- ظهور البحاترة باعتبارها تجمعا قبليا داخل عبدة
تعود «الاتحاد الاشتراكي» من جديد لتحيي ذاكرة تاريخية لمنطقة عرفت عبر مراحل تاريخية جد مهمة أحداثا مازالت منقوشة من خلال الآثار الجغرافية أو ما تم تدوينه كإرث تاريخي لعصر اختلف فيه الباحثون، وحوله بعض المؤلفين إلى سيناريوهات بعيدة كل البعد عن الحقائق التاريخية، بل جعلوا منها أحداثا قابلة للفرجة، ولو كان ذلك على حساب تزييف مرحلة تاريخية مهمة .
نعود لنعرض أهم احداث الفترة ما بين (1879-1914) التي وقعت بمنطقة عبدة، والتي عرفت حكم القائد (عيسى بن عمر العبدي)، اعتمادا على كتاب «عيسى بن عمر.. قائد عبدة» لمؤلفه الأستاذ المصطفى فنيتير. وجاء في مقدمة هذا الكتاب التي أعدها الأستاذ ابراهيم بوطالب «أن عيسى بن عمر البحتري العبدي»، رجل سلطة، نشأ بين أحضان السلطة وعاش من ممارستها ومات وهو في حرمتها..
اعتبر الأستاذ المصطفى فنيتير في كتابه (عيسى بن عمر قائد عبدة) أن ظهور البحاترة، مؤشر على بروز تحولات داخل مكونات قبائل عبدة ، فبفعل مؤهلاتها الطبيعية و البشرية ، أصبحت مرشحة لقيادة قبائل عبدة . فما هي الخلفيات المتحكمة في انقسام عبدة ؟ ، وكيف ظهرت قبيلة البحاترة تجمعا قويا؟
ظلت قبائل عبدة منصهرة داخل مركزية واحدة الى حين وفاة القائد عبد الرحمان بن ناصر العبدي ، وبعده ظهرت بوادر الانقسام والتفكك ، ممايعبر على بروز تحولات داخل مكوناتها و تفكك روابطها .
فبعد موت المولى سليمان ، وتولية المولى عبد الرحمان ابن هشام سنة: 1238هجرية/ 1822 ميلادية ،وفدت عليه قبائل الحوز لما كان برباط الفتح ، ومن بينهم أعيان أسفي وعبدة ، وكان السلطان على علم باستمرار التنازع على الرئاسة بين القائد حمان ابن الجرموني ، والقائد القاضي العربي عمران ، وما نتج عن ذلك من فساد الأحوال ، فحاول السلطان استئصال أسباب هذا التنازع، فقتل أربعة من أعيان عبدة لتورطهم في التنازع ، كما أبعد رؤساء الفتنة عن أسفي ، وعزل القائد القاضي العربي عمران، وولى مكانع لقضاء اسفي الجيلالي ابن القاضي محمد بوخريص ، واستعمل على عبدة الحاج حمان الجرموني، وهو من الجرامنة ، نسبة الى جرمون بن عيسى من قبيلة سفيان العربية ، التي أستوطنت احدى بطون قبيلة العامر من قبائل عبدة واليها ينتسب القائد. عبد الرحمان بن ناصر العبدي .
ولا ندري بالضبط ماهي حدود ايالة القائد الحاج حمان الجرموني ؟ الا أننا نعثر على اشارات تؤكد ان عبدة كانت مستقلة عن أسفي ، حيث كان على أسفي أنذاك محمد بن عزوز الأسفي ، وأنه في سنة 1260هجرية/ 1844 ميلادية لما سمع أهل أسفي بقصف الصويرة ، خامرهم الفزع وخرجوا الى البادية ، فكان القائد محمد بن عزوز يمنع الناس من الخروج ويعمل عل اعادة السكينة والأمن الى المدينة ، وهذا دليل على أن ولاية الحاج الجرموني ، كانت مقتصرة بلا شك على بعض قبائل عبدة . وبعد موت القائد الحاج حمان تولى ابنه فضول ابن حمان ، وكان ذلك أحد أسباب التي أدت الى انقسام قبائل عبدة ، مما حدا بالقائد فضول ابن حمان العبدي الى جمع اخوانه الجرامنة من قبيلة العامر حوله ، فوقعت منازعات وحروب بين القبيلتين، أثرت على كل من عبدة واسفي ، فحاول عامل اسفي محمد ابن عزوز التدخل للصلح بين القبيلتين ، لكن بدون جدوى، ولما استفحل الأمر ، كتب القائد فضول ابن حمان للخليفة السلطاني بمراكش المولى محمد بن عبد الرحمان ،الذي جهز جيشا ، ونزل به على عبدة ، ولما سمع البحاترة بذلك ، انحازوا للبحر شمال أسفي، وتحصنوا بالكهوف. فحاول الخليفة المولى محمد ابن عبد الرحمان بواسطة الشرفاء الغنيميين أن ينعى عليهم سوء فعلهم، ويأمرهم بالرجوع الى الطاعة، لكن البحاترة ازدادوا نفورا، وتحصنوا بالكهوف على الساحل ، فتقدم اليهم الخليفة، ودارت الحرب بينهم ، وقاوموا بشدة، وكان فضول ابن حمان قد أخدته الغيرة من أعمال الفتك الذي مارسه الجيش ،فاوعز الى اخوانه الذين بطاعته باعانة البحاترة، ولما رأوا منه ذلك اذعنوا للطاعة، فطلب من الخليفة المولى محمد عبد الرحمان وقف الحرب ، فردهم وكساهم ، وخمدت فتنتهم . ودخلت قبائل عبدةفي طاعة .
لكن الخليفة المولى محمد ، حسم المشكل عن طريق اعادة ترتيب أوضاع قبائل عبدة ، حيث قسمها الى ثلاث مجموعات قيادية ، مما ساهم في تكثيف الوجود المخزني داخل عبدة وهي: قبيلة البحاترة، وتضم ( الثمرة وأولاد زيد )- قبيلة الربيعة ، وتضم (الشهالة واسحيم )- قبيلة العامر، وتضم ( الجرمنة والموسات(.