حلق اسم الشاعر عبد الرفيع جواهري عاليا في فعاليات الدورة الأولى من مهرجان القصيدة العربية المصورة الذي نظمته بمراكش نهاية الأسبوع المنصرم جمعية «وشم للثقافة والفن بمراكش» تحت شعار « عبور جمالي للشعر من مخاطبة الأذن إلى متعة البصر».
الدورة الأولى من هذه التظاهرة اختار المنظمون أن تحمل اسم شاعر الأمل عبد الرفيع جواهري تكريما لوفائه لقيم الإبداع والشعر، وإصراره على تعبئة الحق في الجمال، مكرسا له حياته عبر أعماله الشعرية ونصوصه الغنائية التي صدحت بها أجمل الحناجر في تاريخ الأغنية المغربية وظلت علامة ساطعة في رصيد المغاربة الفني، ورمزا مشعا في وجدانهم.
اسم عبد الرفيع جواهري، جمع لفيفا من خيرة النقاد والشعراء والفنانين الذين حلوا بمراكش، محبة و تكريما للرجل ولمساره الأنيق في الانتماء لوطن القصيدة، وكذا للقيم التي جسدها شخصه عبر اختياراته في الفن والأدب كأسلوب و لغة ورؤية.
وكانت الفقرة الأولى من هذا الاحتفاء بالمركب الثقافي الحي الحسني يوم السبت 28 شتنبر المنصرم، بتنظيم ندوة علمية بثقل نظري مائز حول التجربة الشعرية لعبد الرفيع جواهري، شارك فيها النقاد محمد آيت لعميم وعادل عبد اللطيف وعبد العزيز الحويدق وسيرها سفيان ياسين المادلي، وقدمتها الأستاذة سناء الهداجي مديرة المهرجان.
في هذه الجلسة ظهر عبد الرفيع جواهري متنا شعريا متحركا قادرا على محاورة أعماق اللغة وتاريخها الجمالي، مالكا زمام التوغل في أسئلة الحياة متوسلا قلقه الوجودي ودهشته الشعرية، ليمنح للاستعارة توهجا متجددا. مثلما استكشف الجمهور الذي كان بحجم تنوع انشغالات الرجل واهتماماته، من خلال مداخلات الباحثين والنقاد المشاركين، كثافة اللغة الشعرية لصاحب ديوان «كأني أفيق» ، والتي تفسح شفافيتها لطيات المعنى بالتولد، مجارية التباسات ألغاز الوجود المعتمة وأسئلة الحب و الانتماء والوطن. حيث امتد النص الشعري لعبد الرفيع جواهري على استقصاء دائم لبهجة اللغة وأسرارها، واستطاع أن يكلمها في أقصى درجات تمنعها، ليؤكد أنه مثّل، من خلال شعره، حالة وعي استثنائية اتجاه المعنى، وقلقا اتجاه الحياة و القصيدة.
الاحتفاء بالشاعر عبد الرفيع جواهري تواصل في اليوم الموالي بقاعة فاطمة المرنيسي مدرسة العراقي الدولي الازدهار، بلقاء شعري ماتع ساهمت فيه ثريا ماجدولين وصلاح الوديع الذي قدم شهادة مؤثرة في حق المحتفى به. كما قرأ الشاعر سعيد أوب خالد قصيدة «ما طوينا الكتاب» و أدى الفنان صلاح خالوب « القمر الأحمر. و حضر عدد من الشعراء تحية للمحتفى به. فيما قدم النقيب عمر أبو الزهور شهادة في حق الشاعر المكرم الذي تقاسم معه انشغاله بحقوق الإنسان وامتهان المحاماة.
فقرات الدورة الأولى كانت متنوعة، ضمت معرضا فنيا للتشكيليين مولاي عبد العزيز مهير وعبد الجليل مسعد، وعرض الأعمال المصورة للشعراء المشاركين في المسابقة الرسمية للمرجان، وحفلا فنيا لفرقة أصيل برئاسة الأستاذ عز الدين الدياني.
