عبد الواحد الراضي يحاضر في موضوع قضية الصحراء : المستقبل هو الكفيل بمعرفة آثار اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء

 

نظمت كلية الشريعة بفاس جامعة سيدي محمد بن عبد الله، بشراكة مع تكوين الدكتوراه حقوق الإنسان في الشريعة والقانون والمنتدى المغربي للشباب والعدالة الاجتماعية، ندوة وطنية في موضوع «قضية الصحراء المغربية في ظل المتغيرات الجديدة»، وذلك يوم الخميس 1 أبريل 2021، ابتداء من الساعة العاشرة صباحا، بمدرج محمد يسف كلية الشريعة فاس، حيث افتتحت أطوار هذه الندوة بجلسة افتتاحية بكلمات لكل من الدكتور إبراهيم أقديم، نائب رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله، والدكتور عبد المالك عويش، عميد كلية الشريعة بفاس، والأستاذ محمد العلالي رئيس المنتدى المغربي للشباب والعدالة الاجتماعية، والدكتورة بهيجة غياتي بن زياد، مركز الدراسات والأبحاث في قضايا الأسرة، إضافة إلى كلمة مسيرة الجلسة الدكتورة حكيمة الحطري، رئيسة شعبة القانون والتشريع والفنون المرتبطة بهما؛ كما عرفت هذه الندوة حضور الدكتور عبد الواحد الراضي، رئيس لجنة العمل الموضوعاتية حول الصحراء بالبرلمان..
وقد تميز برنامج الندوة بجلستين لمناقشة القضية الوطنية والمستجدات المرتبطة بها، الأولى سيرها الدكتور عبد المالك عويش عميد كلية الشريعة، وألقى من خلالها الدكتور عبد الواحد الراضي محاضرة حول الصحراء المغربية، أما الثانية فسيرها الدكتور عبد السلام الزياني، حيث اتسمت بإلقاء خمس مداخلات لكل من الدكتور حميد لحمر، أستاذ التعليم العالي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، في موضوع «بعض آليات الدبلوماسية المغربية المعتمدة في مرافعات الصحراء المغربية»؛ ومداخلة للدكتور عبد المجيد الكتاني، أستاذ الشريعة والقانون بكلية الشريعة بفاس، بعنوان «مغربية الصحراء من خلال قبسات من تراث أعلام وفقهاء مالكية من الصحراء»؛ ثم مداخلة للدكتور عبد الرحيم الحمداني، عضو المكتب التنفيذي للمنتدى المغربي للشباب والعدالة الاجتماعية، حول «الدبلوماسية الدينية ودورها في الدفاع عن القضية الوطنية»؛ ومداخلة للدكتور أحمد الأمراني، أستاذ القانون الخاص بكلية الشريعة بفاس، بعنوان «رهانات التنمية المستدامة بالأقاليم الجنوبية»؛ إضافة إلى مداخلة الدكتور سعيد الله عبد اللطيف، أستاذ القانون العام بكلية الشريعة بفاس، تحت عنوان «الحكم الذاتي: براديغم صناعة التنمية في الأقاليم الجنوبية».
كما اتسمت أطوار هذه الندوة بتقديم الدكتور عبد الواحد الراضي لمحاضرة غنية بالأفكار والمعطيات التاريخية حول الصحراء المغربية، معرجا على جميع محطات هذا النزاع المفتعل منذ القرن التاسع عشر وإلى اليوم، إذ ناقش من خلالها حيثيات هذا الملف، مبرزا بأن قضية الصحراء هي القضية الأولى للمغاربة، لهذا على كل مغربي/ة أن يكون على إطلاع بتاريخ هذا المشكل وتطوراته الراهنة، مستدلا بقولة تشرشل التي مفادها «الشعب الذي لا يعرف تاريخه، لا مستقبل له»، وموجها خطابا للقاعة فحواه أنه علينا جميعا أن نبقى في مستوى الحرص واليقظة الوطنية من خلال تكثيف التعبئة، مع استحضار بأن الخصوم يخططون ويواجهون على كافة المستويات والواجهات..
