على مبسم سيجارة شقراء أحمر شفاه

عـــــنـــــد الـــــمـــــنـــعـــــطــــف :
كنت متعبا، تستعجل الزمن، لكي تصل إلى الفندق الذي حجزته قبلا، جسدك المكدود وعناء السياقة، يحتاج لحمام واسترخاء على الفراش حتى تسترجع قوتك، أمامك دراجة نارية تتأرجح بين سرعة مفرطة وتمهل، يمتطيها شخصان، يقتربان من امرأة تمشي الهويني  وسروال « الجنز « يشد جسدها الطافح شدا.
يترجل  أحدهم ينازع الفتاة في حقيبة يدها التي تتشبث  بها بقوة وإصرار، يدفعها على الرصيف بعنف، ويسلبها الحقيبة، بخفة نسناس يمتطي الدراجة التي انطلقت بسرعة جنونية، دست على دواسة البنزين، ولحقت بهما مطاردا، حاصرتهما، قذفا بالحقيبة في قارعة الطريق ووصلا سرعتهما الفائقة ، رجعت للخلف، ألفيت الشابة منهارة، تبكي بهستيرية، وقد ساح مكياجها على وجهها، احتضنتك شاكرة وقلبها يخفق عصفورا بلله القطر، تنفست بعمق مسترجعة أنفاسا متقطعة، ارتخت على كرسي السيارة متنهدة بانكسار وحسرة، أسعفتها بشربة ماء، قالت بصوت هدجه الذعر:
– لا أعرف كيف أشكرك، لقد عرضت نفسك للخطر وأنقذتني.

مقهى نسيم البحر:
دخلتما المقهى، يبتعد عنها البحر قليلا، جلستما متجاورين، التقطت أنفاسها بعمق، وقالت منشرحــة :
– الحمد لله.
قصدت الحمام، لتراجع شعثها وزينتها، عادت وأريج عــطــر ناعم يفوح منها، شعرت بانتعاشة تسري في عظامك، أخرجت من حقيبتها علبة سجارة وقداحة، أضرمت كبسة نار ، مصت مصات فانطلقت من فمها فتائل الدخان متماوجة، مدت لك العلبة لكي تلتقط سجارة، اعتذرت:
– عفوا لا أدخن.
أخرجت من حقيبتها عدة التزيين، وطفقت تراجع زينتها، كحلت عينيها، ووضعت بدرة على خديها، ومررت قلما أحمر على شفتيها، حتى لمعتا بإغراء آسر، كنت أحتسي قهوة سادة، وكانت تتلمظ عصير برتقال، وصفا وجهها من الكدر واسترجعت توازنها. قلت لها مستفسرا:
– أين الوجهة؟
أجابت ضاغطة على يدك بحنو:
– وجهتي وجهتك !

الغرفة رقم مائة وواحد:
سبقتها إلى المغسل، ثم ارتميت على الفراش كقتيل وقد نال منك النصب والإجهاد، كانت تستمتع بسكب الماء الحار على جسدها، ولم تتبين إن كانت تضحك أو تبكي أم تغني، ما فتئ أن قاسمتك الفراش، واشتبك الجسدان رقصا ورهزا وركزا، لست تدري كيف غفوت، وسافرت بك نومة عميقة.
أفرشت بساطا، ضم الأكل والمشرب، تآكلنا وشربنا، وتناجينا ونحن نستمع لأم كلثوم وفيروز وكاظم الساهر، وفي حضني ارتخت ونامت طفلة، يهزها ارتعاش غريب، تنتفض، أطبطب على ظهرها برفق، فتواصل نومها مجددا، وأنفاسها تنشج شخيرا خفيفا ، استيقظنا وقصدنا المسبح وقد تساقطت عليه إنارة خفيفة، وقمر يتيم يسبح دون نجوم، تجرأنا على البرودة وارتمينا في الماء الصاقع، إلتحمنا حتى نجلب لجسدينا المقرورين الدفء، افترسنا ما بقي من الطعام وتفاحتين.
بحثت عن علبة السجائر في طي الفراش، وأضرمت قبسا من النار في السيجارة، وصبت كأسا يرعف بالمرارة ، فكانت شهرزاد الحكاية تحكي عن الليلة الأولى بعد الألف ليلة :
ذات صباح خريفي  بارد، فاضت روح والدي الكسيح ، الذي كان لا يتحرك إلا بكرسي متحرك، اشتغل طول حياته ساعي بريد، أجبر على التقاعد المبكر، كنت البنت الوحيدة في البيت، بعد موته، ضاقت بي وبأمي السبل، وحل بالبيت رجل فرضت علي أمي أن أقول له عمي، عمي هكذا كان ينام معظم أطوار النهار، بدأ يتحرش بي تدريجيا، وفي غفوة مني وجدته يفترشني ويفترسني، وقد وضع جماع يده على فمي حتى لا أصرخ، وهددني بالذبح إن بحت بالسر لأمي، وفي كل مرة يخلو له الجو وتذهب أمي لعملها خارج البيت، كان ينزع تباني، فيعتصرني حتى يسقط إلى جنبي مرهقا، كم عنّ لي أن أذهب إلى المطبخ وأجلب سكينا وأنحره من الوريد إلى الوريد.
مدت يدها واستلت من علبة السجائر سيجارة، ثم نفثت كتلة دخان في وجهي ثم واصلت:
– ذات صباح تسللت من دفء الفراش وخرجت دون عودة.
زوت عينيها ونظرت إلى السماء، ودموع كغيم حائم تضبب الرؤية أمامها، زفرت قائلة:
– الكلام وجع وهناك أسرار تؤلمني دعني ساكتة أحسن!
ساد صمت ثقيل، شغل راديو السيارة، وانبرى صوت بالغناء: ..جريت وجريت..
– آه كم جريت.. وجريت..
خادمة، نادلة، منظفة مراحيض، بائعة متجولة لمواد تجميل، الكل يتحرش بي، كان جمالي مصدر عذابي.
هزتها شهقة بكاء مر، أوقف السيارة جانبا، بيد مرتعشة، تناولت سيجارة ومضت تحكي:
– ذات غبشة مساء وأنا راجعة البيت اعترض طريقي شبان مشاكسون ومتحرشون، أدخلوني عنوة إلى سيارة، وهم يضحكون ويشربون الجعة وأحدهم يصيح مصفقا بيديه.
انفلتت السيارة عن الطريق، وغاصت في شعب ملتوية، وتوغلت وسط غابة المعمورة وهناك صمتت طويلا..
شلحوا ملابسي قطعة قطعة، وأجبروني على الرقص رقصة الدجاجة المذبوحة، وتناوبوا على اغتصابي وتركوني ألعق جراحي..
ومر علي وقت طويل وأنا أرجف ألما وخوفا وبردا، حتى جاء من أخرجني ورافقني إلى المستشفى محطمة الجسد، كسيرة النفس، ولا أريد أن أقابل أحدا.
نفثت كتلة من الدخان، وهي تسوي شعرها مواصلة :
ـ  حتى أتى يوم، تعريت أمام المرآة وبكيت وضحكت كحمقاء، وقررت أن أتغير من امرأة مسالمة طيعة راضية إلى لبؤة مفترسة، إن كان عري جسدي ينهش سأنهشهم بعري، ومفاتني سيكون سلاحي لكي أنتقم لن أرحم أحدا، دمروني وسأدمر كل من تعرض لطريقي.
فمن فاطنة السادجة الحانية الرأس الطيعة، إلى فاتي اللعوب اللبوءة الباحثة عن طرائدها، كرهت أن أبقى هشة ضعيفة ، وصممت أن أصمد وأن أكون قوية، لست مسؤولة عن عهري، هم عهروني، وسأقاومهم وأحطمهم بعهري..

في ليلة ظلماء يغيب القمر:
موسيقى الجاز تصدح وهما في مطعم الفندق، استأذنت الذهاب إلى الحمام، تأخرت لوقت مديد، نظر إلى الساعة متفحصا.
دنا منه رجل وسيم وقال بلباقة:
– أريد أن أحدثك ولو لدقيقة إن سمحت؟
أجاب وقد هزته المفاجأة والفضول:
– تفضل..
– المرأة التي كانت معك فاتي، هربت من الحجر الصحي المفروض عليها، وهي تتلقى حصص علاج منتظمة ، مع الأسف أن أخبرك أنها مصابة بالسيدا، وأنت في أمس الحاجة إلى تحاليل فحص دقيق
أخرج من جيب سترته بطاقة:
– هذا هو عنوان المختبر !
شعر بدوخة وهو يشد على رأسه بقوة وحسرة ..


الكاتب : المصطفى كليتي

  

بتاريخ : 13/01/2023