في أولى حلقات «الإقامة في القصيدة» لدار الشعر بمراكش

رشيد الخديري: القصيدة المغربية لم تفرز مدرسة قائمة الذات

نوال شريف: أن تكون موسوعيا.. أن تكون رشيد الخديري

أكد الشاعر عبدالحق ميفراني، مدير دار الشعر بمراكش، أن فقرة «الإقامة في القصيدة» هي برمجة خاصة بالمبدعين المغاربة، والذين زاوجوا في تجربتهم، بين الكتابة الشعرية وأسئلة النقد الشعري، واختيار الشاعر والناقد رشيد الخديري، إحدى التجارب الحديثة في المشهد الثقافي المغربي، من خلال منجز شعري ابتداء من ديوان «حدائق زارا «وانتهاء ب»سلالم الضوء»، وتجربة نقدية تراكمت من خلال العديد من الكتب والإصدارات النقدية التي تتأمل راهن والمنجز الشعري المغربي، نابع من قدرة خلاقة على تمثل هذا الاختيار. فقرة الإقامة في القصيدة، هي فقرة للاقتراب من المختبر الداخلي للشعراء والنقاد المغاربة، أطلقتها دار الشعر بمراكش في مفتتح السنة الجديدة (2021).
لحظة شعرية ونقدية للاقتراب من تجربة إبداعية مغربية، استطاعت أن تنسج من خلال مسارها الشعري والنقدي، انشغالها العميق بأفق القصيدة وأسئلة النقد الشعري. واستضافت الفقرة الأولى، من «الإقامة في القصيدة» الشاعر والناقد رشيد الخديري، الذي راكم منجزا إبداعيا ونقديا، إذ صدر له في الشعر دواوين: حدائق زارا (2008)،ـ وخارج التعاليم: ملهاة الكائن (2009)، الخطايا والمرآة (2021)، سلالم ضوء (2016). كما حصل على جائزة قصيدة النثر بالقاهرة سنة 2009، وحظي بتكريم خلال ملتقى الشارقة للشعراء الشباب بالقنيطرة عام 2012 كما سبق أن توج بإحدى جوائز الشارقة للإبداع العربي (دورة21/2018)، كما نال جائزة المتكأ البحرينية للقصة القصيرة جدّاً باحتلاله للرتبة الأولى عن قصته «يوم واحد من العزلة». والى جانب دواوينه الشعرية، صدر له في مجال النقد: الطرديات في شعرنا العربي (2013)، الدرامي والغنائي في الشعر المغربي المعاصر- أنثى المسافات نموذجاً (2014)، التراث النقدي عند العرب- آلياته وإشكالاته- منشورات الشارقة (2014)، المعنى الشعري: الأفق الجمالي وشعريات الرؤى- منشورات الشارقة (2016)..، وفي مجال القصة القصيرة: أجراس السماء البعيدة- منشورات الشارقة (2017).
أثار الشاعر والناقد رشيد الخديري، أن المبدع بطبعه كائن متحول، وإقامته كانت ولاتزال داخل القصيدة، لذلك اعتبر نفسه ابنا شرعيا للشعر فقط. والانتقال الى النقد أفرزته مرحلة الدراسة الأكاديمية، والتي لم تكن اختيارا شخصيا، بقدر ما كانت تنطوي على احتياجات ومرجعيات واعتبارات أخرى. وأكد الخديري أن الشعر المغربي ظل مظلوما في الدراسات النقدية، ومسار الناقد ينمو بشكل مواز مع مسار الشاعر. القران بين سؤال الشعر وسؤال النقد، تمرين أكاديمي على مساءلة الجنس الشعري لإغناء الرصيد القرائي والتراكمي، مشترطا أن لا تكون اللغة هي الشرط الوحيد لكتابة الشعر، فهناك أقانيم أخرى تحتاجها الكتابة الشعرية عموما.
رغم التعدد اللغوي والثقافي الذي يشهده المغرب الشعري، لم تستفد القصيدة المغربية من هذا التنوع والغنى، ولم تحاول مأسسة الشعرية المغربية، إذ يلاحظ الخديري أن التراكم الشعري في المغرب لم يشهد بروز مدارس شعرية مؤثرة، وإنما هي اجتهادات فردية لا غير. عكس المدارس الشعرية في المشرق والغرب، في حين لم تظهر ولم تتأسس هذه المدارس والاتجاهات مغربيا. هناك خلل ما، داخل القصيدة المغربية، بحكم أن المغرب الشعري لم يعرف مدارس واجتهادات جماعية، وحتى على مستوى النقد، ليس هناك إلا مقاربات تجزيئية، يمكن أن نجد مقاربة لديوان واحد، ولا نجد مقاربة منجز ومتون شعرية.
