يرى سورن كيركجورد soren Kierkegaardانه عند الرغبة في النجاح في مرافقة الكائن البشري نحو هدف محدد يجب البحث عنه أنى هو والبدء معه بالضبط في الوضع الذي هو فيه, فالذي لا يعرف فعل هذا يغالط ذاته عندما يفكر في انه قادر على مساعدة الآخرين , ولمساعدة كائن بشري يجب أن نفهم أكثر منه لكن وقبل هذا يجب أن نفهم ما يفهمه وإذا لم نتمكن من القيام بذلك فلن يصلح لشيء أن نكون أكثر قدرة ومعرفة منه…
انظر كتاب -تأملات في نظام التعليم بالمغرب -محمد بوبكري ص-63
من هذا المنطلق تؤكد البيداغوجيا الحديثة عن أهمية ومركزية المتعلم في العملية التعليمة, ودون إهمال دور المدرس كفاعل ومنشط وموجه للفعل التربوي.
وللوصول إلى هذا الهدف لابد من طرح تساؤلات عديدة منها ما هو ذو بعد ابستمولوجي من قبيل (كيف يمكن أن نفهم لماذا لايفهم المتعلم؟) خصوصا وان الابستمولوجيا تتساءل دائما عن طبيعة المعرفة وتاريخ بنائها و سيرورات اكتشافها ومقتضيات اكتسابها وقريبا من عالم التربية فإنه تطرح نفس الأسئلة خصوصا وان التربية هي علم ومعرفة وتاريخ وسلوك تخضع لنفس آليات الخطاب العلمي .
قارن نيتشه الفعل التربوي بالنحت على الحجر وشبه زرادشت بالنحات الذي ينحت على الحجارة الشكل الذي يتصوره : «إن طموح إرادتي إلى الخلق يدفعني أبدا نحو الناس اندفاع المطرقة فوق الحجر , أيها الناس إنني أرى صورة كامنة في الحجر, صورة تخيلاتي افيجدر أن تبقى ثاوية في اشد الصخور صلابة وقبحا ؟» ص145 – المرجع السابق.
انه بذالك يشخص صورة المربي العنيد الذي يشكل تلامذته حسب منظوره.
يعلم الجميع انه ليس هناك حلولا سهلة ومجانية وليست هناك معجزات في البيداغوجيا المعاصرة, وانه لا يجب تبني بيداغوجيا تفترض تقليدا خاضعا لنموذج خارجي اكثرمما تفترض استيعابا حقيقيا للمعرفة لذا ينبغي أن يندرج تدخل المدرس في سيرورة المحاولة والخطأ لا إقصاء هذه السيرورة , لأن كل مجهود غير محسوب العواقب من اجل ربح الوقت قد يحدث كوارث …. فالطفل حين يتعلم المشي قد يتراجع إلى الخلف… ولكن تراجعه ليس سوى مظهر لأنه يتمكن حين يحبو متراجعا للخلف من تعلم المرحلة المقبلة. هكذا إن الأمر يتعلق أولا وقبل كل شيء باعتبار المسار الذي يتبعه من يتعلم, حتى وان كان هذا المسار مؤقتا مسار الخطأ , ولكن هاهنا تكمن المأساة :
إن المدارس المولع بالإتقان المتأثر بمتطلبات مادته يفضل إقصاء الخطأ واعتباره شيئا مشوشا وغير مرغوب فيه … وسوء فهم لا يستحق الوقوف عنده لذا ينبغي إقصاؤه وبالتالي اختفاؤه تلقائيا عندما يتمكن التلميذ من الفهم , ويعني هذا انه ليس هناك أدنى تسامح مع الخطأ وهذا ما يحدث على الأقل في البيداغوجيا التقليدية ’ أما في البيداغوجيا التي دعا إليها (فريني) C -FREINETفان الخطأ لايقبل إلا مؤقتا باعتباره محاولة والمحاولات التجريبية ليست سوى تكييفا (للمتعلم) عن طريق (المحاولة والخطأ) .
وهكذا يكون الخطأ بالنسبة لفريني مجرد محاولة , والمحاولة يراها(باشلار) BACHELARD في مجال البيداغوجيا أساسية.
لقد ميز باشلار بين خطا يرد سهوا نظرا لكلل ذهني , وبين خطا ايجابي أو الخطأ المفيد , ويصبح الخطأ عند باشلار ظاهرة بيداغوجية أكثر أهمية بالمقارنة مع فريني (الخطأ ليس مجرد تعثر في الطريق) بل هو نقطة انطلاق المعرفة لان المعرفة العلمية لاتبدا أبدا من الصفر ولكنها تصطدم بمعرفة مستعملة موجودة من قبل . وهذا ما لا ينبغي للبيداغوجيا أن تتجاهله, فالتلميذ ليس صفحة بيضاء/ أو عذراء / اوصفحة ممسوحة / وينبغي أن نتذكر هنا أن ما حدا بديكارت إلى مسح معارفه غير اليقينية هو الطابع المنهجي لشكله .