تماشيا مع ذلك، أكد الأستاذ الراضي بأن مشكل الصحراء المفتعل عمره ما يقارب 140 سنة، ويعود إلى تاريخ 1884/1885، إذ لم يبدأ في سنة 1975 أو 1974، بل بدأ في القرن التاسع عشر حينما قررت إسبانيا في سنة 1884 استعمار المناطق الجنوبية، فكانت البداية باحتلالها للشواطئ والمدن كالداخلة والعيون وبوجدور، إلا أنها لم تتوغل في عمق الصحراء إلا في سنة 1934، نظرا للمقاومة التي واجهت المستعمر الإسباني من طرف سكان الأقاليم الجنوبية، وفي ذات السياق أشار إلى أن لفظ «الصحراء الغربية» لم يخلق إلا في سنة 1952، حينها بدأ المستعمر يفصل في الحدود بما يخدم نواياه الاستعمارية، كما قدم في محاضرته نبذة عن الصيرورة التاريخية التي بزغ فيها هذا الإشكال، موضحا بأن الاستعمار الأوربي وصل إلى قمة قوته بعد احتلال إفريقيا جنوب الصحراء، فبدأ يفكر في احتلال شمال إفريقيا، وسبب ذلك هو الطمع والتأخر العسكري والتقني للدول المحتلة..
لكن ذلك نتج عنه بروز توتر بين القوى العظمى حول احتلال دول المغربي العربي، ففي سنة 1884/1885 اتخذ الوزير الأول الألماني بسمارك مبادرة لتنظيم مؤتمر برلين، من أجل الاتفاق على كيفية تقسيم مناطق الاحتلال وتجنب الاصطدام ما بين الدول الأوربية، أي الاتفاق على توزيع الغنيمة، هذا مع الإشارة إلى أن تونس تم احتلالها سنة 1881 والجزائر سنة 1830، لكن المغرب لم يتم الحسم في مصيره، لأن كل الدول الأوربية كانت لها أطماع لاحتلاله، ثم أنه كان إمبراطورية مترامية الأطراف ممتدة من بحر المتوسط إلى نهر السينغال (كان يضم أيضا جزءا من الجزائر وجزءا من مالي)، إضافة إلى أن المغرب كان موجودا منذ القرن السابع ميلادي مقارنة بدول أخرى التي هي حديثة النشأة (الجزائر 1962، موريتانيا 1960)، فكان هو البلد الوحيد الذي له كيان/جهاز دولة وتاريخ قومي وثقافة عريقة، وهذا بحد ذاته شكل عائقا أمام الدول الأوربية لاستعمار المغرب مبكرا، بل أن حتى فترة استعماره (أي تاريخ فرض الحماية) تعد هي الأقصر والأقل في تاريخ البلدان المستعمرة (44 سنة)…
وقبل مؤتمر برلين، كانت هذه الدول قد نظمت مؤتمر مدريد سنة 1880، حيث كان هو أول عملية للتدخل في الشؤون الداخلية للمغرب، لأنه اتخذ من خلاله عدة قرارات تمس بالسيادة الوطنية، وهي أولا: يمكن للأجانب أن يملكوا أراضي مغربية، وأن تكون لهم مكتسبات أخرى؛ وثانيا: العمل بمبدأ الحماية الفردية، بما يعني أنه يمكن للدول التي تتواجد بالمغرب لاعتبارات صناعية أو تجارية أن يكون لها ممثلين مغاربة، لكنهم لن يخضعوا للقوانين المغربية، أي أن يكون هؤلاء الأفراد تحت الحماية للبلد الذي يتعاملون معه، وهذا هو المقصود بالحماية الفردية التي تفقد الدولة السلطة على مواطنيها، فشكل ذلك تمهيدا للحماية العامة..
ثم ستليها سلسلة من المؤتمرات التي ستتفق من خلالها الدول الأوربية (خاصة إسبانيا وفرنسا وإيطاليا) على اقتسام المستعمرات، فوقع اتفاق سنة 1904 بين انجلترا وفرنسا عبر السماح الأولى لاستعمار مصر، مقابل استعمار الثانية للمغرب، بينما أعطيت ليبيا لإيطاليا، مع الإشارة إلى أن اسبانيا كانت تحتل جزءا من بعض المناطق المغربية، في حين خرجت ألمانيا خاوية الوفاض، الأمر الذي كان سينتج عنه اندلاع حرب بين ألمانيا وفرنسا، بسبب الصراع على المغرب، مع الإشارة إلى أن القيصر الألماني زار طنجة في سنة 1911 ليبين بأن بلده مهتم باحتلال المغرب، بالمجمل فالمغرب كان موضوع مقايضة بين البلدان الاستعمارية من جهة، ومحط أطماع أكثر من قوى استعمارية (إسبانيا؛ فرنسا، ألمانيا..) من جهة ثانية..
