عنف ضد المهاجرين بتونس رغم تراجع سعيّد عن «الخطاب العنصري»

 

كيف أصبحت معاداة المهاجرين سلوكا عالميا؟

 

نشرت صحيفة «الغارديان» مقالا للصحفية نسرين مالك قالت فيه إنه منذ أكثر من 10 سنوات بقليل، أشعلت الدعوات من أجل الحرية وحقوق الإنسان في تونس الربيع العربي. اليوم، يتعرض المهاجرون السود في البلاد للهجوم والبصق عليهم وطردهم من منازلهم. أزمة العنصرية في البلاد شديدة لدرجة أن مئات المهاجرين السود تمت إعادتهم إلى أوطانهم.
كل ذلك حدث بسرعة، فجره خطاب ألقاه الرئيس التونسي، قيس سعيد، في نهاية فبراير. وحث قوات الأمن على اتخاذ تدابير عاجلة ضد المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء، الذين زعم أنهم ينتقلون إلى البلاد ويخلقون وضعا «غير طبيعي» كجزء من خطة إجرامية تهدف إلى «تغيير التركيبة السكانية» وتحويل تونس إلى «مجرد دولة أفريقية أخرى لا تنتمي إلى الأمتين العربية والإسلامية «. وأضاف أن «جحافل المهاجرين غير الشرعيين من أفريقيا جنوب الصحراء» قد أتت إلى تونس «بكل ما يترتب على ذلك من عنف وجريمة وممارسات غير مقبولة».
من ناحية الحجم، يبلغ عدد المهاجرين السود في تونس حوالي 21000 من أصل 12 مليونا من السكان، ومع ذلك فقد سيطر التركيز المفاجئ على وجودهم. أطلقت الهستيريا العامة العنان لمذبحة ضد مجموعة صغيرة من المهاجرين الذين لم يكن لأفرادها تأثير يذكر على اقتصاديات الدولة أو سياساتها – تحكي التقارير الواردة من منظمات حقوق الإنسان عن المداهمات الليلية وعمليات الطعن في وضح النهار. مئات المهاجرين، المشردين الآن، يقيمون في مخيمات، خائفين، خارج مكاتب المنظمة الدولية للهجرة في تونس العاصمة مع استمرار الاستفزاز ضدهم.
وقالت إن جوزيفوس توماس، وهو لاجئ سياسي من سيراليون تحدث إليها، من المخيم، حيث كان يأوي مع زوجته وطفله بعد أن طردوا من منزلهم وسرقت مدخراته. ينامون تحت المطر البارد، ويغتسلون في المرحاض العام في حديقة قريبة وينامون حول النار بعين واحدة مفتوحة تحسبا للكمائن الليلية من قبل الشباب التونسي. حتى الآن، تعرضوا للهجوم مرتين. «هناك ثلاث نساء حوامل هنا، واحدة أجهضت بينما كانت تعدو فرارا بحياتها». ويقول إنه بسبب سوء الصرف الصحي، «جميع السيدات مصابات بالعدوى.. حتى أولئك الذين لديهم بطاقة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين»، والمعترف بهم رسميا كلاجئين شرعيين، لا يتلقون المساعدة التي يحق لهم الحصول عليها. «النظام لا يعمل».
وترى أن وراء هذه الأزمة المصطنعة الفشل الاقتصادي والتقصير السياسي. وأخبرتها مونيكا ماركس، أستاذة دراسات الشرق الأوسط والخبيرة في الشؤون التونسية، أن «رئيس الدولة يقوم أساسا بصياغة سياسة الدولة على أساس نظريات المؤامرة التي تدور حول الزوايا المظلمة من قبو الإنترنت». كان جوهر خطابه أساسا هو نظرية «الاستبدال العظيم»، ولكن بلمسة محلية. في هذه النسخة من الأسطورة، يستخدم الأوروبيون السود من أفريقيا جنوب الصحراء لجعل تونس مستعمرة يسكنها السود.
إن مواجهة أزمة الهجرة أمر مفيد، ليس فقط كإلهاء عن إخفاقات سعيد، ولكن كاستراتيجية سياسية لاختطاف مؤسسات الدولة والإعلام، وتوجيهها بعيدا عن المعارضة السياسية أو التدقيق.
