في افتتاح اللقاء الوطني الأول حول مستقبل المنظومة المائية بالمغرب … الكاتب الأول للحزب، إدريس لشكر: المدخل الفعلي للعدالة الاجتماعية والمجالية لن يتحقق إلا مع عدالة مائية حقيقية

الماء جزء لا يتجزأ من «المنظومة الوطنية المتكاملة للمخزون الاستراتيجي»

 

الأخوات والإخوة ؛
سعداء باستقبالكم بالمقر المركزي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في إطار اللقاء الأول حول مستقبل المنظومة المائية بالمغرب في ظل التحولات المناخية، والذي تنظمه منظمة الشبيبة الاتحادية الخضراء التي تأسست مؤخرا بمبادرة من شبيبتنا الحزبية للترافع عن القضايا البيئية والطبيعية. وننتهز هذه الفرصة لنهنئ شباب المنظمة على ديناميتهم وانخراطهم الواعي في النقاش العمومي حول القضايا الراهنة ذات الحساسية الكبرى، وعلى رأسها موضوع هذا اللقاء المتعلق بتأثير التغيرات المناخية في تعبئة وتدبير الموارد المائية.
وأود بهذه المناسبة، أن أتقدم بالشكر لكل المتدخلات والمتدخلين الذين لبوا الدعوة للمشاركة في هذه اللقاء، والذين سيساهمون، دون أدنى شك، بتصوراتهم وتحليلاتهم ومقترحاتهم في بلورة سياسة عمومية قادرة على كسب التحديات البيئية المطروحة على بلادنا.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة ؛
كما تعلمون تعيش بلادنا، على غرار مجموع دول العالم، صعوبات متعددة بخصوص تعبئة واستغلال الثروة المائية نتيجة التحولات المناخية التي باتت تهدد الأمن المائي والغذائي والمجتمعي؛ فالمغرب يتوفر فقط على موارد مائية تقدر كمتوسط سنوي بحوالي 22 مليار متر مكعب،18 مليار متر مكعب سطحية،و4 مليار متر مكعب جوفية، بينما يبلغ المعدل السنوي للتساقطات الـمطرية 140مليار متر مكعب؛ وهو ما يعني أننا نعاني من مشكل الهدر المائي الناتج عن تبخر مياه الأمطار.كما أن الموارد المائية الوطنية تتسم بفوارق مجالية كبرى حيث إن أكثر من70%من المياه السطحية تتركز في أقل من 15% من التراب الوطني، وخاصة في أقصى شمال غرب المملكة، مما يطرح بحدة إشكالية غياب العدالة المائية في بلادنا.
وبالإضافة إلى ذلك، تقدر حاليا الموارد المائية لبلادنا بأقل من 650 متـرا مكعبـا للفـرد سـنويا، علما أن وضعية الخصاص تصبح قائمة بدءا من 1.000 متــر مكعــب للفــرد سـنويا. ومن المتوقـع أن يقـل هـذا المعدل عـن 500 متـر مكعـب للفرد سنويا بحلـول سـنة 2030،إذ تشير التوقعات إلى فقـدان 80 % مـن المـوارد المائيـة الحالية بسبب التداعيات السلبية للتقلبات المناخية. ولهذا الاعتبار، لا بد من مساءلة نجاعة الاستثمار في البنيات التحتية والتجهيزات المائية المخصصة لتعبئة الموارد المائية والرامية إلى تحقيق المخزون المائي، خاصة في ظل التهديدات الراهنة رغم توفر بلادنا على أكثر من 140 سدا كبيرا تفوق سعتها التخزينية أكثر من 18 مليار متر مكعب.
وعلى مستوى الاستهلاك المائي، يهيمن القطاع الفلاحي على الاستهلاك الوطني للمياه حيث يستحوذ على أكثر من 85 % من الموارد المائية المتوفرة، وهو ما ينعكس بشكل أو بآخر على تعبئة الموارد المائية لتوفير الماء الصالح للشرب. ورغم المجهودات المبذولة لتزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب حيث بلغت نسبة الربطالفردي بشبكات التوزيع 94 % في الوسط الحضري، وتجاوزت الاستفادة من الماء الصالح للشرب في الوسط القروي نسبة 97%، فإن بلادنا مطالبة بتعميم الربط الفردي بشبكات الماء الصالح للشرب على مجموع التراب الوطني. الأمر الذي يستدعي، خاصة في العالم القروي، الانتقال من مؤشر «نسبة الاستفادة»، التي تكون في غالب الأحيان جماعية، إلى مؤشر «نسبة الربط الفردي». وهو ما يتطلب، من وجهة نظرنا، ضرورة تحقيق طفرة قوية كتلك التي تحققت مع حكومة التناوب التوافقي في مجال الربط بالماء الصالح للشرب، وذلك من أجل التعميم الكامل لاستفادة المواطن، في أي منطقة كان، من هذه المادة الحيوية.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة ؛
