في مشهد يتكرر بانتظام، بات إقصاء الجسم الصحافي من الجموع العامة للجمعيات الرياضية بمدينة مكناس ممارسة شبه دائمة، تحوّلت من سلوك معزول إلى ما يشبه «القاعدة»، حيث أضحت تمارس وكأنها عُرف لا يُناقش، وسُنة لا تقبل المراجعة. فما كان يُعدّ استثناءً أصبح اليوم توجهاً مقلقاً، ينذر بمأسسة غياب الشفافية ومصادرة الحق في المعلومة بمدينة تُفترض فيها الديمقراطية المحلية كأحد أسس الحكامة.
ففي الوقت الذي يُفترض فيه أن تكون الجموع العامة مناسبة لتقييم أداء الجمعيات ومحاسبة أجهزتها، أصبحت هذه اللقاءات تُدار في الخفاء، إما بتهريبها بعيداً عن أنظار الرأي العام، أو بعقدها في سرية تامة، أو بإغلاقها تحت ذريعة «الخصوصية»، وكأن الأمر يتعلق بمداولات أمنية، لا بشؤون جمعيات تستفيد من المال العام، وتمثل جزءاً من الحياة العامة للمجتمع.
الأخطر من ذلك أن بعض الجمعيات تجاوزت الإطار القانوني بشكل صارخ، إذ لم تعد تعقد جموعها العامة، وأصبحت في حكم المنتهية الصلاحية، ومع ذلك تستمر في التصرف في ماليتها دون أي سند قانوني. ورغم هذا الوضع الشاذ، ما تزال تحظى بتعامل رسمي من طرف السلطات المحلية والمؤسسات المنتخبة، ما يُفقد منظومة التسيير برمتها شرعيتها القانونية ويطرح علامات استفهام حول مصداقيتها الأخلاقية.
النادي المكناسي نموذجاً صارخاً
آخر تجليات هذا التوجه تجسد صباح السبت 31 ماي 2025، خلال انعقاد الجمع العام غير العادي للنادي المكناسي لكرة القدم بملعب الخطاطيف. فكما جرت العادة، تم تغييب الصحافة الوطنية والجهوية والمحلية بالكامل، باستثناء تصريح مقتضب خص به رئيس اللجنة المؤقتة لتسيير الفريق بعض المنابر، التي رابطت خارج القاعة طيلة زمن الاجتماع، في انتظار بقايا معلومة.
المفارقة أن هذا التصريح أشار إلى «حضور مكثف» للمنخرطين، والرؤساء السابقين، وفعاليات رياضية وجمعوية وثقافية، بينما غابت الصحافة، بما فيها تلك التي دأبت على مواكبة أنشطة الفريق، حتى من داخل منصة الإعلام بالملعب الشرفي بموجب حق أو بدونه. وكأن الإعلام بمكناس لا يُعترف له بشرعية المتابعة ولا بأهمية دوره في نقل المعلومة للجمهور
سياسة التعتيم متواصلة
في الوقت الذي تتجه فيه أغلب أندية البطولة الاحترافية نحو التواصل المؤسساتي، من خلال عقد ندوات صحافية لتقديم تعاقداتها وبرامجها، يواصل النادي المكناسي اعتماد سياسة «الإخبار الافتراضي»، عبر منشورات مقتضبة على صفحته الفايسبوكية، لا تفي بالغرض ولا تحترم ذكاء المتابعين. وحتى في حالات الانفصال عن مدربين أو طواقم تقنية، يتم الأمر في صمت تام، دون أي توضيح أو بيان رسمي.
ويبدو أن النادي بات يتعامل مع الصحافة كعبء ثقيل بدل أن يراها شريكًا أساسيًا في تطوير المشهد الرياضي، حيث جاءت مخرجات الجمع العام مقتضبة وخالية من التفاصيل، واكتفى ‘الرئيس’ بالإشارة إلى نقطتين أساسيتين: الأولى تتعلق بملاءمة النظام الداخلي للجمعية، والثانية تخص تسريع الإجراءات القانونية لإحداث الشركة الرياضية برأسمال أولي لا يتجاوز 300 ألف درهم، في انتظار عقد جمع عام جديد للمصادقة الرسمية. كما أكد أن النادي يسعى للانخراط في برنامج «رياضة ودراسة»، تماشياً مع دفتر التحملات الموضوع لهذا المشروع.
تغيير الطاقم التقني وغموض في التفاصيل
على مستوى الإدارة التقنية، أنهى النادي المكناسي ارتباطه بالطاقم الذي أدار الفريق خلال الموسم المنصرم، وتم التعاقد مع طاقم جديد بقيادة حسن مومن كمدير رياضي، وعودة عبد العزيز الدنيبي مدرباً للفريق الأول، بعد أن قاده إلى الصعود في موسم 2023 – 2024، بمساعدة محمد العزيز وسليم مذكر كمعد بدني. إلا أن الغرابة تكمن في أن الدنيبي وحده من وقّع على عقده حتى الآن، فيما لم تُحسم وضعية بقية الأطر، ما يفتح باب الأسئلة حول أسباب التأخر والغموض الذي يلف هذه المرحلة التحضيرية الحساسة.
الإنجاز الرياضي وسط خلافات صاخبة
تمكن الفريق من ضمان البقاء في القسم الأول من البطولة الاحترافية، وهو إنجاز فاجأ الكثيرين، خصوصاً بعد بوادر الانقسام والخلاف التي بدأت تظهر مباشرة عقب حفل الصعود. هذا الحفل، الذي أشرفت عليه عمالة مكناس في نهاية موسم 2023 – 2024، تم تفويته لتنظيم خارجي دون إشراك مكونات المدينة، في مشهد رسّخ قناعة لدى الكثيرين بأن «مطرب الحي لا يُطرب».
المال العام يُلزم بالشفافية
إن تمويل النادي المكناسي من المال العام، يجعله ملكاً مشتركاً لسكان المدينة والجهة، ويُلزم القائمين عليه باحترام قواعد الشفافية والمساءلة. فالفصل 27 من الدستور المغربي يكفل الحق في الحصول على المعلومة، وهو ما تم تأطيره بالقانون 31.13، الصادر بتاريخ 12 مارس 2018. وأي محاولة لتقييد هذا الحق تُعد تجاوزاً قانونياً يثير تساؤلات جدية حول أسلوب التدبير ومدى الالتزام بمبادئ الحكامة الجيدة، خاصة وأن السنوات الماضية شهدت العديد من الاختلالات في التسيير، ظلت تُغطى بغطاء «التوافقات» و»مصلحة الفريق»، وهي شعارات تم استخدامها لتبرير تغييب مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتحويله إلى مجرد حبر على ورق داخل المنظومة الرياضية للنادي.
مكناس… الاستثناء المقلق؟
وفي وقت يستعد فيه المغرب لاحتضان تظاهرات رياضية عالمية، من بينها كأس إفريقيا للأمم وكأس العالم 2030، يُخشى أن تبقى مكناس استثناءً سلبياً في مشهد يسير نحو الانفتاح والشفافية. فهل تستمر المدينة في تغذية منطق التعتيم؟ أم أن لحظة المراجعة قد اقتربت لإعادة الاعتبار لدور الإعلام وتكريس الشفافية في تدبير الشأن الرياضي المحلي؟