تظهر السرعة التي انتشرت بها الهستيريا أن هذه المواقف كانت قريبة من السطح طوال الوقت. إن العنصرية تجاه العرب السود والأفارقة السود من جنوب الصحراء مترسخة في العالم العربي – وهو إرث تعود جذوره للعبودية ومشاعر التفوق العرقي لدى العرب. في شمال أفريقيا العربي، تزداد العنصرية تجاه السود تعقيدا بسبب جنون العظمة من القرب – فوجودهم في القارة الأفريقية يعني أن هناك حساسية شديدة من اعتبارهم أفارقة على الإطلاق، أو لا سمح الله، سودا. في الثقافة الشعبية، تنتشر الاستعارات العنصرية ضد العرب السود أو الأفارقة الآخرين، وتصورهم على أنهم أغبياء وسوقيون وغير قادرين على التحدث بالعربية دون لهجة ثقيلة.
لقد أدت حركة اللاجئين من جنوب الكرة الأرضية وعبرها إلى تأجيج التعصب ودفع الحكومات، سواء كانت ديمقراطية أو غير ذلك، نحو القضاء على حقوق الإنسان الخاصة بهؤلاء الأشخاص. تخلق التواريخ المحلية والسياسات الدولية عاصفة كاملة يصبح فيها من المقبول مهاجمة مهاجر في منزله بسبب «مخاوف مشروعة» بشأن انعدام الأمن الاقتصادي والتخفيف الثقافي.
على الصعيد العالمي، هناك مجموعة قاتمة من البلدان التي جعلت من كبش فداء الغرباء المحرومين عنصرا مركزيا في سياسة الحكومة. لكن هناك قسوة جديدة وقاسية لها في المملكة المتحدة وأوروبا. يخبر الاتحاد الأوروبي رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، أن خطط القارب الصغير الخاصة به تنتهك القانون الدولي، لكن الاتحاد الأوروبي اتبع منذ سنوات سياسة غير إنسانية لتأمين المهاجرين، حيث يلتقط ويحتجز المهاجرين المتجهين إلى شواطئه في سجون وحشية تديرها الميليشيات من أجل الربح. من بينها «حفرة جهنم» في ليبيا ومشاريع مشتركة ممولة بشكل كبير مع الديكتاتورية المنتهكة لحقوق الإنسان في السودان.
في الأسبوع الماضي فقط، في خضم هذه العاصفة، أجرت رئيسة الوزراء الإيطالية، جيورجيا ميلوني، مكالمة حارة مع نظيرتها التونسية، نجلاء بودن رمضان، حول، من بين مواضيع أخرى، «حالة الهجرة الطارئة والحلول الممكنة، باتباع نهج متكامل «. يقول ماركس إن هذا النوع من الحديث غير الدموي عن الإنفاذ بأي ثمن «يتحدث عن السهولة التي يمكن بها للنخب السياسية ومسؤولي الدولة، أن تجعل الفاشية جزءا من الحاضر السياسي اليومي».
إذن إلى أين تتجه إذا كنت تفر من الحرب والإبادة الجماعية والعنف الجنسي؟ إذا كنت ترغب في ممارسة حق من حقوق الإنسان، المتفق عليه من حيث المبدأ منذ أكثر من 70 عاما، «أن تسعى للحصول على اللجوء في بلدان أخرى وتتمتع بحماية من الاضطهاد؟» الجواب في أي مكان، لأنه لا يوجد رادع افتراضي أكثر رعبا من هدية غير آمنة.
سوف تشرع في رحلة غير إنسانية قد تنتهي بمداهمة منتصف الليل على منزلك في تونس، أو الغرق في القناة، أو، إذا كنت محظوظا، بإقامة في مراكز الاحتجاز الضخمة التي تم الاتفاق عليها حديثا بين سوناك وماكرون. سينتقل الناس المعرضون للخطر. هذا مؤكد. كل ما نضمنه من خلال سياسات الردع الساخرة هو أننا سنجعل رحلتهم المشحونة بالفعل أكثر خطورة.
تصاعد الاعتداء على مهاجرين أفارقة بتونس

