هناك أحداث كثيرة ومواقف متعددة ،وذكريات تراكمت على مر السنين، منها ما تآكل مع مرور الزمن، ومنها ما استوطن في المنطقة الضبابية من الذاكرة، لكن تبقى هناك ذكريات ومواقف وصور ،عصية على الاندثار والمحو ،لأنها بكا بساطة ،كان لها في حينه ،وقع في النفس البشرية، ليمتد هذا الوقع إلى القادم من الأيام من حياة الإنسان.
في هذه الرحلة، ننبش في ذاكرة كوكبة من الفنانين ،حيث منحتهم إبداعاتهم ، تذكرة الدخول إلى قلوب الناس بدون استئذان، وهي إبداعات فنية ، استحقت كل التقدير والاحترام والتنويه داخل المغرب وخارجه، كما استحق أصحابها الاحتفاء بهم ، ويجدوا أنفسهم وجها لوجه مع ملك البلاد.
هنا نستحضر، ونسترجع بعضا من ذكريات هؤلاء الفنانين المبدعين مع ملوك المغرب ، بعدما صنعوا أسماءهم بالجد والاجتهاد والعطاءات الثرية كما وكيفا، واستطاعوا فرضها في ساحة تعج بالنجوم .
الصداقة التي ربطت عبد الواحد التطواني بأحمد الغرباوي صداقة متينة، لذا من المستحيل أن تتأثر سلبا بأي مشكل مهما صغر أوعظم شأنه، ويكفي هنا أن نستدل بواقعة الأغنية الخالدة”ملهمتي ” لأحمد الغرباوي، حيث كان من المفروض أن يؤديها عبد الواحد التطواني، فبعد التمارين المتواصلة، سافر عبد الواحد التطواني إلى مدينة مراكش للمشاركة في حفل خاص، وترك الراحل الغرباوي ينتظره مع الجوق الوطني، لذا قرر أن يؤديها بنفسه، ولاقت نجاحا منقطع النظير، ورغم ماحدث، كما كشف الموسيقار عبدالواحد التطواني في حوار سابق مع جريدة الاتحاد الاشتراكي، فإن هذه الواقعة لم تفسد للود قضية، وفي مهرجان الرباط 2004 قام التطواني بأدائها إلى جانبه، وغناها أيضا على قناة «دوزيم» في حفل تكريمه.
ذكريات جمة امتدت لفترة طويلة، يتذكرها الفنان عبد الواحد التطواني ويقول:
“في إحدى المرات كنا في ما نطلق عليه نحن المغاربة ” النزاهة ” على ضفة نهر أبي رقراق مع مجموعة من الأصدقاء منهم محمد بنخرابة وليوني المغربي وعبد الحفيظ دينية وغيرهم من الأصدقاء، كانت زوارقنا تسير في اتجاه مقهى يسمى ” الروبنسون ” وكان الراحل يغني بصوته الجميل والقوي إحدى أغاني فريد الأطرش، وكل منا يعزف معه بآلته الموسيقية، وكنا نحمل معنا في الزوارق مالذ وطاب من طعام وشراب”.
ويضيف الفنان القدير عبد الواحد التطواني:
“حين اقتربنا من ما يسمى الآن “أوطيل دوليز” حيث كنا ما زلنا في حالة من النغم، رأينا أحد الأشخاص بالزي العسكري يشير إلينا بالاقتراب من المقهى، في ما بعد عرفنا أنه الجنرال الحريزي، الذي كان في ذلك الوقت لايزال برتبة قبطان، قمنا بالاقتراب منه فبادرنا قائلا ” سيدي باغي يسمع أغنية أول همسة”، وكان الراحل الكبير أحمد الغرباوي معروفا بأداء هذه الأغنية بطريقة جد رائعة ، وحينما انتهينا من أداء الأغنية، اقترب منا القبطان/ الجنرال الحريزي، ومد إلى أحمد الغرباوي، رحمهم الله جميعا، ظرفا ماليا، وقد كان المبلغ في ذلك الزمان كبيرا يفوق مدخول أربع أوخمس حفلات، كان رحمه الله أيضا صاحب نكتة وفكاهة، وظل متماسكا ومتمسكا بعزيمته حتى آخر يوم من حياته، وكان فخورا أنه يتمتع بالرعاية السامية بالمستشفى العسكري بمدينة الرباط، لقد كان، رحمه الله، صديقا وأخا لم تلده لي أمي، ومثالا في حب الخير للجميع”.
أول همسة كما هو معروف هي أغنية للموسيقار فريد الأطرش ومن ألحانه ومن كلمات مأمون الشناوي، حيث خرجت إلى الوجود سنة 1950 تقول كلماتها:
زي النهار ده كان حــبك يوم ما عاهدتك أصــون ودّك
وحلفت لك انـــي بـحبّـك وكان يميني فــوق خـــــدّك
و كان أحلى همسةلأحلى وردة
فاكرها لسّــة زي النــــــهار ده
كان القدر راضي علينا حنون كان القمر جماله يسبي العيون
كان الشجر غصـــــون تعــــــانــق غصــــــون
و الزهر يبعث انفاسه فرحان بعطره اللي في كاســه
و عــاهدتني و سألتني وحلفت لك طول عـــمــري لك
في أحلى همســــة
بايدك سقيتني الهـــــنا و الحنان
وعدت و سقيتني الضنا و الهوان
ما قلتش ياريتني ماكان اللي كان
بحـــبك في قربك و في بعـــدك
بحـــبــــك في غــــدرك وودك
بـــحبـــك بحبـــك بحبــــك
ومهما تقـــسى عليّ مااحمـــلش منّك اسية
واعيش في ذكرى هواك واحلم بأيام رضاك
كان أحلى همسة
ما ليش أمل ياحبيبي فيك غير اني أشوفك في عيني
خلي الجمال و الحسن عليك واناالغرام والحب عليّ
أخاف عليك يوم تهواني ولا تقسى وجدي و أشجاني
فــي أحلــى هـمــســة
انا اللي بهواك وحـــدي ولا أفـــكر أســــلى
وان فاض بي شوقي ووجدي اسرح فــي اول هــمسة