فنانون وجها لوجه مع الملك – 2 – حياة الإدريسي: شدني الملك من يدي وخاطب الملحنين «عندنا في المغرب سميرة، نعيمة وعزيزة وبغيت هاد لبنية تكون معاهم»

هناك أحداث كثيرة ومواقف متعددة ،وذكريات تراكمت على مر السنين، منها ما تآكل مع مرور الزمن، ومنها ما استوطن في المنطقة الضبابية من الذاكرة، لكن تبقى هناك ذكريات ومواقف وصور ،عصية على الاندثار والمحو ،لأنها بكا بساطة ،كان لها في حينه ،وقع في النفس البشرية، ليمتد هذا الوقع إلى القادم من الأيام من حياة الإنسان.
في هذه الرحلة، ننبش في ذاكرة كوكبة من الفنانين ،حيث منحتهم إبداعاتهم ، تذكرة الدخول إلى قلوب الناس بدون استئذان، وهي إبداعات فنية ، استحقت كل التقدير والاحترام والتنويه داخل المغرب وخارجه، كما استحق أصحابها الاحتفاء بهم ، ويجدوا أنفسهم وجها لوجه مع ملك البلاد.
هنا نستحضر، ونسترجع بعضا من ذكريات هؤلاء الفنانين المبدعين مع ملوك المغرب ، بعدما صنعوا أسماءهم بالجد والاجتهاد والعطاءات الثرية كما وكيفا، واستطاعوا فرضها في ساحة تعج بالنجوم .

 

ترى الفنانة القديرة حياة الإدريسي أنها محظوظة جدا ،إذ استطاعت أن تقابل الملك الحسن الثاني، رغم أنها حديثة العهد بالمجال الفني، في الوقت الذي كان تعج به الساحة الفنية المغربية بالنجوم الكبار، ومع ذلك تمكنت من أن تحجز لها مكانا وسط هذه الكوكبة من النجوم.
تتذكر حياة الإدريسي، أنها بداية مسيرتها الفنية كانت سنة 1981، وماهي إلا سنة واحدة عن ولوجها هذا العالم، ساقها حظها في السنة الموالية أي سنة 1982 لكي تدخل القصر الملكي، وتغني أمام الملك الحسن الثاني ، من خلال أغنية قام بتلحينها الأستاذ عبداللطيف السحنوني الذي أوجه له تحياتي وأبارك له هذا الشهر الفضيل، هي أغنية وطنية شاركت فيها مع الجوق الملكي ،تضيف الفنانة حياة الإدريسي، في هذا السياق، جاء أول لقاء لي مع ملكنا الراحل الحسن الثاني، والغناء أمام جلالته، وأكيد أن أحدا ما تحدث مع جلالته عن صوتي ،خاصة وأنني كنت أؤدي أغاني لأم كلثوم، وما مدى حبه لصوت كوكب الشرق أم كلثوم وصوت عبدالحليم حافظ وغيرهما من عمالقة الفن المغربي والعربي، وبعد أن غنيت تضيف حياة الإدريسي، تفاجأت بتفاعل جلالته مع أدائي، حيث صفق لي بحرارة وسلم علي، قبل أن يشدني من يدي ،وذهب بي إلى حيث يقف الملحنون المغاربة ،فخاطبهم جلالته قائلا “ عندنا في المغرب سميرة، نعيمة،وعزيزة( يعني بذلك سميرة سعيد، نعيمة سميح وعزيزة جلال)، “ وبغيت هاد لبنية تكون معاهم “، وهناك من الملحنين الذين كانوا حاضرين في هذا اللقاء من منهم مازال على قيد الحياة، أطال الله في أعمارهم، وهناك من رحل عن دنيانا رحمهم الله،وكما هو معلوم ،فإن جلالة المغفور له الحسن الثاني، كان معروفا بذوقه الرفيع ليس في الفن وحده فقط، بل في جميع المجالات، وأنا لا أقول سرا في هذا الباب، ،من هنا بدأت انطلاقتي الفنية الحقيقية، طبعا حينما دخلت عالم الغناء تضيف حياة الإدريسي، كنا قد تربينا على حب الوطن من طرف والدينا والوسط العائلي، خاصة وأن استقلال المغرب كان حديث العهد، لذا كنا متشبعين بهذه الثقافة ونحن أطفال صغار إذ الجو العام في البلاد كان منشغلا بهذا النقاش، وطرد الاستعمار الفرنسي، وهو ما اطلعنا عليه أيضا في المدرسة من خلال أساتذتنا ومن خلال المقررات الدراسية، كما كنا نؤدي تحية العلم والنشيد الوطني في المدرسة كل يوم، وازداد الأمر مع التعامل الأبوي للملك الحسن الثاني رحمه الله، الذي زاد من المناعة في حب الوطن إن صح التعبير،من هنا أعتبر أن مسيرتي الفنية قد بدأت، وجعلني كل ذلك أحرص كل الحرص على أن أكون في مستوى هذه الثقة ،وهو ما تجلى في كل مناسبة ،والدليل أن الإذاعة الوطنية تتوفر على أكثر من 120 أغنية وطنية، تعاملت فيها مع عدد من الشعراء والملحنين المغاربة، سواء تعلق الأمر بالأعياد الوطنية أو فلسطين أو مناسبات أخرى كبناء مسجد الحسن الثاني، ليومنا هذا بما في ذلك بما حققه المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم، حيث كنت خارج أرض الوطن ،وحرصت على الخروج إلى الشارع والاحتفاء بهذا الإنجاز مع جاليتنا المغربية والعربية، إنه حب زرع في قلوبنا منذ الصغر، ولايمكن الاستغناء عن ذلك، مهما كانت الظروف والإحباطات التي يمر بها الإنسان، مثلي مثل جميع المغاربة، الذين هم متمسكين بالثوابت، رغم الظروف الاجتماعية التي يمرون بها، ،لأننا شعب واع ومنفتح ،وهذا شيء لايقدر بثمن، ونحن نحسد على ذلك.
لقد كان الراحل الملك الحسن الثاني، دائما يشجعني كما يشجع جميع الفنانين ،وكذلك وارث سره الملك محمد السادس، الذي واصل المسيرة ذاتها، إنه إنسان حنون ومتواضع، ياليت كل المسؤولين ينهجون مثل نهجه ، ويخدمون المواطن بتفان ،لقد وقف معي ملكنا محمد السادس حينما أصبت بالمرض، ولن أنسى ذلك ماحييت.
أما بخصوص البروتوكول المتبع في مثل هذه المناسبات، تقول الفنانة حياة الإدريسي، لقدخبرنا ذلك وتدربنا عليه في عهد الملك الحسن الثاني، وبالتالي لم يكن الأمر غريبا عنا، بخصوص طريقة المشي والتحدث إلى جلالته .


الكاتب : من اعداد: جلال كندالي

  

بتاريخ : 24/03/2023