قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في بيان له في الرابع عشر من أبريل أن الصين تؤيد منطق التعاون الدولي لوقف انتشار كورونا، حيث كتبت وزارة الخارجية الصينية على موقع تويتر “إن الدول التي تواجه الوباء يجب أن تساعد بعضها البعض، وأن تحقق تضامنًا وتنسيقًا مشتركًا، بدلا من توجيه أصابع الاتهام أو تحميل أي شخص المسؤولية”.
وقد رحب مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس بمراجعة أداء المنظمة، قائلا يجب التركيز الآن على البقاء متحدين وإنقاذ الأرواح ووقف كوفيد19.
وحسب ما جاء في تقرير لمجلة فورين أفيرز الأمريكية، لكاتبيها توماس بوليكي وديفيد فيدلر حول استجابة منظمة الصحة العالمية لفيروس كورونا المستجد والانتقادات التي وجهت إلى المنظمة وإلى الصين بإعتبارها منبع الوباء، فإن وقف الوباء الذي يجتاح معظم العالم لابد أن يكون على رأس أولويات الجميع، وتأخير المراجعة المستقلة للاستجابة الوطنية والدولية لن يؤخر من انتشار الوباء، إن انتظار بدء هذا التحقيق لن يسفر إلا عن حرمان منظمة الصحة العالمية والدول الأعضاء من ردود فعل قيمة تساعدهم في تحسين الاستجابة وإنقاذ الأرواح. إن الانتظار يحول دون التعاون الدولي بين مجموعة السبع ومجموعة العشرين وغيرها من المؤسسات العالمية التي تحتاج جهودها إلى تطوير ونشر عقاقير ولقاحات كوفيد19 وإزالة حظر التصدير وغيرها من تعطيل سلسلة التوريد العالمية للأقنعة ومعدات الوقاية الشخصية.
في نهاية المطاف وبدون مراجعة صادقة على مستوى متعدد الأطراف، فمن المرجح أن تنظم الدول بشكل فردي تحقيقاتها الخاصة وهو ما يؤدي إلى تسييس الوباء، وزيادة التوترات الدولية.
تساؤلات أخرى
ربما تهدف انتقادات ترامب لمنظمة الصحة العالمية والصين إلى تشتيت الانتباه عن الاستجابة الكارثية لإدارته لمواجهة الفيروس، لكن «وجه كل من الجمهوريين المعتدلين وقلة من الديمقراطيين الانتقادات له»، ووجد بعض الخبراء الأجانب خطأ في الاستجابة الدولية لفيروس كورونا، لاسيما استجابة منظمة الصحة العالمية.
وفي إطار العلاقة الوطيدة بين منظمة الصحة العالمية والصين، أطلق نائب رئيس الوزراء الياباني تارو أسو عليها «منظمة الصحة الصينية»، كما أنتقد آخرون منظمة الصحة العالمية في تعاملها مع الصين في الأيام الأولى لتفشي الوباء وفشلها في تنبيه العالم بسرعة ما ينبغي فعله، على سبيل المثال انضمت أستراليا إلى الولايات المتحدة في الدعوة إلى إجراء تحقيق مستقل في أصل الفيروس وانتشاره وما قدمته منظمة الصحة العالمية لمواجهته.
رغم ذلك كشف هذا الوباء عن إشكاليات تتجاوز الصين ومنظمة الصحة العالمية، حيث أظهر افتقار الدول ذات الدخل المرتفع مثل إيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة للاستعداد لمواجهة تفشي فيروس كوفيد 19. ولا يمكن إلقاء اللوم على منظمة الصحة العالمية في هذه الإخفاقات، فقد أسهمت الحالة المؤسفة على الصعيد الوطني في اتخاذ قرارات ضارة سواء سياسية أو تتعلق بالصحة العامة تضمنت فرض قيود على السفر، وقيود على الصادرات الطبية، وحاربت الدول الغنية بعضها البعض للحصول على الموارد، تاركة الدول الأكثر فقرًا لإعالة ذاتها.
ومع تسبب الوباء في خسائر للدول المتوسطة الدخل في الأسابيع القادمة، فإن أوجه القصور في أنظمة الصحة العامة والوطنية اتضحت كلية وبشكل مؤلم. يتعين على الدول والمنظمات الدولية التعاون لمواجهة الفيروس وإحياء الاقتصاد العالمى، وهذا يتطلب استراتيجية سياسية لتلبية متطلبات الصحة العامة لمواجهة الوباء وتقييم أزمة الصحة العالمية التاريخية، بدلًا من السماح للوباء بتقسيم هذه الدول.