وينبه الناقد الخديري، أن أحد إشكالات مقاربة الشعر المغربي، تظل إشكالية التحقيب، هذا المعطى الذي يثير حفيظته بشدة، على اعتبار أنه لا يسمح بتمثل عميق للتجربة الشعرية المغربية من الداخل، تأويل النصوص من الداخل أهم وأكثر فاعلية إجرائية. والشعر المغربي انتقل من مرحلة الاحتجاج (الشعر السبعيني)، على حساب جماليات اللغة والتكثيف، لذلك استدعى الخديري مقولة، تشبه الشاعر بالملاكم، إذ عليه أن يتمرن يوميا حتى لا يسقط أرضا، وهو ما يدفع الشاعر الى خلق تراكم قوي لتجربته والحفر في مساراتها رغم أن القصيدة المغربية، لم تفرز تجارب خاصة، يمكن ـأن تنعكس على مستويات القراءة.
وللاقتراب أكثر من المختبر الداخلي للشاعر والناقد رشيد الخديري، أثار هذا الأخير مقولة يعتبرها أنطولوجية، إذ يؤكد أنه سيبقى إبنا شرعيا للشعر وإن تغيرت البوصلات. وإذا كان ديوان «حدائق زارا» جاء نتيجة لمعاناة خاصة وانفتاح على الفلسفة، نظرا لطبيعة الشعر، بحكم أنه من أصعب الأجناس الأدبية. ويلاحظ الخديري، أن هناك استسهالا لكتابة قصيدة النثر، والعكس هو المطلوب، كما سجل تطاحنا بين التجارب وكتابة الأنماط الشعرية. في حين القاص أحمد بوزفور يعتبر شاعرا للقصة، ورسالته الأكاديمية خصصها للشعر.
يرى الشاعر الخديري، أن تجربته القصصية والروائية، لم تكن إلا تمثلا للشعر. ونظرا لسلطة المقروء، في بداية مساره الإبداعي، خصوصا الفلسفة الألمانية، ومحاولة «قتل الأب رمزيا»، فالكتابة ظلت تعيش، في داخله، صراعا متواصلا ومتجددا. لذلك فهو يميل في كتاباته، النقدية مثلا، الى اللغة الرصينة، بعيدا عن إغراق القراءات بالمصطلحات والمفاهيم. وشعاره اليوم، هو إعادة الاعتبار للشعر المغربي، بل يشكل رهانه المعرفي. ويعتبر اللجوء الى السرد، إصداره الروائي الجديد، إفرازا طبيعيا لعدم استطاعة القصيدة أن تجيب عن كل ما يجيش في داخله.
في فقرة الإقامة في القصيدة، قرأ الشاعر مقام العشق، ونصوصا أخرى من ديوانه «حدائق زارا «ومن ديوان»خارج التعاليم» «. ومن ديوان «سلالم الضوء».
الشاعرة والكاتبة والمشتغلة في مجال التنشيط السوسيو ثقافي نوال شريف صاحبة ديوان «سيئة أنا؟» والنص الدرامي «دوار الفلامينكو»، قدمت شهادتها العميقة حول تجربة رشيد الخديري، الإبداعية والنقدية. إذ اتجهت الشاعرة نوال شريف الى مقاربة سؤال الإقامة، في القصيدة، كاستعارة وسفر. هذا السؤال التي قاربته بين مستويين، بين الشعر والنقد، إقامة شاملة وليس نصية، دينامية متحولة. القصيدة اختارت أن تقيم في الخديري، كسؤال للكينونة. ونظرا لانشغال عميق بالفلسفة وأسئلتها، يشكل منجز رشيد الخديري نموذجا حيا لهذا الانشغال، مضيفة أن كتابة رشيد الخديري تعج بالسؤال الميثولوجي، ومتسائلة: لمن يكتب رشيد الخديري؟ وكأنه يكتب للقارئ الشمولي، كتابة تخلق المتعة لدى هذا القارئ الموسوعي، عارف بالمتن الفلسفي، عبر الاطلاع على الموروث الإنساني. ينفق داخل أسئلته، يختلط الصوفي والفلسفي والأنطولوجي، بعمق نيتشوي… هو العارف بدهاليز القصيدة، يكتبها بالقلق، لذلك يكتب قصيدته هو، تاركا مجال التأويل للناقد والقارئ، ذات أخرى منسلخة، روح تستمد جذورها من السؤال الفلسفي والشعري، عبر عملتي البناء والهدم، خاتمة شهادتها ب: أن تكون ناقدا أن تتخلى في لحظة على شعلة الشاعر، أن تكون موسوعيا، أن تكون تجربة رشيد الخديري.


الكاتب : متابعات

  

بتاريخ : 14/01/2021

أخبار مرتبطة

روني شار يقول بأن على الشاعر أن يستيقظ قبل أن يستيقظ العالم لأن الشاعر حافظ وجوه الكائن اللانهائية.شعراء أساسيون مثل

رَفَحْ جرحٌ أخضرُ في مِعْصم غزَّةَ، وَنَصْلٌ في خاصرة الريحِ. ماذا يجري؟ دمُ عُرسٍ يسيلُ أمْ عروسُ نِيلٍ تَمْضي، وكأنَّ

– 1 – هل الرمز الشعري الأسطوري ضروري أو غير ضروري للشعر المغربي؟ إن الرمز الأسطوري، اليوناني، خاصة، غير ضروري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *