. 431.876 من التلاميذ انقطعوا عن الدراسة في 2018 دون الحصول على أي شهادة
. هناك عجز في التربية بنسبة 46,5%، و أقصى ما سيتحقق في غضون سنة 2030 لن يتجاوز عتبة 63,5 %
في أحدث دراسة صدرت عن المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات، الاسبوع الاخير من شهر دجنبر 2020 ، للدكتورمصطفى شٌكٌري الباحث في قضايا التربية والتعليم تحت عنوان “المنظومة التربوية المغربية سنة 2019: أي إسهام في التنمية في ظل الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار؟” خلصت الى وجود عجز في التربية بنسبة 46,5%، يمس كل أبعاد تنمية التربية، وإن بنسب مختلفة،و يظهر بجلاء أن خطاب التقدم في تعميم التمدرس، لا ينعكس البتة على جودة التعليم . وأن أقصى ما سيتحقق في غضون سنة 2030، السنة الافق للرؤية الاستراتيجية ،لن يتجاوز عتبة 63,5 %،
كشفت الدراسة الصادرة عن المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات ،العديد من خلاصات تتبع إنجاز الرؤية الاستراتيجية و القانون الإطار (الترجمة التشريعية للرؤية)، وهي الخلاصات التي تبرز جملة من التعثرات تسائل مدى قدرة هذه الرؤية على تحقيق إسهام جيد في بناء النموذج التنموي الموعود في نسخته الثالثة، وذلك عبر التركيز على الدعامات الثلاث للرؤية ” الإنصاف و الارتقاء و الجودة” مضافا إليها الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.
وهي الخلاصات التي ترصد تحليل المؤشر الوطني لتنمية التربية أمام حقائق غير مرضية تقول بوجود ” تقدم خجول وإيقاع رتيب” لن يسعف في تحقيق الأهداف المرسومة، ذلك أن نسبة ما تحقق في سنة 2018 بحسب الأبعاد الثلاث للرؤية يصل إلى 53,5%، أي بزيادة قدرها 2,3 نقطة مقارنة مع سنة 2015. وأن أقصى ما سيتحقق في غضون سنة 2030 هي السنة الأفق للرؤية لن يتجاوز عتبة 63,5 %، (بعد الإنصاف سيحقق 62,5% والجودة 48,7% والارتقاء 49,3%).
وسجل الباحث أن “المؤشر الوطني لتنمية التربية يعرف تقدما طفيفا جدا ما بين 2015 و2018 من 0,512 إلى 0,519 إلى 0,520 إلى 0,535 في السنوات 2015و إلى سنة 2018، على التوالي” .
الدراسة وقفت عند مجموع التقارير الوطنية الرسمية التي تكرر النغمة الدائمة لفشل المنظومة برؤيتها الجديدة في تحقيق دعاماتها المرفوعة إنصافا وجودة وارتقاء، خاصة في جوانب يتم التعبئة لها، نظرا لخصوصيتها المالية والتزاماتها الدولية كالرفع من إسهام التعليم الخصوصي تحت ذريعة الشراكة، والتربية الدامجة والتعليم الاولي اللذين تتلقى عنهما الدولة مالا وفيرا من المنظمات الدولية، ثم الاخفاقات المتكررة على مستوى اكتساب المعارف والمهارات والرفع من جودة المردودية الداخلية وإدماج الآليات التقنية الحديثة هذا إلى جانب العزوف الكبير لدى الفاعلين انخراطا ورضى وإشكالات البحث العلمي المتخلف.