إجابات مفيدة
ينبغي أن تؤدي الاستراتيجية إلى إنهاء الوباء وإعداد العالم على نحو أفضل لمواجهة الوباء القادم، على مستوى الدول والمنظمات الدولية، ولتحقيق ذلك يتعين على الأمين العام للأمم المتحدة التعاون مع منظمات إقليمية مثل الاتحاد الأفريقى ورابطة دول جنوب شرق آسيا من خلال إنشاء مراجعة مستقلة لفيروس كوفيد 19 بهدف إثبات الحقائق لمكافحة هذا الوباء والتحديات المستقبلية. وقد أثبتت التقييمات المؤقتة فائدتها خلال حالات التفشى السابقة، كان أداء منظمة الصحة العالمية في الأيام الأولى من تفشى فيروس الإيبولا في غرب أفريقيا عام 2014 كارثيًا، لكن لم تتخل الدول الأعضاء عن المنظمة، بل عملوا على تقييم وإصلاح وتعزيز وليس تقويض عملها مع إنتشار الوباء، وقامت الدول الأعضاء بإنشاء لجنة تقييم مؤلفة من خبراء خارجيين مستقلين، وبحثت اللجنة كافة جوانب استجابة المنظمة للوباء بما في ذلك امتثال الدول الأعضاء لتعليمات الصحة العالمية والمعاهدات التي تحكم منع انتشار الوباء والكشف عنه والاستجابة له.
وقد ساهم التقييم الذي أجرته اللجنة للاستجابة لحالة الإيبولا في إصلاح تنظيمي كبير في منظمة الصحة العالمية، وأنشأت المنظمة برنامج الطوارئ الصحية من خلال تعزيز قدراته العلمية والطبية والصحة العامة تحسبًا لتفشي الأمراض المعدية على نحو خطير. ونتيجة لهذه الإصلاحات كانت المنظمة أكثر قدرة على الاستجابة لكوفيد19، تقدم المنظمة في الوقت الحالي المشورة لوزارات الصحة من خلال مكاتبها، وتدعم الدول منخفضة الدخل بأدوات الاختبار والأقنعة ومعدات الوقاية الشخصية، كما تدعم الدول التي تعاني من ضعف الأنظمة الصحية بالعلماء والأطباء لمساعدتها في السيطرة على الفيروس.
وأكدت فورين أفيرز أن التقييم المؤقت للاستجابة لكوفيد19 قد يساعد منظمة الصحة العالمية والحكومات على إجراء تعديلات هامة في الوقت الفعلي، لكن باعتبارها منظمة تقودها الدول الأعضاء، نجد أن المنظمة مقيدة في تقييم استجابة الدول وإعلان أوجه القصور لديها، لذلك يجب أن يأذن الأمين العام للأمم المتحدة بمراجعة مستقلة من قبل لجنة رفيعة المستوى من الخبراء الخارجيين.
وأن تباشر اللجنة عملها في أسرع وقت، لتشكل الدروس والممارسات التي تتوصل إليها استجابة لكوفيد 19، وأن يعين الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثًا خاصًا لدعم عمل اللجنة، وأن يقدم المبعوث تقريرًا إلى الأمين العام بدلًا من منظمة الصحة العالمية ويعمل المبعوث مع الحكومات من خلال استكشاف المشكلات وإفادة اللجنة بالمعلومات، وينبغي على اللجنة استشارية علمية أن تدعم اللجنة بتقارير منشورة عن المسائل التقنية.
قد لا تكفي عملية المراجعة العلمية المستقلة لإقناع القادة والحكومات بإعطاء الأولوية لهزيمة فيروس كورونا المستجد أكثر من تسجيل نقاط سياسية للدول، لكن هذه المراجعة من شأنها تحسين الاستجابة للفيروس حاليًا وفي المستقبل، كما يرغم ذلك الدول التي تهاجم منظمة الصحة العالمية على دعم خطابها بمقترحات إصلاحية موثوق بها، لتحقيق نهج دولى أكثر تعاونًا لمواجهة الفيروس.