مشروع قانون المالية لم يعتمد التنزيل السليم للتوجيهات الملكية والنموذج التنموي
شدد عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية، أمام لجنة المالية بمجلس النواب، على وجود مجموعة من الملاحظات الأولية حول مشروع قانون المالية لسنة 2024، فبالنسبة للإطار المرجعي سجل أن المشروع استند إلى التوجيهات الملكية السامية ذات التوجهات الاستراتيجية، وقال في هذا الصدد «نود أن نؤكد أن الخطاب الملكي المؤسس الذي جاء في بداية الولاية الحكومية، أي الخطاب الملكي السامي لافتتاح السنة التشريعية الأولى (08/10/2021)، كان واضحا في مجموعة من التوجيهات، وكنا دائما نتمنى أن يحظى هذا الخطاب بعنصر القوة من طرف الحكومة أثناء التنزيل».
ولاحظ المتدخل أيضا أن النموذج التنموي لم يأخذ الحيز الذي يليق به في المشروع، مسجلا غياب أي مقاربة تشاركية في إعداد مشروع قانون المالية الحالي.
أما بالنسبة لفرضيات مشروع قانون المالية لسنة 2024، والتوقعات التي أعلنتها الحكومة 2024، فقد تساءل المتدخل: هل تم اعتماد نفس منهجية السنتين السابقتين، وهل سنحقق التباعد الكبير بين المتوقع والمحقق، إذ لم تحقق الحكومة أي رقم أعلنته في ما يخص النمو والتضخم والعجز، وهو ما يعني أن هناك مشكلا في المنهجية أو أن الحكومة تحرص على التوازنات الرقمية التي تحاول تقديمها. وفي هذا الصدد، نشكك في تحقيق معدل 4,5 % المعلن في أفق انتهاء سنة 2023، بالنظر إلى أن الحكومة جعلته رهينا بالتحكم في النفقات وبتحصيل المداخيل علما أننا في نهاية السنة تقريبا.
وتساءل شهيد «هل بهذه الطريقة ستحققون التزامكم في البرنامج الحكومي: الرفع من وتيرة النمو إلى معدل 4% خلال الخمس سنوات؟ فنسبة النمو المفترضة برسم 2024 وتلك المحققة سنتي 2022 و2023، تبقى أقل بكثير من نسبة 4% كحد أدنى على مدى خمس سنوات، والتي وعد بها رئيس الحكومة في تصريحه أمام البرلمان. كما أن نسب النمو المتوقعة لسنة 2024 والمحققة بالنسبة للسنوات السالفة، لا يمكن لها بأي شكل من الأشكال، أن تستوعب الوافدين سنويا على سوق الشغل: (فقد الاقتصاد الوطني، حسب المندوبية السامية للتخطيط ما بين الفصل الأول من سنة 2022 ونفس الفترة من سنة 2023: 280.000 منصب شغل، منها 229.000 منصب بالوسط القروي و51.000 منصب بالوسط الحضري. كما تزايد عدد العاطلين بحوالي 83.000 شخص: 67.000 بالوسط الحضري و16.000 بالوسط القروي، وبلغ حجم البطالة 1.549.000 شخص، وانتقل معدل البطالة من12,1% إلى 12,9% على المستوى الوطني).
مضيفا أنه استحضارا لأرقام الموارد والتحملات المسجلة في مشروع القانون، في علاقة مباشرة بمستويات المديونية وضعف نسبة النمو، سيكون من الصعب أن تحقق الحكومة نسبة عجز للميزانية في حدود 4 % من الناتج الداخلي الخام. وأردف أن « فرضيتكم بخصوص مستويات التضخم بعيدة كل البعد عن الواقع المعيش للمغاربة، خاصة في ظل استقرار مجموعة من المواد الاستهلاكية في الارتفاع، بالإضافة إلى التدابير التي جئتم بها، والتي ستضر بالقدرة الشرائية للمواطنين. وسأدلي ببعض الاستنتاجات، منها أن فرضيات الحكومة غير واقعية، وهي بذلك استمرار لنفس النهج المؤسس لفرضيات قوانين المالية السابقة، والتي تنتهي بفارق شاسع بين المعلن والمحقق. ورغم كل شعارات الصدقية والدقة والشفافية التي تقدمها الحكومة جوابا عن ملاحظاتنا، مازالت أرقام الحكومة مبعثا للقلق أكثر منه للارتياح، في ظل عدم تَحَقٌق ولو فرضية واحدة خلال مدة تدبيركم الحكومي. وبناء على فرضيات النمو المحققة خلال سنوات تدبيركم للشأن العام، يتبين أن هذه الحكومة غير منخرطة في إعمال توصيات النموذج التنموي الجديد بالاستعجالية والفعالية اللازمتين».