وضع كارثي وأرقام صادمة
وقف الباحث مصطفى شكري عند معطيات رقمية صادمة تزين بها التقارير الرسمية صفحاتها، وهي معطيات تعرض للخصاص الكبير الذي يعيق المنظومة في أدائها لوظائفها، والتي تتجلى على الخصوص في “ضعف المكتسبات المعرفية الأساسية، وانعدام الجودة المحققة للنمو والتطور، وتفاقم هجرة الكفاءات والأدمغة (600 مهندس يغادرون كل سنة)، وتدهور مؤشر تنافسية المواهب العالمية (المرتبة 100 من أصل 125 بلدا)، وغياب سياسة تفعيل البحث العلمي، وتزايد حجم التفاوتات الاجتماعية. زد إلى ذلك تقاطب الأنظمة التعليمية (عمومي/ خاص)، وصعوبات التهيئة الرقمية من أجل التأقلم مع الحاجات الملحة للذكاءات الجديدة الملائمة للثورة الصناعية الرابعة. لتكون الخلاصة المستنتجة بعد هذا كله القول بعجز المنظومة التربوية المغربية عن “الاضطلاع بمهامها الأساسية”، رغم تعدد الإصلاحات المتتالية خلال العقدين الأخيرين، وهو العجز الذي ينعكس سلبا على مسألتين اثنتين مهمتين هما “جودة الرأسمال البشري” و ” مستوى الإنتاجية والقدرة التنافسية” للاقتصاد الوطني”.
اما بخصوص واقع الانقطاع الدراسي في قطاع التعليم بالمغرب بحسب ما تقوله الهيئة الوطنية للتقييم، سجلت الدراسة أن ” إحدى واجهات الاختلالات الكبرى المعتادة في كل محصلة تربوية سنوية؛ حيث الإحصائيات مفزعة في هذا المجال، إذ إن عدد المنقطعين بالتعليم المدرسي العمومي سنة 2018 وصل إلى 431.876 تلميذا وتلميذة دون تحصيل أي شهادة، بنسبة تصل إلى 7,4% من مجموع تلاميذ الأسلاك الثلاث، تصل نسبة الانقطاع منها في المستويات الإشهادية سنة 2018 إلى 12,4% في السادس ابتدائي و 19,3% في الثالثة إعدادي، و 17,1% في الثانية باك”.
ونبه الباحث، وفق نفس المعطيات، الي أن” هناك صعوبة في الانتقال من الإعدادي إلى الثانوي الإعدادي يؤدي إلى انقطاع 212,133 ألف تلميذ، وتعود الأسباب إلى قلة العرض في القرى، والتكرارات المتتالية والفقر خاصة لدى الإناث، وهو ما يمس بجوهر مبدإ الإنصاف الخاص بالرؤية ويعيق الاندماج المهني والاجتماعي ويخلف الآفات المختلفة ويسقط في الانحراف والعنف والأمية، وهو ما يشكل نزيفا حقيقيا لا يمكن مواجهته إلى بالقضاء على أسبابه”.
ويرى الباحث أن هذا النزيف ” يسائل قدرة المدرسة على جذب المتعلمين والاحتفاظ بهم، ويسائل مجهودات تعميم التمدرس وجدوى برامج الدعم الاجتماعي، وبنيات التمدرس، ونجاعة الطرائق والمناهج، والمردودية الداخلية لسنوات طوال من التعلم”
التعليم العالي والبحث العلمي: اشكالات بالجملة
وفي الجانب المتعلق بمساءلة البعد التنموي في التعليم العالي والبحث العلمي، وفي تحليله للخطة المبرمجة للنهوض بقطاع التربية والتعليم العالي، وقف الباحث مصطفى شكٌري عند ما يصرح به الخطاب الرسمي حين يتحدث عن التحديات التي تعيق الاندماج التنموي للتعليم العالي في المنظومة التربوية؛ وعلى رأس تلك تحدي المواءمة بين القدرات التكوينية والكفايات المكتسبة وبين حاجيات ” الاقتصاد العصري”، خاصة في مجالات التطورات العلمية والمعرفية والاتصالية، هذا إلى تحدي اللاتوازن بين الطلب والعرض بسبب تزايد الطلب الاجتماعي على التعليم العالي، و تحدي التمويل توفيرا واستمرارية وتنويعا، و تحدي الجودة، و تحدي الإشكالية اللغوية، و تحدي التمهين والتشغيل، وتحدي التنافس الدولي. ومن هذه التحديات أيضا المعترف بها رسميا مدى قدرة البحث العلمي على الارتباط بالتنمية ومدى قدرته على التنافسية وعلى التطور التكنلوجي، مما يعيق ذلك البنيات ومستوى التكوين والتحفيز، وتعدد المتدخلين وضعف التنسيق وإشكالات التمويل.
