عبد المالك بومليك أحد الفنانين التشكيليين المغاربة العصاميين والمحترفين في نفس الآن، له تجربة وباع طويل في البحث عن آثار الأيقونات الدالة على جذور الانتماء لهذا الوطن، كرس تجربته بحثا عن معالم تاريخية تحفر في عمق الذاكرة المغربية في الجنوب، وما توفرت عليه من انتساب للثقافة المرئية والشفوية من خلال آثار العابرين في المشهد الثقافي المغربي.
لم يستكن في حياته يوما صديقنا عبد المالك بومليك إلا ويحمل معه مشروعا فنيا في صمت الكبار، ولم يخضع يوما لمغريات السوق الفنية، ولم يتهافت يوما على الربح السريع كما فعل ويفعلون المتهافتون، نحو اكتساب المال والجاه، بل عاش متواضعا تواضع الكبار، بأنفته وكبريائه، وإبداعه إلى أن وافته المنية مؤخرا في صمت دون تطبيل أوهتافات لوسائل الإعلام كما يفعلون مع جل المنبطحين.
أريد فقط في هذه الكلمة التأبينية أن أنبه إلى الاهتمام والالتفات لمبدعينا الحقيقيين الذين سخروا وقتهم وحرقتهم لذا الوطن، فكفانا من العبث والإهمال لرصيدنا الوطني والتلاعب به بين أيدي الوصوليين والمارقين.
عبد المالك بومليك، عرفته قبل وفاته ومنذ أواسط التسعينيات، خجولا مستكينا لأفكاره ومبادئه، منصتا لنبض الشارع، ومتتبعا لقضايا أسرته ووطنه، لم يرفض يوما طلبا لمريديه، بأخلاق عالية حد الوفاء، لكن الحظ لم يستوفيه حقه كمبدع كان من الممكن أن يكون في صف المبدعين الذين نالوا شرف الانتماء لزمرة المقيمين على للائحة الشرفية لرواد التشكيل بالمغرب والعالم العربي.
لم أكن أنتظر رحيله بهذه السرعة، ولم أتصور يوما أن يغادرنا دون أن يلفت نظرنا لما كان يهمس به لإثارة انتباهنا، فقد عاش بيننا متخفيا ورحل عنا غريبا رغم ما أسداه من خدمات للفنون البصرية في هذا الوطن.
عبد المالك بومليك، فنان مرتحل بين صخور وجبال وهضاب الجنوب، بحثا عن النور وما يركه الظل من تقابلات تضفي على الوجود قدسية طبيعية تغمرها ألوان بنية يسيجها الأبيض بحلته الساطعة ليغمر النهار بهاءا في انتظار سكون الليل بظلمته وحياده. لم يحعل بومليك تجربته منفذا لما هو ميتافيزيقي فقط، بل تساءل عن دور المادة وتأثيرها في النسيج الكوني، باعتبارها من العناصر الأربعة المؤثرة في نشأة الكون، أي (الماء والهواء والتراب والنار)، فكان غالبا ما يحدد مجرى المياه في تجربته كعوامل تعرية حددت بعفوية مسارها واتجاهها دون حسيب أو رقيب، معتمدا على قدر التوجيه بفلسفة تمتح من التراث الأمازيغي العربي والإسلامي، كفنان شمولي بدون حدود.
رحم الله الفنان عبد المالك بومليك، وجعله الله قدوة ومثالا للفنانين والمثقفين الغيورين عن هذا الوطن.