أما بخصوص المسابقة الرسمية، فقد أعتبرت لجنة تحكيمها التي ضمت الشاعرة والروائية والتشكيلية نعيمة فنو، والفنان التشكيلي والسينوغراف عبد العزيز مهير، و الموسيقي والباحث في قضايا الصورة عبد الله إمهاه، والشاعر عبد المجيد الدهابي وترأسها عبد الصمد الكباص، أن تنظيم هذا المهرجان مبادرة مبتكرة تعكس ثقة عميقة في الشعر في هذه اللحظة المظلمة التي يجتهد فيها العالم في ابتكار أسباب خرابه، مثلما تجسد مقاومة مثمرة من أجل إعادة توطين الكائن في رحابة الوجود عبر دهشة اللغة في زمن استبدت فيه عقيدة المال وعبادة الاستهلاك وقيم المتاجرة والجشع والعسكرة، بالحق الأصيل في الحلم.
واعتبرت لجنة التحكيم في تقريرها أن تنظيم هذا المهرجان الذي ترجو له أن يكون تقليدا دائما، هو إعادة مَوْقَعَة للشعر في قلب حياة الناس المليئة بالقلق والاضطراب، لتعيّن مسلكا رمزيا لاسترداد حقهم في الجمال، و في استكشاف أعماق الروح و في صقل الحواس، وفي دفع الرغبة والجسد إلى أقصى ما يستطيعان؛ لتستكمل المدينة معناها الأصيل الذي لا يتحقق إلا بالتحام الحياة بالجمال عبر وساطة الفن والإبداع، لتكون تعبيرا عن دروب في ابتكار الذات كممارسة فنية تنعكس على الأداء العام. لأن الشعر ليس تلاعبا بالكلمات، ولا تزيينا منمقا للجمل، وإنما هو ضرب من الوجود واستكشاف للجوهر الاستثنائي للعيش المشترك حيث تتلاقى ضفاف الإنسانية، وتتحقق مفاجأة الهروب.
وحيت اللجنة إقبال الشواعر والشعراء على هذه المسابقة، وهو إقبال يدل على الإصرار على الشعر كملاذ لطرق دروب الحقيقة و إضاءة التخوم المعتمة في الكائن الذي يسكننا، مثلما يدل على رغبة في تقاسم الصيرورة، وتلقيم أشياء العالم المنهكة بروح جديدة. وأكدت أن هذا الإصرار بالضبط، هو الذي كافأته اللجنة عبر الجوائز الممنوحة،أكثر من جودة النصوص وكفاءتها الشعرية.
ودعت لجنة التحكيم، الجهة المتعهدة لهذه التظاهرة الهامة، لاعتبار الفترة الفاصلة بين الدورة الأولى والثانية من المهرجان، استمرارا لورش النقاش النظري المتعلق بهذا المفهوم، بتنظيم ندوات و مناظرات فكرية لتعميق مضامينه، ليكون للمهرجان شرف التأسيس المتكامل الذي يغني الفكر الشعري والنقدي المغربي و العربي بمفاهيم جديدة تحرك الأسئلة الراقدة، وترمم فجوات النسيان التي ألمت بإشكالات و نقاشات مهمة اعتملت في بداية السبعينات من القرن الماضي، كالنقاش حول القصيدة الكاليغرافية، التي كانت طرحا متقدما حول فكرة القصيدة كبناء بصري، و الكتابة كلغة مرئية وتشكيل جمالي للفضاء المادي.
وأوصت لجنة التحكيم في السياق نفسه، أن تعتمد الجهة المنظمة لجنة علمية دائمة لتفصيل محاور هذا الورش النظري، وفرز أسئلته وتفريغها في ندوات ومناظرات ولقاءات فكرية، تضم المبدعين و المنظرين، ومصاحبة ذلك برعاية مشاريع تجريبية تقوم على شراكة بين الشعراء والمخرجين الشباب والممثلين والموسيقيين، ولاسيما أن مراكش تحفل بمعاهد السينما والإعلام التي تشكل الصورة مادة تكوينية هامة لديها.
وقررت لجنة التحكيم، منح جائزة القصيدة مناصفة لكل من الشاعرة هانية الشرامي عن عملها»هيباتيا» و الشاعر يوسف الصافي عن عمله « أنا وهي»وجائزة الإلقاء للشاعر هشام المشرفي عن عمله « عروش شاغرة». في حين منح المهرجان جائزة الصورة للشاعرة مينة تبات عن عملها « من أنا؟».
ومعلوم أن تنظيم مهرجان القصيدة العربية المصورة، حسب ما أكدته مديرته سناء الهداجي، يهدف إلى توسيع وعاء متذوقي الشعر باستثمار التقنيات الجديدة، وترسيخ تقاليد التنافس الإيجابي بين الشباب في المجال الإبداعي.