تحل يوم الثلاثاء 18 نونبر 2025 الذكرى السبعون لحصول المغرب على حريته واستقلاله بعد كفاح مرير خاضه أبناؤه الأبرار الذين قاوموا الاستعمار بكل ما أوتوا من قوة وعزيمة، وبكل ما تسلحوا به من إيمان راسخ وصدق ووطنية وإباء، في الجبال والسهول والصحاري والحواضر والبوادي والمداشر. مقاومون قدموا كل غال ونفيس من أجل تحرير الوطن، وعانوا من غطرسة المستعمر وجبروته وتعسفه، من تعذيب وتنكيل وإبعاد ونفي وإعدامات.
وقد اتخذت المقاومة أشكالا متعددة؛ فإلى جانب الكفاح المسلح كانت وسائل أخرى حاضرة، منها النشاط السياسي كنموذج تأسيس كتلة العمل الوطني وتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944، والتعليم الذي تميز بإنشاء المدارس الحرة، وتأسيس الجمعيات التي مارست مختلف الأنشطة، وإصدار الجرائد الناطقة باسم الحركة الوطنية، وكان الهدف الأسمى هو مناهضة الاستعمار.
وإلى جانب هذه الحركية ذات البعد الوطني كان الفن أيضا حاضرا بقوة بكل أنواعه، من مسرح وغناء وغيرها. ففي المجال الغنائي كنموذج انخرط الجميع في معركة التحرير من شعراء وموسيقيين ومطربين، الذين أذكوا عبر إنتاجاتهم حماس المغاربة ومشاعرهم للمطالبة بالحرية والانعتاق. وكان الشعور الوطني سائدا لدى الفنانين والمثقفين، فكان الشعراء يكتبون القصائد، والملحنون يلحنونها، والمطربون يؤدونها، بل إن منهم من جمع بين اللحن والأداء. وكان كل ما يُغنّى يفهم أنه مرتبط بالمطالبة بالاستقلال. وكانت هذه الأغاني تُؤدى من طرف الأجواق الحرة في الحفلات، بينما كان الاستعمار يعمل على منع كل ما يرتبط بالوطنية، وتعرض كثير من المبدعين للمضايقات والبطش والعسف.
ومن الفنانين الذين برعوا في أداء الأغاني الوطنية الموسيقار الكبير الراحل أحمد البيضاوي المعروف بوطنيته. غنى في حقبة الاستعمار وفي فجر الاستقلال وبعده. ومع حصول المغرب على الاستقلال وعودة المغفور له السلطان محمد الخامس من المنفى، أعد الراحل الشاعر الوطني محمد بلحسين قصيدة بعنوان التحرير، المعروفة بـ يا موطني، ولحنها وأداها أحمد البيضاوي، متغنيا عبرها بالحدث الوطني. وأصبح هذا النشيد يتردد على ألسنة الناشئة، وأضحى المفضل لدى أطفال المدارس الذين كانوا يرددونه جماعيا بعدما يحفظونه عن ظهر قلب استعدادا لحفلات نهاية السنة الدراسية.
نشيد مليء بالحماس والروح الوطنية العالية، وإشادة بقيم الوطن المغربي، والرغبة في الانعتاق وكسر قيود الاستعمار، ورفض العيش تحت سلطته، واستحضار عراقة المغرب والتذكير بأن المغربي لا يرضى بالخنوع، لأنه عاش دوما حرا طليقا، وأن المغرب أرض المجد الأصيل.
تقول أغنية يا موطني:
يا موطني نلت المراد فاسلم
فأنت مني في الحشا وفي الدم
أنت نشيد المجد في كل فم
أنت شعار العز منذ القدم
أرواحنا دماؤنا فداك
فلن يدوس غادر حماك
يا موطني إياك أهوى أبدا
حرا طليقا ظافرا ممجدا
ما دمت حيا لن ترى مقيدا
ولن تعيش بعد إلا سيدا
أحب فيك شعبك النبيلا
متحدا مستبسلا جليلا
كم داذ عما ترتجي طويلا
لتسترد مجدك الأصيلا
فداك روحي وفداك بدني
لتستقل يا أعز وطن
وأن ترى في أوج مجدك السني
ترفُل ظافرا بكل حسن