عيسى بن عمر العبدي.. قائد عبدة -8- مبايعة عبد الرحمان بن ناصر العبدي للمولى هشام

تعود «الاتحاد الاشتراكي» من جديد لتحيي ذاكرة تاريخية لمنطقة عرفت عبر مراحل تاريخية جد مهمة أحداثا مازالت منقوشة من خلال الآثار الجغرافية أو ما تم تدوينه كإرث تاريخي لعصر اختلف فيه الباحثون، وحوله بعض المؤلفين إلى سيناريوهات بعيدة كل البعد عن الحقائق التاريخية، بل جعلوا منها أحداثا قابلة للفرجة، ولو كان ذلك على حساب تزييف مرحلة تاريخية مهمة .
نعود لنعرض أهم احداث الفترة ما بين (1879-1914) التي وقعت بمنطقة عبدة، والتي عرفت حكم القائد (عيسى بن عمر العبدي)، اعتمادا على كتاب «عيسى بن عمر.. قائد عبدة» لمؤلفه الأستاذ المصطفى فنيتير. وجاء في مقدمة هذا الكتاب التي أعدها الأستاذ ابراهيم بوطالب «أن عيسى بن عمر البحتري العبدي»، رجل سلطة، نشأ بين أحضان السلطة وعاش من ممارستها ومات وهو في حرمتها..

بايعت قبائل عبدة وأهل سوس وغيرهم، المولى هشام على يد عبد الرحمان بن ناصر العبدي والحاج الهاشمي العروسي الدكالي، وذلك لأن المولى اليزيد كان منشغلا بحصار سبتة، ولأنه استنفرهم للجهاد، خالفوا أمره، فأرسل اليزيد لعبد الرحمان بن ناصر العبدي كتابا حماه أبو القاسم الزياني، يقول الزياني ….ثم توجهت إلى أسفي ، ولما اجتمعت بعبد الرحمان بن ناصر في موكبه بالقصبة، وسلمت عليه وaدفعت له الكتاب قال: من أين هذا؟ قلت من السلطان اليزيد، فسبوني وقاموا للفتك بي، فأجارني منهم، وقال: كاتب سيدنا الكبير وأخونا لا يرى منا مكروها، فبت عنده ومن الغد وجه من يحرسني في الطريق إلى مراكش. ولما تأكد اليزيد من قيام الجنوب بمبايعة أخيه المولى هشام، أقلع عن حصار سبتة وتوجه إلى مراكش، فصدوه عن الدخول وحاصرهم حتى دخلها عنوة سنة (1206 هجرية/1792 ميلادية). فمكر بأهلها، ثم خرج لمحاربة أخيه المولى هشام، الذي انهزم وفر هاربا ومعه القائد عبد الرحمان بن ناصر العبدي، واستولى المولى اليزيد على كل خزائن أخيه المولى هشام، وقبض على نحو خمسة وعشرين راميا من نصارى الإسبان جاؤوا مع المولى هشام. وأصيب المولى اليزيد في المعركة، وسرعان ما وافته المنية، فوصل خبر وفاته لأخيه المولى هشام ولعبد الرحمان العبدي والعروسي الدكالي. فكاتب المولى هشام أهل الرباط وغيرهم بمبايعته، ونجد صدى لهذه البيعة بفاس، وهو ما أورده الفقيه التاودي بن سودة فقال: بالحق تجتمع كلمة المسلمين، ونبعث لأهل الحل والربط… ولأهل مراكش ولأهل دكالة و للعروسي ولعبد الرحمان بن ناصر، ويقع الاتفاق على احضار سيدي محمد قاطبة، وينظرون من يبايعونه، بعد التسليم، إما بالقرعة أو بمن تعين وكان أهلا، وإلا فالأحق هو مولانا هشام الذي حارب عليها وقاتل أخاه وهو أيضا بالأرض التي فيها مات السلطان. لكن اتفق أخيرا على مبايعة سليمان بالغرب، ويبقى أمر قبائل الحوز مشتبكا من الرباط إلى سوس، فصارت الدولة دولتين والملوك كذلك منهم مولانا هشام بمراكش، ومنهم مولانا سليمان بفاس .
وخلفت بيعة المولى سليمان ضجة كبيرة، حيث قام عبد الرحمان بن ناصر العبدي يستنفر القباىل ويوزع عليهم الهدايا والمال، وتحالف مع قائد دكالة محمد بن لعروسي الدكالي على عدم مبايعة سليمان، ومناصرة المولى هشام، لكن أهل مراكش وأحوازها والرحامنة وغيرهم توافدوا على المولى سليمان، وقدموا الطاعة والتمسوا منه مصاحبتهم الى مراكش. لكنه أرجا ذلك الى حين استقرار الوضع، فتوجه لهم عبد الرحمان العبدي مع أهل دكالة وعبدة واحمر ومعهم المولى هشام، فنهبوا الأموال والمواشي ودخلوا مراكش، وقام المولى هشام بهدم ما بناه أبوه سيدي محمد، فتشفع له أهل مراكش في عدم الهدم، ولما استقر قدم المولى هشام بمراكش وأطاعته قبائل الحوز كلها، وكان القائمان بأمره وزيريه ابن ناصر العبدي وهو غاية الجود وبسط الكف، والهاشمي العروسي وهو ذو شوكة بعصبيته ولذلك استسلمت لهما كل مناطق الحوز ..
وحاول المولى سليمان استمالة ابن ناصر العبدي، فكانت مراسلات بينهما، وبعث له مع الشيوخ الوزانيين، وبالأخص سيدي على بن احمد الوزاني، لكن ابن ناصر العبدي اعتذر وأرسل هدية للسلطان، وأبى أن ينقاد لطاعته، كما بعث سليمان بهدية بدوره، وهي عبارة عن أفراخ رومي بقبة عجيبة .
ثم بعث له مرة أخرى مع سيد علي بن احمد الوزاني يحذره ويحتج بسبب تفريقه كلمة المسلمين، وكان ابن ناصر العبدي يسعى لكسب المزيد من الأحلاف، فبعث لمولاي سليمان وصهره على أخته، والذي كان واليا على الشاوية، وقائما على مرساها، فأغراه بعصيان المولى سليمان، وتمكن فعلا من رده عن طاعته، واصبح ابن ناصر العبدي صاحب النقض والابرام بنفومه وكثرة ماله ، وكان جوادا بالعطاء، وهو صاحب الوجاهة ونفود الكلمة وكان مستوليا على جباية مرسى أسفي، كل ذلك مكنه من فرض سلطته على كل جهات الحوز، حتى أصبح الناس يعتقدون بان ابن ناصر يريد الخلافة لنفسه ، وصاروا يشكون في أنه احد ابناء المولى عبد الله، لأن أمه كانت جارية عنده.


الكاتب : إعداد : محمد تامر

  

بتاريخ : 08/04/2023