إلى ذلك، اعتبرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن الإجراءات التي أقرها الرئيس التونسي لفائدة المهاجرين، وطالبي اللجوء، واللاجئين السود في تونس، عقب تصريحاته التي وُصفت بـ»العنصرية» غير كافية.
وكان الرئيس التونسي قد تحدث خلال اجتماع رسمي في 21 فبراير عن تدفق «جحافل» من المهاجرين غير النظاميين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، معتبرا أن ذلك مصدر «عنف وجرائم» وجزءا من «ترتيب إجرامي» يهدف إلى «تغيير التركيبة الديموغرافية لتونس».
وتلا ذلك تصاعد في التعديات على مهاجرين أفارقة من دول جنوب الصحراء، الذين توجه العشرات منهم إلى سفارات دولهم لطلب إجلائهم من تونس.
وبعد انتقادات حقوقية ودولية، أبرزها بيان مفوضية الاتحاد الأفريقي، فقد تراجع الرئيس التونسي عن تصريحاته، مشددا على أنه «ليس عنصريا» وأن «أفريقيا لكل الأفارقة»، معلنا في الوقت ذاته عن اتخاذه عدة إجراءات لفائدة المهاجرين في بلاده.
ورغم التراجع عن تصريحاته، إلا أن «هيومن رايتس ووتش» اعتبرت أن الإجراءات التي أقرها سعيّد لا ترقى إلى مستوى الخطوات اللازمة لإنهاء ما أعقب خطاب الرئيس من تصاعد للاعتداءات العنيفة، والسرقات، وعمليات التخريب التي يرتكبها مواطنون تونسيون، وطرد المستأجرين التعسفي من قبل المالكين، والفصل التعسفي من العمل.
وكشفت المنظمة في تقرير لها أن أعدادا كبيرة من المهاجرين، وطالبي اللجوء، واللاجئين الأفارقة تخيّم أمام مقرات المنظمات الدولية بتونس، بعد أن أصبح كثيرون منهم مشردين فجأة، قائلين إنهم يشعرون هناك بأمان أكثر من الاعتداءات والاعتقالات التعسفية مقارنة بباقي أرجاء البلاد.
وقالت سلسبيل شلالي، مديرة شؤون تونس في «هيومن رايتس ووتش»: «بعد تأجيج نيران العنف ضد المهاجرين، يحاول الرئيس سعيّد اليوم احتواءها بقطرات من الماء. ينبغي للحكومة التونسية أن تتوقف فورا عن اعتقال الأجانب الأفارقة السود، وأن تراجع القضايا الفردية لضمان اتباع الإجراءات الواجبة لجميع الموقوفين، والإفراج عن المحتجزين تعسفا، والتحقيق بسرعة في القضايا، ومحاسبة المسؤولين عن الاعتداءات والانتهاكات العنصرية».
وتاليا نص التقرير كاملا:

قالت «هيومن رايتس ووتش» إن محاولة الرئيس قيس سعيّد الأخيرة للتخفيف من الأضرار التي لحقت بالمهاجرين، وطالبي اللجوء، واللاجئين السود في تونس جراء خطابه في 21 فبراير 2023 غير كافية. التدابير المعلَنة في 5 مارس لا ترقى إلى مستوى الخطوات اللازمة لإنهاء ما أعقب خطاب سعيّد من تصاعد للاعتداءات العنيفة، والسرقات، وعمليات التخريب التي يرتكبها مواطنون تونسيون، وطرد المستأجرين التعسفي من قبل المالكين، والفصل التعسفي من العمل.
في هذه الأثناء، تخيّم أعداد كبيرة من المهاجرين، وطالبي اللجوء، واللاجئين الأفارقة أمام مقرات المنظمات الدولية، بعد أن أصبح كثيرون منهم مشردين فجأة، قائلين إنهم يشعرون هناك بأمان أكثر من الاعتداءات والاعتقالات التعسفية مقارنة بباقي أرجاء تونس. من جهة أخرى، يبتعد آخرون عن الأنظار، قائلين لـ «هيومن رايتس ووتش» إنهم يتفادون الخروج قدر الإمكان.
قالت سلسبيل شلالي، مديرة شؤون تونس في «هيومن رايتس ووتش»: «بعد تأجيج نيران العنف ضد المهاجرين، يحاول الرئيس سعيّد اليوم احتواءها بقطرات من الماء. ينبغي للحكومة التونسية أن تتوقف فورا عن اعتقال الأجانب الأفارقة السود، وأن تراجع القضايا الفردية لضمان اتباع الإجراءات الواجبة لجميع الموقوفين، والإفراج عن المحتجزين تعسفا، والتحقيق بسرعة في القضايا، ومحاسبة المسؤولين عن الاعتداءات والانتهاكات العنصرية».
بين 24 فبراير و3 مارس، قابلت هيومن رايتس ووتش 16 مواطنا من دول غرب أفريقيا ووسط أفريقيا يقيمون في تونس، ووثّقت رواياتهم عن تعرضهم للضرب، والسرقة، والاعتداء بعد خطاب الرئيس. يشمل العدد سبعة عمال مهاجرين، ستة منهم بدون أوراق وواحد يقيم بشكل قانوني؛ وخمسة طلاب؛ وأربعة طالبي لجوء مسجلين لدى «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين».
قال 13 من الذين أُجريت معهم مقابلات إن تونسيين اعتدوا عليهم، أو سرقوهم، أو استخدموا ضدهم التمييز أو الإهانات العنصرية بين 21 فبراير و1 مارس. ومنذ تصريحات الرئيس، طُرد 11 شخصا تعسفا، وهرب اثنان من منزليهما خوفا على سلامتهما. ثمانية من التسعة الذين كانوا يعملون قبل الخطاب مُنعوا من العمل بعده وخسروا جميع مصادر دخلهم. جميعهم تقريبا قالوا إن تصريحات الرئيس والاعتداءات العنصرية دفعتهم إلى القلق على سلامتهم والخوف من السير في الطرقات.
يقدّر إحصاء من العام 2021 عدد الأجانب من الدول الأفريقية غير المغاربية في تونس بنحو 21 ألفا، في بلد يبلغ تعداد سكانه 12 مليونا. 7,200 منهم تقريبا هم طلاب في الجامعات التونسية، بحسب وزارة التعليم العالي. وأفادت المفوضية أن 9 آلاف لاجئ وطالبي لجوء كانوا مسجلين في البلد اعتبارا من يناير، معظمهم من ساحل العاج، وسوريا، والكاميرون، والسودان، وأعداد أقل من غينيا، وليبيا، وبلدان أخرى.
بدأ الأمر أوائل فبراير، عندما شنت الشرطة التونسية حملة اعتقالات، يبدو أنها استهدفت المهاجرين الأفارقة السود على أساس مظهرهم أو الأحياء التي يقطنون فيها. بحسب فرع «محامون بلا حدود» في تونس، تفيد تقارير بأن 850 شخصا على الأقل اعتُقلوا تعسفا، على ما يبدو على أساس التنميط العرقي.
في عداد الموقوفون أشخاص بدون أوراق وآخرون لديهم أوراق، بينهم لاجئون وطالبو لجوء مسجلون. في 9 مارس، قالت «جمعية الطلاب والمتدربين الأفارقة في تونس» لـ هيومن رايتس ووتش إن 44 طالبا على الأقل أوقفوا منذ 21 فبراير، بعضهم ما يزال محتجزا. وأكثر من 40 طالبا بلّغوا عن اعتداءات عنيفة.
في 21 فبراير، ادّعى سعيد أن «ترتيبا إجراميا» يهدف عبر «الموجات المتعاقبة من الهجرة غير النظامية» إلى «تغيير التركيبة الديمغرافية لتونس… [و]اعتبار تونس دولة أفريقية فقط ولا انتماء لها للأمتين العربية والإسلامية». وقد أمر الشرطة بتطبيق القانون المنظم لوجود الأجانب في تونس بصرامة، قاصدا بذلك في الوقت نفسه الجرائم والمهاجرين الذين ليس لديهم وثائق من أفريقيا جنوب الصحراء.
يتعرض الأجانب الأفارقة السود في تونس لاعتداءات عنصرية متفرقة منذ سنين. لكنهم يتعرضون منذ خطاب الرئيس لتصاعد في الاعتداءات التي ترافقها في الغالب سرقات، بالإضافة إلى الطرد من المنازل والفصل من العمل. بحسب محامون بلا حدود، عوضا عن حماية الضحايا، أوقفت الشرطة بعض المهاجرين بدون وثائق الذين حاولوا التلبيغ عن الاعتداءات.
في 5 مارس، نشرت رئاسة الحكومة بلاغا ينفي «العنصرية المزعومة» ويدرج تدابير منوي تطبيقها لـ «تيسير الإجراءات أمام الأجانب المقيمين بها وحماية لمختلف الجاليات»، بما في ذلك تسهيل التسجيل للطلاب الأجانب، تسهيل عمليات المغادرة الطوعية، وخط ساخن جديد للتبليغ عن الانتهاكات.
