عوالم بورخيس الخيالية التي تلغي الحدود بين الكاتب والقارئ

في كتاب «بورخيس.. مساء عادي في بوينس آيريس»، للشاعر والمترجم الأميركي ويليس بارنستون، أوقفتْ سيدة في شارع من شوارع بوينس آيريس، خورخي لويس بورخيس ومرافقه بارنستون، وصرختْ بهستيريا: «بورخيس أنت أعظم كاتب في الأرجنتين». كانت يد السيدة كلاوديا هي التي أخذت يد بورخيس الأعمى الذي استسلم للمصافحة، وقال بابتسامة، وهي صمام أمان لكلماته اللاحقة «صديقتي العزيزة قولك هذا برهان واضح على أن بلدنا يمر بامتحان كبير».
كانت كلاوديا قرأتْ مرة، أن المسافة بين بورخيس في حياته اليومية، وبين أدبه، تكاد تكون معدومة، فاستعاراته ومجازاته ومفارقاته، مبثوثة في كلامه اليومي وفي أشعاره وقصصه الخرافية. كل ما يلمسه بورخيس يتحول إلى أدب خالص، ولم تحدّد كلاوديا إن كان هذا جحيما أم فردوسا. هناك احتمالان أمام الأرجنتين في امتحانها الكبير، إمّا السقوط، وإمّا النجاح، السقوط يحرم يورخيس حدة سخريته، والنجاح يعني أن الأرجنتين استطاعت فهم أدب بورخيس، وبالتالي تقدير قيمته، وحرمان بورخيس من سخريته، هكذا يفضّل بورخيس سقوط الأرجنتين في تقدير قيمته الأدبية.
إلا أن السيدة كلاوديا ذهبت أعمق في تأويل كلمات بورخيس وقالت في نفسها «لكن لماذا يكون الامتحان كبيرا لذائقة الأرجنتين الأدبية؟ ألا يكفي أن يكون امتحانا فقط؟ ألهذه الدرجة يصعُب على الأرجنتين السياسية، ومن ورائها أميركا اللاتينية كلها، تقدير قيمة بورخيس الأدبية؟ الأدب اللاتيني الأيديولوجي، غارثيا ماركيز، جورج أمادو، كارلوس فوينتس، أليخو كاربنتيير، ميغل أستورياس، ماريو بارغاس يوسا الذي يسأل بورخيس في كتابه «نصف قرن مع بورخيس»، في شكل اتهام، «لماذا تعلن بوقاحة تأييدك للمحافظين؟» فيرد بورخيس «إن السادة الجنتلمانات يفضلون القضايا الخاسرة «.


بتاريخ : 03/08/2024