وبعد اتفاق سنة 1904، نظم مؤتمر الخزيرات الذي سيتم بموجبه الاتفاق على أن فرنسا ستحتل المغرب، لينتهي هذا المسار التفاوضي حول المغرب بين القوى الاستعمارية إلى توقيع معاهدة الحماية بفاس في 30 مارس 1912، وقد ظل المغاربة يقاومون الاستعمار إلى غاية سنة 1934، سواء بالمدن أو بالأرياف والقرى (المقاومة الريفية، المقاومة بالجنوب..)، إلا أن هذا التاريخ (أي 1934) سيوافق ميلاد الحركة الوطنية وتدشين مرحلة جديدة من النضال السياسي من أجل الاستقلال إلى جانب النضال الذي خاضه جيش التحرير، ليتوج هذا المسار بحصول المغرب على الاستقلال في 2 مارس 1956، وفي أبريل 1956 تم التوقيع على تحرير الشمال، وأيضا استرجاع طنجة التي كانت منطقة دولية، لكن إسبانيا رفضت التخلي عن المناطق الجنوبية للمملكة..
على غرار ذلك، اتسمت مرحلة الاستقلال بالعديد من التحديات، حيث أكد الأستاذ الراضي بأن المغرب من الدول التي كانت مستعمرة من دولتين (إسبانيا وفرنسا)، كما أن مرحلة استقلاله سنة 1956 سيليها مرحلة جديدة من التفاوض لاسترجاع المناطق المستعمرة، فتم استرجاع عبر فترات كل من طرفاية وآيت باعمران، ثم سيدي إفني، لكن بقيت مناطق أخرى – الساقية الحمراء ووادي الذهب – مستعمرة من طرف الإسبان، والتي رفض فرانكو التفاوض بشأنها مع المغرب، إضافة إلى سبتة ومليلية؛ في سنة 1974 أعلن فرانكو بأنه سينظم استفتاء بالأقاليم الجنوبية المستعمرة بهدف خلق كيان جديد تحت مسمى «الصحراء الغربية»، إلا أن الغاية من ذلك كانت هي استمراره السيطرة على هذه المنطقة، لأنها لم تكن تتوفر على مقومات الدولة، ناهيك على اعتبار جزر الخالدات بأنها منطقة استراتيجية..
في نفس السياق، طرح الأستاذ الراضي سؤالا حول الكيفية التي سيواجه بها المغرب هذا الإشكال، فتم ذلك في بداية الأمر عبر اللجوء إلى الأمم المتحدة، بيد أنه واجه تحديا أخر متمثل في مطالبة موريتانيا بحقها في الصحراء، ولكي يتم التخلص من الإسبان كان لابد من الاتفاق مع موريتانيا، فكان مضمون هذا الاتفاق أن تأخذ هذه الأخيرة جنوب الصحراء، على أن يتم توحيد جهودهما بالأمم المتحدة لطرد الاستعمار الإسباني، فتم الطلب من محكمة العدل الدولية بإصدار حكم يفصل في الأمر، فقبلت الأمم المتحدة هذا الطلب، لتوجه إلى محكمة العدل الدولية ثلاثة أسئلة: الأول: هل المحكمة مؤهلة للبت في الموضوع؟ الثاني: هل حينما احتلت إسبانيا الأقاليم الجنوبية كانت هذه الأرض بدون سيد؟ الثالث: هل كان للمغرب علاقات مع هذه المناطق والأراضي ؟
وبعد سنة، أجابت المحكمة على السؤال الأول بالقول بأن لها صلاحية في الملف، بينما أكدت في جوابها على السؤال الثاني بأن الصحراء لم تكن بدون سيد، في حين أقرت في السؤال الثالث بأن هذه المناطق كان لها علاقات مع المغرب، ويتجلى ذلك في بيعة سكان الصحراء لسلاطين المغرب؛ فصدر الحكم، لكن ظل المشكل قائما في التنفيذ، ومن هنا جاءت عبقرية الملك الراحل الحسن الثاني في إبداع ملحمة المسيرة الخضراء سنة 1975، لغاية استرجاع المناطق الجنوبية وتحريرها من المحتل الإسباني من جهة، والضغط على الإسبان من أجل التفاوض من جهة ثانية، وهي المسيرة التي شارك فيها وتطوع من اجلها حوالي 350000 مغربي ومغربية..
من جانب أخر، أكد الأستاذ الراضي بأنه حينما انطلقت المسيرة الخضراء، تدخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بغية أن لا يتم التصدي للمتطوعين السلميين بالسلاح من طرف الجيش الإسباني، ثم ضغط على إسبانيا لقبول التفاوض، فكان من نتائج ذلك، انعقاد مؤتمر مدريد الذي تنازلت فيه إسبانيا وسلمت الأقاليم الجنوبية إلى المغرب، لينتهي هذا المسار بإنزال العلم الإسباني ورفع العلم المغربي وتسجيل الاتفاق في الأمم المتحدة، وأقر الأستاذ الراضي بأن المشكل في هذه اللحظة بدا بأنه انتهى بشكل نهائي ولم يعد قائما، لكن اتضح في ما بعد بأن المشكل سيأخذ أبعاد أخرى عبر ظهور خصوم جدد (ليبيا والجزائر) الذين سيساهمون في خلق ودعم الكيان الانفصالي، فليبيا هي التي دعمت تأسيس البوليزاريو على أراضيها سنة 1973 وزودتهم بالعتاد والسلاح، أما الجزائر فمنحتهم المأوى والدعم واحتضنتهم؛ وقال الأستاذ الراضي بأن القذافي اعترف له شخصيا في ثمانينيات القرن الماضي حينما كان مسؤولا باتحاد تم إحداثه بين المغرب وليبيا، فقال له بوقاحة «أنا الذي خلقت البوليزاريو»، وسبب ذلك هو أن القذافي كان له عداء مع الأنظمة الملكية..
كما أشار في مداخلته إلى أن المغرب بعد اتفاق مدريد، سيلجأ إلى تنظيم الأقاليم الجنوبية من الناحية الإدارية والأمنية، لكن سعيه هذا جوبه بالرفض، حيث عمل كل من الجيش الإسباني الذي كانت قيادته ترفض اتفاق مدريد، وأيضا الجيش الجزائري والبوليزاريو، على دفع مجموعة من سكان الأقاليم الجنوبية إلى اتجاه نحو تندوف واحتجازهم هناك بغية إعطاء الشرعية للتنظيم الانفصالي والمناورة بهم؛ بالموازاة مع ذلك، ستعلن البوليزاريو في 26 فبراير 1976 على رفع السلاح ضد المغرب، ومن هذه المرحلة حسب الأستاذ الراضي، سينطلق مسار آخر للملف، وسيبدأ خصوم المغرب (الجزائر وليبيا والتنظيم الانفصالي الذي صنعوه) العمل على الواجهة الدبلوماسية من جهة، والواجهة العسكرية من جهة ثانية، الأمر الذي ستأخذ معه القضية الوطنية بعدا دوليا..
حيث حاولت الجزائر وليبيا طرح الملف على منظمة الوحدة الإفريقية، لأن عددا من دول المنظمة كانوا يعتبرون أنفسهم بأنهم دول شيوعية أو اشتراكية، بما في ذلك الجزائر، وهذه الدول لا تعترف لا بالتاريخ ولا بالقانون الدولي، لأنه كان لها أسس مذهبية تؤطر سياستها، وهذا ما اتضح من خلال تبني بعض هذه الدول للطرح الجزائري لأسباب إيديولوجية محضة، أما الدول الإفريقية الأخرى غير الشيوعية، فقد تم الاتصال بهم ومدهم بالأموال بغية الاعتراف بالبوليزاريو، ثم بدأت بعض الدول بإفريقيا وأمريكا اللاتينية على وجه الخصوص، الإعلان عن اعترافها بالبوليزاريو، لأن هذه الدول كانت تحسب على المعسكر الاشتراكي، فاتسعت جبهة الصراع إلى منتديات كانت تشتغل ضمنها هذه الدول، كمنظمة عدم الانحياز وأيضا منظمة الوحدة الإفريقية؛ لكن الحقيقة هي أن العديد من الدول كان يتم شراء موقفها بالمال والرشاوي، آنذاك، من طرف النظام الجزائري لغاية كسب مواقفها المعادية للسيادة الوطنية..
