حلت يوم الجمعة الماضي 20 شتنبر 2019، الذكرى 30 لرحيل أحد عمالقة الفن الموسيقي المغاربة، الموسيقار عبد الوهاب أكومي، المزداد بمدينة فاس سنة 1918 من أسرة محافظة، عشق الموسيقى منذ صغره، كما حفظ الشعر القديم، نشأ في وسط فني وديني، حيث كان والده عالما ومقرئا، فسار على نهج اﻷب يجود القرآن، و يحضر مجالس اﻷمداح النبوية، كل هذا أثر على نفسه فنيا، جعله شغوفا بالموسيقى والترنم بسماعها، حيث تواجد اﻷجواق وخاصة الجوق اﻷندلسي الذي يرأسه البريهي. كما مارس عدة أنشطة فنية منها المسرح، إذ أدى أدوارا في العديد من المسرحيات منها التي كان لها بعد وطني، و يعد المؤسس الحقيقي لعلم الموسيقى بالمغرب و أول من عرف الشباب المغربي بالموسيقى العالمية لموزار وبيتهوفن.. و قدم خدمات عظيمة للموسيقى في المغرب، و مع ازدياد ولعه بالموسيقى غادر بلده بعد حصوله على شهادة الدروس الثانوية نحو القاهرة سنة 1940 قصد إرساء أسس موهبته علميا و صقلها، حيث التحق بمعهد فؤاد اﻷول للموسيقى، و حصل منه على ديبلوم سنة 1952، و رغم بعد المسافة فقد بقي مرتبطا بوطنه المغرب ارتباطا وطيدا، و لكي يتمكن أكثر من الفن الموسيقي والتبحر فيه، رحل إلى باريس، و بمدرستها العليا حصل على شهادة في التوازن الصوتي و التوزيع اﻵلي سنة 1955، و شهادة أخرى من إسبانيا في الموسيقى.
و إضافة إلى تبحره في الميدان الموسيقي بحثا وتلحينا، فإنه غنى قطعا ذاع صيتها في المغرب، من بين أشهرها تلك التي كتبها الفنان المسرحي و الشاعر حمادي التونسي، “محلى الربيع” و “بريء”، و جاء في هذه اﻷخيرة «بريء و قلبي قاسي على حبي وناسي.. أنا حبك مانسيتو والليل و النجوم حراسي»..
– وقلبي ينادي بريء بريء بريء بريء أنت ظالم ومشربني كأس ألامي.
– ودمعي على الخد هايم يصور لي أحلامي ودمعي ينادي بريء بريء بريء.
– عداب حبك يحلا لي مادام رسمك في بالي وبعدك عندي ياغالي سر إلهامي وخيالي.
– وأنا ياناس هويت وكاسو بيدي هديتو وقلبي ينادي بريء بريء بريء.
و إلى جانب إنتاجه في مجال الأوبريت، فإنه اشتهر بإبداعه لرائعة “رقصة الغزال”، و أشرف على تدوين وتسجيل نوبات موسيقية أندلسية، و كذا الفولكلور المغربي.
قال أكومي، “مطمحي بعد انتهاء دراستي أن أعود إلى بلادي و أقيم بها معهدا موسيقيا مغربيا، وقد حدث هذا فعلا سنة 1955، و قد وجد وقتها معهدا موسيقيا فرنسيا، اتصلت بالمشرف عليه و اقترحت عليه إنشاء معهد مغربي. و استطعنا رغم الصعوبات و العراقيل أن تنظم في مرأب للسيارات دروسا موسيقية، انضم إليها في أول عملية تسجيل حوالي أربعمائة طالب موسيقي، و في عام 1958 أصبحت مدرستنا معهدا وطنيا للموسيقى.”
في سنة 1961، عين أكومي مديرا لهذا المعهد، الذي كانت تنقصه اﻷطر المغربية، إذ كان جل المدرسين فرنسيين، وتمكن أكومي من أن يجعل أطر المعهد أطرا مغربية كلها، كما أسس عدة معاهد بالمغرب، و كون عدة أجيال موسيقية خلق منها أوركسترا سمفونية، كل عناصرها مغربية.
مثل المغرب في العديد من المؤتمرات العربية و الدولية، و تولى العديد من المهام، منها عضويته في ديوان وزير التربية الوطنية في حكومة عبد الله إبراهيم التي شكلت في دجنبر 1958، مشرف على تعليم الموسيقى في مؤسسة التعاون الوطني، مدير ديوان وزير الثقافة في الشؤون الموسيقية و الفنية، سفير موسيقي للبلاد العربية في أوربا معتمدا من طرف الجامعة العربية وذلك لما يقوم به بالتعريف بالموسيقى العربية.
توفي في حادثة سير يوم 20 شتنبر 1989 و هو عائد من مدينة بني ملال بعد إشرافه على تدشين المعهد الموسيقي بحاضرة عين أسردون، و تقديرا لشخصه ولعطاءاته الغزيرة، ثم إطلاق اسمه على المعهد المذكور.