لقد حصل تراجع مهم في الموارد المائية نتيجة مجموعة من الاختلالات التي سبق لنا في الاتحاد الاشتراكي، غير ما مرة، أن نبهنا إلى ضرورة معالجتها بشكل استعجالي من أجل تعبئة وتدبير الثروة المائية سواء لتلبية حاجيات المواطنات والمواطنين، أو لتغطية متطلبات الإنتاج الفلاحي؛
وقد جاء تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2019 و2020 ليؤكد، في نفس الاتجاه، وجود اختلالات متعددة تهم ضعف وضعية جرد وتأمين الملك العام المائي، وارتفاع مستوى الإجهاد المائي في الوسط القروي، ومحدودية تفعيل الحماية القانونية، وضعف التنسيق بين أجهزة المراقبة، وضعف الموارد البشرية والمالية، وعدم اعتماد وثيقتي المخطط الوطني للماء والمخططات التوجيهية للتهيئة المندمجة للموارد المائية، المنصوص عليهما في قانون الماء.
وأمام هذا الحجم الهائل من الاختلالات، لا يمكن للمرء إلا أن يتساءل عن أسباب تقاعس الحكومة والمؤسسات المعنية، إلى اليوم، عن اتخاذ الإجراءات العملية الضرورية لتفعيل الاستراتيجية الوطنية للماء التي تم عرضها على أنظار جلالة الملك منذ سنة 2019 بمدينة فاس. ولذلك، فإن الحكومة مطالبة بتدارك كل هذا الوقت الضائع من أجل الشروع، بشكل مستعجل، في تفعيل هذه الاستراتيجية، وتصحيح الاختلالات المسجلة لأن كل هدر للزمن من جديد ستكون تكلفته غالية اقتصاديا واجتماعيا.
وهنا، لا بد من التأكيد على أن تدهور الموارد المائية، في ظل الاستهلاك المفرط وتردد مواسم الجفاف والتقلبات المناخية وغياب الحلول المبتكرة لتنويع الموارد، لن ينعكس فقط على شح المياه نفسها، بل سينعكس سلبا على جهود التنمية ومتانة التماسك الاجتماعي والأمن العام للمجتمع. فالأمن المائي يعتبر مرتكزا أساسيا من مرتكزات الأمن المجتمعي، إذ تشير التقارير المتعلقة بالأمن العالمي أنه ابتداء من سنة 2030 سيتهدد استقرار بعض المناطق نتيجة ندرة المياه وبروز نزاعات إقليمية حول الثروة المائية.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة ؛
من الضروري اليوم التفاعل بكل مسؤولية مع القضايا الاستراتيجية التي تطرحها إشكالية المياه كمادة حيوية سيكون لها خلال العقود المقبلة، ثقلها الحاسم في تدبير التوازنات الإقليمية، وتحقيق التنمية الاجتماعية، والمحافظة على استقرار المجتمعات. ومن الضروري التدشين لمرحلة جديدة في التعاطي مع الموارد المائية الوطنية من خلال التحلي بالجرأة في معالجة الإشكالات المائية الحقيقية وفق ثلاثية نعتبرها في الاتحاد الاشتراكي أساسية وحاسمة:
أولا، اعتماد المقاربة الاستباقية ؛ ثانيا، تعزيز الاستثمار العمومي ؛ وثالثا، تفعيل الابتكار في مجال التعبئة والتدبير المائي.
إن الحاجة ملحة، في هذه اللحظات المؤسسة للنموذج التنموي الجديد، إلى إبداع سياسة عمومية شاملة تستند إلى الإصلاح المؤسساتي بما يوفر شروط الحكامة الجيدة في التدبير المندمج والعادل لمختلف الموارد المائية الوطنية. ذلكم أن المدخل الفعلي للعدالة الاجتماعية والمجالية لن يتحقق إلا مع عدالة مائية حقيقية تضمن التوزيع العادل للثروة المائية، سواء في ما يتعلق بالاستعمال المنزلي أو الاستعمال الفلاحي. وينبغي، في هذا الصدد، الحرص على العدالة المائية في كل المخططات الاستعجالية، بل أيضا ضمن الأفق الاستراتيجي الذي يقتضي جعل الماء جزءا لا يتجزأ من «المنظومة الوطنية المتكاملة للمخزون الاستراتيجي» التي دعا إليها جلالة الملك.
ولا يسعني في ختام هذه الكلمة إلا أن أتمنى لأشغالكم كامل التوفيق من أجل بلورة مقترحات وتوصيات تمكن حزبنا من تطوير أفكاره وتصوراته في المجال البيئي عموما، وفي مجال الموارد المائية على وجه الخصوص.
(تلا الكلمة بالنيابة عبد الله الصيباري، عضو المكتب السياسي والكاتب العام للشبيبة الاتحادية)


الكاتب : الكاتب الأول للحزب إدريس لشكر

  

بتاريخ : 25/07/2022