فضلا عن ذلك، أكد الأستاذ الراضي بأن المغرب كان عضوا بمنظمة الوحدة الإفريقية، وقد قبل مقترح الاستفتاء بالتعاون مع المنظمة في قمة نيروبي سنة 1981، فبدأ الإعداد المادي لهذا المقترح، لكن تطورات كثيرة حصلت داخل المنظمة، لعل أبرزها، أنه في سنة 1982 ستعترف حوالي 26 دولة بالمنظمة التي كانت تتكون من 50 دولة بالكيان الانفصالي، كما أعقبتها استفزازات أخرى، منها مثلا، أن الأمين العام للمنظمة (إديم كوجو) الذي كان ينتمي لدولة الطوغو، قام بمبادرة فردية في اجتماع إداري سنوي بوضع علم البوليزاريو واستدعاء ممثليه، ليكتمل مسلسل الاستفزاز في قمة أديس ابابا سنة 1984، من خلال تأكيد الدول الستة والعشرين ما أكده الأمين العام في الاجتماع السالف الذكر، حينها سيقرر المغرب مغادرة القاعة والانسحاب من القمة احتجاجا على السلوك الذي ينتهك القانون الأساسي للمنظمة..
والواضح حسب الأستاذ الراضي، بأن المنظمة خرقت قانونها من خلال الاعتراف بالبوليزاريو، من خلال أولا: عدم احترام قانونها الأساسي الذي كان ينص على أنه لا عضو إلا لدولة لها أراضي وسكان ومعترف بها من طرف الأمم المتحدة، الأمر الذي لا ينطبق على البوليزاريو؛ وثانيا أن المنظمة قررت مصير لسكان لم يصوتوا أصلا لتقرير مصيرهم، أي أن مجموعة من الدول اجتمعت وقررت في مصير دولة أخرى؛ لهذا لما خرقت المنظمة القانون، فإن الأمم المتحدة هي التي ستتولى الملف في ما بعد..
جدير بالذكر أن موريتانيا كانت قد أخذت جزءا من الصحراء، إلا أن ذلك تم رفضه من طرف الجزائر والبوليزاريو، وأشار الأستاذ الراضي إلى أن التنظيم الانفصالي بعد إعلانه للحرب كثف من هجومه على موريتانيا، لأنها كانت دولة ضعيفة عسكريا، كما استمرت الضغوط على قيادتها من طرف النظام الجزائري، الأمر الذي نتج عنه في النهاية انسحاب موريتانيا من الصحراء واعترافها بالبوليزاريو، وفي هذه اللحظة سيقوم المغرب باستكمال وحدته الترابية عبر استرجاع إقليم وادي الذهب في غشت 1979؛ لينتهي هذا المسار – اتسم بحرب دبلوماسية خاضتها ليبيا والجزائر على المغرب على جميع الواجهات، وحرب عسكرية خاضتها البوليزريو المدعومة من طرفهما – بالتوقيع على اتفاق إطلاق النار بين المغرب والبوليزاريو في سنة 1988، وإعلان الأمم المتحدة عن مخطط التسوية، الذي تضمن خمس نقاط أساسية، أولا، إيقاف إطلاق النار، ثانيا: بقاء الجيوش في ثكناتها، ثالثا، تعيين لائحة الناخبين، رابعا، الحملة الانتخابية، خامسا، تحديد يوم الاقتراع هو يوم الفصل..
بيد أن مخطط التسوية لم يدخل إلى حيز التنفيذ إلا في سنة 1991، ففي هذه السنة سيتم إيقاف إطلاق النار؛ لكن البوليزاريو ظل يمارس استفزازاته من خلال عدم احترام المنطقة الفاصلة بين الحدود الجزائرية والجدار الرملي؛ ثم بدأ التحضير لمسلسل التسوية من خلال تشكيل العديد من اللجان التي ستسهر على العملية، لعل أبرزها تلك المكلفة بإحصاء الساكنة، حيث تم إلزام التسجيل وتحديد الهوية من خلال موافقة لجنة مكونة من ممثل المغرب وممثل البوليزريو وموافقة الأمم المتحدة، ليتضح بأن هذه العملية تشوبها العديد من الاختلالات، لعل أبرزها رفض البوليزاريو الموافقة على تسجيل أسماء لا تناصر أطروحتها الانفصالية، كما تبين بأن عملية التسجيل لن تشمل الصحراويين غير موجودين بعين المكان..