«وبالنظر إلى متوسط مناصب الشغل التي يحدثها الاقتصاد الوطني، وبالنظر إلى المناصب المالية التي ستحدثها الحكومة (30.034 برسم سنة2024) في القطاع العام، وعلاقة باستقرار «ضعف النمو»، فإنكم تساهمون في رفع أعداد السكان غير النشطين بشكل مضطرد، كما أن الإجراءات التي جاءت بها الحكومة في مختلف قوانين المالية، ليست كافية ولا محدثة للأثر على ماليتنا العمومية .
إن الأرقام التي تقدمونها بخصوص مناصب الشغل المحدثة في عهدكم، غير دقيقة، وتُناقضها تقارير المندوبية السامية للتخطيط، والمؤسسات ذات الصلة.
إنه مشروع قانون عادي للمالية في ظرفية استثنائية، مشروع قانون للمالية بهيمنة تقنية دونما روح سياسية، مشروع مسكون بهاجس المحافظة على الموازنة المالية بدل رفع تحدي تحقيق التوازنات الاجتماعية، مشروع يكرس الإيقاع البطيء لتعاطي الحكومة مع القضايا الاستراتيجية، وأخيرا مقتضيات المشروع تنقصها الجرأة والعمق اللازمين لتنزيل الإصلاحات الهيكلية التي تحتاجها بلادنا».
كما تساءل شهيد عن مصير الملاحظة المدرجة ضمن ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات في تقريره حول تنفيذ قانون المالية لسنة 2021 والمتعلقة بتقدم ورش التصديق على حسابات الدولة. وساءل الحكومة بخصوص ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات المتعلقة بما سماه: «المخاطر المحاسبية المرتبطة بالحساب العام للدولة لسنتي 2020 و2021»، والتي يؤكد المجلس أنها: «تتعلق بعدم احترام قواعد المرجعية المحاسبية ومبادئ المحاسبة العامة التي تمكن من إعداد قوائم مالية تعطي صورة صادقة للوضعية المالية والممتلكات ونتائج الدول».
ملف الحماية الاجتماعية حظي هو الآخر باهتمام المتدخل وقال «نتساءل بخصوص الأهداف والأرقام المعلن عنها في البداية والتي كنا نتوقع تحقيقها، هل تحققت أم لا بالنسبة لسنوات 2021 و2022 و2023؟ هل تم الوفاء فعلا بالتزام تعميم التغطية الصحية الإجبارية على 22 مليون مستفيد إضافي من التأمين الأساسي على المرض، وهل تم دمج الفئات الخاضعة للمساهمة المهنية الموحدة بالأرقام التي تم الإعلان عنها في الاتفاقيات الموقعة أمام جلالة الملك؟ هناك قطاعات لم تكن قادرة عن تحقيق الأرقام التي تم الإعلان عنها بالنسبة للفئات المستهدفة كما هو الشأن بالنسبة للفلاحين على سبيل المثال وليس الحصر. ونتساءل في هذا الملف الاستراتيجي، عن الأرقام المحققة بالنسبة لتحويل المسجلين في نظام «راميد» إلى النظام الجديد، وما هي المشاكل المترتبة عن ذلك لنستطيع الإجابة عنها ومعالجتها. ونتساءل أيضا عن تمويل وديمومة تمويل هذا الورش الكبير، والذي يتطلب في أفق 2025 تخصيص مبلغ إجمالي سنوي يقدر بـ51 مليار درهم، منها 23 مليار سيتم تمويلها من الميزانية العامة للدولة.