ما يتعلق بمشروع الدولة الاجتماعية، شدد جماهري على أن هذا المشروع هو مبادرة ملكية بامتياز، غير أن عملية التنزيل اصطدمت بضعف أداء الحكومة، سواء في ما يتعلق بالتعويض عن فقدان الشغل أو التغطية الاجتماعية. وأضاف أن الحكومة لم ترقَ إلى مستوى تطلعات الشعب المغربي ولا إلى مستوى تنزيل المشروع الملكي، بل إن خطاب بعض أعضائها أظهر انفصالًا عن نبض الشارع.
وفي سياق ما اسماه الاستفزاز النيوليبرالي واستعراض العضلات المالية، انتقد تصريحات صادرة عن أحد الوزراء الذي تفاخر أمام المواطنين بأن ابنه حصل على شهادات من جامعات دولية مرموقة، معتبرًا أن مثل هذه التصريحات تمثل استخفافًا بالمؤسسات العمومية وبخريجيها، في حين أن الملك نفسه تلقى تعليمه في هذه المؤسسات ويحرص على التنويه بها في كل مناسبة، كما انتقد استعراض الوزراء لحقهم في الاستفادة من الصفقات. ودعا في الوقت ذاته إلى تقنين العلاقة بين السلطة والمال، من خلال موجة جديدة للإصلاحات الدستورية.
أكد عبد الحميد جماهري، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن مسألة الولاية الرابعة لإدريس لشكر مطروحة، لكنها لم تُناقَش بعد داخل هياكل الحزب بشكل رسمي. وأوضح أن الحديث عن ولاية رابعة لا ينبغي التعامل معه كما لو كان “اختيار ممثلين في كاستينغ”، بل في سياق سياسي وتنظيمي دقيق، خاصة ونحن على بعد سنة واحدة من الانتخابات، حيث يتعين الحسم في ما إذا كان الحزب مستعدًا لخوض هذه المغامرة.
وأضاف جماهري أن أي اتحادي يقود الحزب في مرحلة معينة أو يتجه لقيادته، يجب أن يتوجه إلى المؤتمر، وأن القانون الداخلي لا يتضمن نصًا يمنع الولاية الرابعة، لكنه يضع شروطًا صارمة، مع ضرورة حصول المترشح لولاية ثالثة أو أكثر، سواء كان كاتبًا أول أو رئيس فريق برلماني أو كاتبًا إقليميًا أو مسؤولًا تنظيمياً، على تزكية ثلثي المؤتمرين في مؤتمره الإقليمي أو الجهوي أو الوطني، حتى يُسمح له بالترشح.
وعبّر جماهري عن موقف شخصي قائلًا إنه منسجم مع نفسه في رفض الجمع بين مطالبته بالمواطنة في الانتخابات الوطنية وبين التنصل من المواطنة الحزبية في الممارسة الداخلية، مضيفًا أن النقاش حول الولاية الرابعة يجب أن يتم بعيدًا عن ثنائية “المعارض دائمًا على صواب” و”المسؤول دائمًا على خطأ”.
وأشار إلى أن القيادة الحالية تعمل وسط صعوبات تنظيمية ومالية، وتبذل مجهودًا لتدبير إلتزامات الحزب، وأنها امتداد لتجربة تراكمية داخل الاتحاد، مع الاستعداد لفتح ورش الإصلاح الداخلي أمام الاتحاديين. كما شدد على أن تقييم القيادة لا ينبغي أن يُختزل أداء القيادة كلها في شخص الكاتب الأول، بل يجب أن يشمل أداء القيادة اللجان المتخصصة في الإعلام والسياسة والاقتصاد والعلاقات الخارجية وغيرها، وتمنى لو أن الحوار توجه إلى مناقشة مشاريع معتبرًا أن الحزب حقق اختراقات مهمة على المستوى الدولي، منها تنظيم مؤتمر الأممية الاشتراكية في الرباط، والمشاركة في مؤتمرات كبرى في أمريكا اللاتينية، وهي إنجازات تُحسب للحزب ضمن عمله الدبلوماسي الموازي.
وفي رده على من يشككون في قدرة الاتحاد على الإصلاح، قال جماهري إن الانتخابات القادمة والنقاشات التي أثارتها أثبتت أن الحزب ما يزال يحتفظ بقدرة إصلاحية حقيقية، وأنه يواصل أداء دوره كقوة سياسية فاعلة في الساحة الوطنية.