واعتبر أن “تحكم السياسي في التربوي أكبر معيقات تحقيق التنمية في المنظومة التربوية
إن مما يعيق البعد التنموي في المنظومة التربوية المغربية” كما يرى الباحث ما سماه ب”تبعية القرار التربوي للقرار السياسي إما مباشرة من خلال الأدوار التحكمية التي تمارسها الدولة برسمها مباشرة للخطوط العامة للسياسة التربوية باعتبار ذلك آلة لصناعة وإعداد “المواطن الصالح”، وإما بصفة غير مباشرة من خلال تجليات عدة للتدخل في توجيه هذه السياسة عبر المجالس المعينة، ثم عبر اعتماد إجراءات زجرية ضد الأطر التربوية وهو ما يجعل من هذا القطاع مجالا للتحكم في مدخلاته ومخرجاته”.
وقدم للاستدلال على ذلك عند التدخلات العامة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين الذي عوض أن يركز على وظائفه الدستورية من ” وظائف الاستشارة: و ” التفكير” و “النقاش المتعدد” و إطار ” الحكامة الجيدة” سيتحول إلى مؤسسة تقريرية تفتي في المجال التعليمي وستعتبر تقاريره وتقريراته من المرجعيات المؤسسة أيضا.
وخص الباحث هذه العودة القوية لهذا المجلس مع نهاية العشرية التي اعتبرت عشرية وطنية للتربية والتكوين بنقد قوي نتيجة ما اعتبره ” التحكم القوي في توجيه القرار التربوي” بل وصناعته وأحيانا احتواء المبادرات اليتيمة للجهاز التنفيذي في التدابير ذات الأولوية، سيتبدى ذلك جليا في طريقة إعداد الرؤية و إخراج القانون الإطار، هذا القانون الذي حرص المجلس أيما حرص وكبير حرص على تتبع صياغته وتنقيح مسوداته وتوجيه مبادئه ورسم مخرجاته وتوجيه اللوم للحكومة في شكل صياغته القانونية حتى استوى ليكون”أسوأ تجل” من التجليات التاريخية للتحكم السياسي في قرار المنظومة التربوية خاصة أمام الرفض العام الذي جوبه به من طرف الفاعلين والمهنيين، وبالأخص امام النهج المعتمد في تمريره تحت مظلة التقنين التشريعي، وفي فرضه أن يستشار في إعداد العديد من مواثيقه وانظمته ودلائله وتطبيقاته”.
و يرى مصطفى شكري أن الأدوار الرقابية “المقننة” تشكك في مبادئ الحكامة والشفافية والموضوعية التي وجب أن تكون موجهة لمثل الأعمال التي تصدرها هذه المؤسسات، وتشكك حتى في الغاية من هذه التقارير التي تصدرها مثل هذه المؤسسات والتي تحمل انتقادا كبيرا يكشف اختلالات جوهرية لمشاريع قد خرجت أصلا من رحم هذه المؤسسات الفوق دستورية، من دون أن يلي ذلك إعمال لآلية ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو ما يعيدنا إلى نقطة الصفر في تناول التعليم في دوامة الأزمة، و خطاب الازمة والتقارير المنددة والمجالس الحوارية والتقارير التي تعيد إنتاج الخطاب ذاته .
من خلال هذه الدراسة ،وقف الباحث مصطفى شكٌري عند السياقات الكبرى التي تحكمت في سيرورة المنظومة التربوية المغربية والتي تتمظهر أساسا في الأزمة الاجتماعية الخانقة الناجمة عن الوضع الصعب للاقتصاد المغربي، وعند تأثير ذلك على الوضع الاجتماعي خاصة مع إصرار الدولة على المضي قدما في التنزيل الفردي لمشاريع وقوانين تنظيمية سيكون لها وقعها على هذا الوضع الاجتماعي. مثل قانون الإضراب، قانون النقابات، القانون الإطار، وما رافق ذلك من إجراءات فرض التعاقد، وضرب المجانية والمس بالحريات النقابية، وتغيير أنظمة التشغيل والحماية الاجتماعية، وكل ذلك ستبدو انعكاساته جلية في احتقان الوضع التعليمي خاصة أمام المسار المتذبذب للحوارات الاجتماعية.