وإذا استحضرنا التلميذ في مثل هذه الوضعية فإننا نرى المعارف التي تلقن له تلتصق بتجارب التلميذ السابقة دون أن تندمج فيها …
إن الخطأ ليس له مصدر عرضي فقط , بل أن الفرد له نزوع حقيقي إلى ارتكابه , وهذا بالتالي هو الجواب الذي يمكن تقديمه على سؤال باشلار (ما الذي نتعلمه حين نعلم؟) وحين نعلم ( ماذا نتعلم حول المادة التي نعلم ؟) نتعلم الكثير حول طبيعة هذا النزوع.
في محاولة مينون MINON تقود أول مرحلة في استجواب العبد حول مشكل تضعيف المربعla duplication إلى بنائه لجواب خاطئ ومكنه التطور الحاسم للمحاورة إلى اكتشاف خطا جوابه, بل أكثر من هذا أن الحل الخاطئ- وقلما تم الانتباه إلى هذا الأمر- سيعمل كمعزز من اجل بناء أخر يمكن بدوره من اكتشاف الحل, وهل يعني هذا أن الأطفال عبيد أو ملوك في مجتمعنا ؟ ان هذا الأمر ليس واضحا ، ولكننا نسلك نفس المسلك عندما نريد مساعدتهم على بناء معارفهم ، إذ ينبغي زعزعة المسلمات الحسية الخاطئة ، و أوهام العبد الذي يعتقد انه يعرف , والحال أن الطفل عبد لمدركاته الآنية وللصورة الراسخة هنا وحاليا في الإدراك ، (مجلة البحث البيداغوجي-ديداكتيكا – العدد 3- ص-21 -1992 ).
إن الفرد الذي يتعلم يبدل جهدا ذاتيا أثناء تعلمه , فهو يلاحظ وينتبه ويحاول فهم واستيعاب موضوعه وتشكل عمليات الإدراك بمختلف أنواعها تحديا له آو تحدث اختلالا له في توازن العلاقة التي تربطه بمحيطه و أناسه.
إن على المربي أن يترك للمعلم فرصة اكتشاف الحقيقة ،وليس بفضح أخطائه،كما على المربي أن يترك للمتعلم إمكانية الخروج عن الموضوع بل والسقوط الخطأ وبمعنى أخر عليه أن يرحب بخطأ المتعلم ويدفعه إلى أن يفهم انه دخل مسار بداية الحقيقة . إن المربين كما يقال: (يحكمون أكثر مما يعلمون ) فهم لا يقومون بأي شيء لمعالجة التوترات والتخوفات التي تكتنف ذهن المتعلم أمام ضرورة تصحيح تفكيرهم مع التخلص من ذاتيتهم للبحث عن الحقيقة الموضوعية.
بهذه الطريقة يمكن في نظر باشلار-أن يبعث المربي الطمأنينة لدى تلامذته ويشعرهم بالأمن.
-إن الخطأ ليس معطى ينبغي إقصاؤه ، بل انه نقطة انطلاق المعرفة العلمية، لان هذه المعرفة لا تنطلق من الصفر بل إنها تصطدم بمعرفة أولى سابقة وتجارب يستقبل بها المتعلم المعرفة الجديدة .
-لاينبغي الاعتراف بحق المتعلم في الخطأ فحسب ولكن ينبغي التوغل في طريق اكتشافه ومعرفته، بل ينبغي اعتبار الخطأ نقطة انطلاق التعلم .
(عبد العزيز الغرظاف-المرجع السابق ص 15 )إن فضل باشلار يكمن في كونه بين ضرورة إجراء تطهير فكري ووجداني لبلوغ التفكير الواضح . وبذلك أسس باشلار لفلسفة العلوم عبر طرح تساؤلات وبناء تعارضات وعوائق وهكذا كانت الابستمولوجيا علما ومنهجا وطريقة لتساؤل حول طبيعة المعرفة وتاريخ بنائها وسيرورات اكتشافها وحضورها داخل التربية يتجه إلى نفس الأطروحة من خلال المعطى التالي :
إن أخطائنا في التعلم هي جزء من تاريخنا الشخصي بكل مايحمله هذا التاريخ من معرفة وتخيلات وتجربة… وهذه الأخطاء شبيهة إلى حد ما بالأخطاء التي عرفها تاريخ العلوم خلال تطوره (عبد العزيز الغرضاف المرجع السابق ص-15)
إن التعلم بشكل عام وتعلم المعارف الدراسية الأساسية بشكل خاص ,لا يقوم على التنظيم الخارجي للعمليات التعليمية – التعلمية أي تهيئ الظروف المحيطة بعملية التعلم , كمالا يقوم – التعلم – على وجود استعدادات ذهنية للمتعلم , بل إن التعلم يقوم وفق الخصوصيات المعرفية التي تميز كل متعلم , فكل المتعلمين يختلفون في تعلمهم وأشكال إدراكهم للمواقف التعليمية – التعلمية لذا على المدرس والمربي أن يتعامل مع أخطاء المتعلمين كنقطة انطلاق نحو رحاب المعرفة أو الحقيقة أو الصواب بل يجب اعتبار الخطأ نقطة انطلاق التعلم .
* مدير ثانوية
الدشيرة
عن أهمية مفهوم العائق الابستمولوجي في المجال البيداغوجي حتى نفهم لماذا لا يفهم المتعلم ؟

الكاتب : ذ : محمد بادرة *
بتاريخ : 25/10/2017