في هذا الإطار، سيتضح بأنه من الصعب إجراء الاستفتاء، حيث أقر الأستاذ الراضي بأن الإعلان عن فشل تنظيم الاستفتاء لم يأت من المغرب كما تروج لذلك الأطروحة الانفصالية، بل جاء باعتراف ممثل الأمم المتحدة جيمس بيكر؛ بعد ذلك، سينتقل الملف إلى مرحلة أخرى عبر البحث عن حل سياسي واقعي للملف، حيث ستطلق الأمم المتحدة سلسلة من الاجتماعات التي تحضر فيها الدول المعنية بالملف وهي المغرب والجزائر وموريتانيا، إضافة إلى حضور التنظيم الانفصالي المصطنع، لكن الملف وصل إلى الباب المسدود من جديد، وهنا ستبرز عبقرية الملك محمد السادس عبر تقديمه لمقترح الحكم الذاتي، هذا الطرح سيحقق من خلاله المغرب العديد من الانتصارات، لأنه سيعتبر مقترحا واقعيا وذا مصداقية، باعتراف مجلس الأمن الدولي والعديد من الدول، مع الإشارة إلى أن هذا المقترح سيحظى بإشادة دولية من خلال تبنيه كمقترح جدي حتى في قرارات مجلس الأمن..
وقد تمكن المغرب بفضل هذا المقترح انتزاع العديد من الانتصارات الدبلوماسية، إذ بعدما كانت هناك حوالي 73 دولة تعترف بالبوليزاريو، فإن عددها اليوم تقلص إلى أقل من النصف، أي أقل من 30 دولة، منها 15 دولة بإفريقيا مع استحضار أن اعتراف بعض هذه الدول بالبوليزاريو يتم بالرشوة والمقابل المالي، هذه الانتصارات تحققت أيضا بفضل الجهود التي بذلها المغرب على جميع المستويات، منها على وجه الخصوص، الاستثمارات الكبرى بإفريقيا والتعاون مع العديد من دول القارة في إطار رابح – رابح، إضافة إلى العودة إلى المنظمة الإفريقية، ثم الأوراش الكبرى التي تم إحداثها بالصحراء المغربية والتي أضحت بفضلها المنطقة تعرف انتعاشا وازدهارا اقتصاديا، فبعدما كانت المدن الجنوبية في الماضي مجرد ثكنات عسكرية، أضحت اليوم تزخر بالعديد من المشاريع..
فكان من نتائج ذلك كسب الدعم الدولي والاعتراف بمغربية الصحراء، ووفق الأستاذ الراضي، فإن العديد من الدول اليوم بدأت ترسل إشارات إيجابية إلى المغرب، فمثلا، في السابق لم يكن هناك من يعترف بسيادة المغرب على أراضيه، لأن أغلب الدول كانت تصطف في موقفها إلى جانب حل الأمم المتحدة ودعم المقترح المغربي المتمثل في الحكم الذاتي، لكن اليوم بدأ يحصل العكس، هناك بعض الدول أضحت تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء، ولعل فتح عدد من الدول لقنصلياتها بالصحراء لدليل على ذلك، ناهيك على الاعتراف التاريخي للولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء، وهو القرار الذي سيكون له ما بعده، بحكم أن قرار ترامب تم تضمينه ضمن وثائق الأمم المتحدة..
إضافة إلى أن الذي يحضر مشروع القرار سنويا بمجلس الأمن الخاص بملف الصحراء هي الولايات المتحدة، ولا يمكن لهذه الأخيرة أن تعد مشروع قرار ضد قرار اعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء، وقد أكد الأستاذ الراضي بأن المستقبل هو الكفيل بمعرفة آثار اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء، وهو الذي سيبين كيفية تعامل هذه الدولة العظمى مع الملف بمجلس الأمن الدولي..
في ختام محاضرته، توجه الأستاذ الراضي إلى الطلبة الحاضرين في القاعة، بالقول إن الأجداد والآباء هم الذين قاوموا الاستعمار الإسباني منذ سنة 1884 والاستعمار الفرنسي منذ سنة 1912، وهم الذين ناضلوا من أجل مغربية الصحراء وكافحوا من أجل الاستقلال، لهذا فإن المستقبل اليوم بيد الشباب، مخاطبا القاعة بالقول «أنتم من يجب أن يكون في مستوى اللحظة التاريخية» لمواصلة ما بناه الأولون، فقضية الصحراء هي القضية الوطنية الأولى والأساسية، وينبغي أن نظل نناضل عليها بكافة الواجهات، لهذا على الشباب أن يأخذ التحدي سيرا على نهج الأجداد…

 

*باحث في سلك الدكتوراه، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس.

** باحث في سلك الدكتوراه، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس.

 


الكاتب : إعداد: عبيد الحليمي * / عبد العزيز العسري **

  

بتاريخ : 06/04/2021