إلا أن البلاغ لم يدِن الاعتداءات الإجرامية على المهاجرين السود، أو يأمر قوات الأمن بحماية المعرّضين للخطر، أو ملاحقة ومحاسبة المشتبه بقيامهم بأعمال جرمية ضد الأجانب. أعلنت السلطات عن عملية توقيف واحدة في موجة الاعتداءات، ما خلق جوا من الإفلات من العقاب يمكنه أن تشجيع المعتدين المحتملين.
في ما يأتي روايات ثلاثة مهاجرين سود قابلتهم هيومن رايتس ووتش..
رجل من مالي عمره 20 عاما ويدرس التجارة الدولية، يقيم في تونس منذ سبتمبر 2020. في 1 مارس، بينما كان يعود إلى مسكنه من تدريبه المهني في وسط تونس، سحب رجل شفرة وحاول جرحه بها، وهو يردد الإهانات العنصرية ويقول له يعود إلى بلده. حاول الطالب الدفاع عن نفسه لكنه تعرض لبعض الجروح في رقبته وصدره.
ذهب إلى مركز الشرطة مع عميد جامعته – الذي قام بدور المترجم – للتبليغ عن الاعتداء. قال إن الأعوان سألوه عما حصل، وأعطوه محضرا بالعربية بدون أي معلومات مهمة وقالوا له أن يذهب إلى المستشفى. بين 21 فبراير و1 فبراير، لم يخرج من مسكنه إلا مرة واحد لشراء الحاجيات لشعوره بالخطر.
في 27 فبراير، طُرد شاب كاميروني عمره 17 عاما، وهو طالب لجوء مسجل لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، من شقته في أريانة، شمال العاصمة، رغم أنه كان قد سدد إيجار المنزل في اليوم السابق. وقال إن مجموعة رجال، يبدو أنهم تونسيون، اعتدوا عليه وعلى شركائه بالسكن في الليلة نفسها في الشارع بالسكاكين والقضبان، ورموا الحجارة عليهم، وسرقوهم. وكانوا يرددون «الموت للسود» بالفرنسية، التي يفهمها. أضاف أن المعتدين سرقوا هاتفه وماله.
وقد عرض جرحا مفتوحا على الوتر العرقوبي (فوق كعب رجله)، وكدمات على فخذه، وشقوقا على الكم الأيمن للسترة وظهرها، قال إن أحد المعتدين شقها بسكينه. وأضاف أن الشرطة شاهدت الاعتداء ولم تتدخل. عندما قابلته هيومن رايتس ووتش، كان ينام على قطعة كرتون أمام مقر «المنظمة الدولية للهجرة» في تونس العاصمة منذ طرده. قال إنه هرب من الحرب في بلده بعد مقتل جميع أفراد عائلته.
امرأة من ساحل العاج، معها توأم في سن الخمسة أشهر، تقيم في تونس منذ 2017 وتملك إقامة قانونية. أوائل شباط، فتحت صالون تجميل في حي سيدي عامر، شمال العاصمة. قالت إن المالك الذي أجرها الصالون تراجع عن الاتفاق، مدعيا أن الشرطة قالت إنه «لا يمكن أن يملك السود مؤسسات». في الصباح التالي، 24 فبراير، وجدت المالك وستة رجال آخرين يهدمون العتاد والمفروشات بالفؤوس.
في 25 فبراير، طردها مالك شقتها من الشقة في رواد، قائلا لها «عودي إلى بلدك». وهي تعتمد وأطفالها منذ ذلك الحين على الأصدقاء للمأوى كي تبقى في الداخل قدر المستطاع بسبب الخوف. وتكلمت أيضا عن التمييز في المحلات التجارية، إذ قالت إن التجار يرفعون الأسعار تعسفا مقابل الحاجيات الأساسية، مثل الأرز، عندما تصل إلى الصندوق للدفع.
وثّق خبراء وصحفيون اعتداءات وانتهاكات أخرى كثيرة في الأسابيع الأخيرة. فقد تأججت الاعتداءات جراء تصاعد الخطاب المعادي للسود وخطاب الكراهية على المنصات الإلكترونية في الأشهر الأخيرة، الذي يقود جزءا منه «الحزب القومي التونسي»، الذي يدعو إلى ترحيل جميع المهاجرين الأفارقة الذين ليس لديهم وثائق. بلغت الكراهية على الإنترنت ذروتها بين 20 و26 فبراير، بحسب تقرير نشرته منصة «فالصو» للتحقق من الحقائق في 28 فبراير.
في 2018، أقرّت تونس القانون عدد 50 المتعلق «بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري»، وهو تشريع رائد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يجرّم التمييز العنصري ويفرض أحكاما سجنية تتراوح بين شهر وسنة للتعليقات أو الأفعال العنصرية؛ ومن سنة إلى ثلاث سنوات للتحريض على الكراهية أو نشر أفكار قائمة على التمييز العنصري أو التفوق العرقي، بأي شكل من الأشكال.
«الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري»، وتونس دولة طرف فيها، تفرض على الدول أن « تشجب التمييز العنصري» وتتخذ تدابير تهدف إلى «القضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله وتعزيز التفاهم بين جميع الأجناس». وتنص على أن الدول يتعين عليها «حظر وإنهاء أي تمييز عنصري يصدر عن أي أشخاص أو أية جماعة أو منظمة» وأن «تثبط كل ما من شأنه تقوية الانقسام العنصري».


الكاتب : وكالات

  

بتاريخ : 17/03/2023