رجال مناضلون صادقون دافعوا عن نساء ورجال التعليم وعن المدرسة العمومية
بحلول يوم 20 فبراير من هذه السنة، تكون النقابة الوطنية للتعليم قد أطفأت شمعتها58من تأسيسها على يد رجال آمنوا بالتغيير الممارس من طرف الجامعة الوطنية للتعليم المنضوية آنذاك تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل (الجهاز البورصوي)، كما كان يسميها مجموعة من المناضلين الساخطين عن تسيير الجهاز التعليمي التنظيمي.
واختارت النقابة الوطنية للتعليم العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل، ملصقا وشعارا لهذا الاحتفاء برموز لكل الشغيلة المغربية وما لها من ذكريات ومسارات ونضالات واعتقالات وطرد وتشريد وتوبيخات وعقوبات، مثل ما لها من مكتسبات وتحفيزات وتشريف وتكليف.
رجال مناضلون صادقون دافعوا عن نساء ورجال التعليم وعن المدرسة العمومية، بتضحياتهم منهم من غادرنا بأنفة ونكران ذات ومنهم من مازال بيننا نبراسا تهتدي به أطر المدرسة العمومية، وكانت النواة الأولى مكونة من المرحوم مشيش والمرحوم زروق والمرحوم العربي الجابري، حيث بدأ العمل منذ 1963 لوضع اللبنات الأولى للنقابة الوطنية للتعليم، وكان يوم 20فبراير 1966 هو يوم إعلان ميلاد النقابة الوطنية للتعليم في الرباط بحضور 46 فرعا تنظيميا.
وبدأت في تشكيل مكاتب مؤقتة ولجن للتنسيق على الأصعدة المحلية والجهوية توجت بتشكيل (لجنة وطنية للتنسيق) مهمتها تنظيم العمل على الصعيد الوطني والاستعداد لتقديم ترشيحات مناضلين لانتخابات اللجن الثنائية لسنة 1965 بشكل مستقل قبيل التأسيس الرسمي للنقابة. وقد حصل مناضلو الحركة التصحيحية على نصف المقاعد المتبارى عليها رغم كل العراقيل، وكان ذلك مؤشرا إيجابيا على ضرورة التسريع بتأسيس الإطار البديل. فكان يوم 20 فبراير 1966 هو يوم إعلان ميلاد النقابة الوطنية للتعليم في الرباط بحضور 46 فرعا تنظيميا. وانعقد المؤتمر الأول يومي 6 و7 يوليوز 1966 بالرباط في الظروف الصعبة التي تلت أحداث مارس 1965، وإعلان حالة الاستثناء وتقديم بنهيمة لمشروعه التعليمي.. فكان على مناضلي النقابة الوطنية للتعليم أن يجيبوا في نفس الوقت عن السؤال التنظيمي بتجاوز التجربة السابقة، وعن التراجع الذي مس المذهب التعليمي الوطني.
وانعقد المؤتمر الوطني الثاني في دجنبر 1970، وكان فرصة توقف خلالها مناضلو النقابة الوطنية للتعليم عند أسباب فشل محاولة الوحدة وتيقنوا من استحالة إصلاح الأوضاع من الداخل، لهذا أصروا على النضال المستقل رغم أن الارتباط القانوني الشكلي بالاتحاد المغربي للشغل بقي قائما.
لقد كانت بداية السبعينيات مرحلة عصيبة في تاريخ النضال الوطني فالدولة واجهت بعنف كل القوى الديمقراطية، وكانت الضريبة التي قدمها المناضلون باهظة الثمن (اعتقالات، محاكمات تعسفية..) وقد أصر مسؤولو النقابة الوطنية للتعليم على الانخراط في معركة الديمقراطية وحرية الرأي وعقدوا مؤتمرهم الثالث (مؤتمر التحدي مع فاتح أبريل 1973) في جو سياسي مشحون جدا، فتدخلت قوات الأمن واعتقلت العديد من المؤتمرين ولم تنته الأشغال بشكل طبيعي.
وكان الإصرار من طرف جميع القوى الوطنية على مواصلة النضال إلى أن حصل انفراج نسبي في الأوضاع أواسط السبعينيات (مع فتح ملف القضية الوطنية).
في هذه الشوط عقد المؤتمر الوطني الرابع في دجنبر 1976، والذي أكد على ارتباط قضايا الشغيلة التعليمية بقضايا الجماهير الشعبية، كما أكد على ضرورة النضال المشترك مع كل القوى الديمقراطية.
ومن أهم قرارات المؤتمر، تطوير الهيكل التنظيمي للنقابة لاستيعاب التوسع المهم الذي عرفته خلال العقد الأول من تجربتها. وكتتويج لمسلسل التصحيح النقابي كانت سنة 1978 سنة حاسمة في وضع اللبنات الأساسية لتأسيس ( ك د ش) وقد لعبت النقابة الوطنية للتعليم دورا أساسيا في هذا التأسيس وعقدت مؤتمرا استثنائيا (يونيو 1978) لإعلان الانفصال القانوني عن الاتحاد المغربي للشغل، كما شاركت بفعالية خلال انعقاد ندوة النقابات الوطنية (يوليوز 1978) وقد شكل مناضلو النقابة الوطنية للتعليم العمود الفقري للبديل النقابي ك د ش منذ المؤتمر التأسيسي (نونبر 1978).
وستعاقب أطر التعليم بدفع ضريبة النضال في إضرابات 1979 (آلاف الموقوفين والمطرودين بعد إضرابات 10-11 أبريل 1979).
ورغم قساوة الضربة وتأثيرها على الجسم النقابي، إلا أنها لم تنجح في إخماد جذوة النضال التعليمي، فعادت الروح النضالية من جديد مع بداية الثمانينيات وكانت المطالب حاضرة خاصة خلال انعقاد المؤتمر الوطني الخامس (ماي 1983 وأثمر كل ذلك تقدما نسبيا في تحقيق المكاسب –خاصة مع إقرار النظام الأساسي لسنة 1985 رغم بعض ثغراته).
ولم يقتصر اهتمام النقابة خلال هذه الفترة على الجانب المطلبي فقط، بل اهتمت كذلك بإصلاح المنظومة التربوية خاصة بعد إقرار مشروع التعليم الأساسي الذي عقدت نقابتنا بصدده ندوتين وطنيتين بغرض الإسهام الاقتراحي الإيجابي في تدقيق التصور الإصلاحي للتعليم الأساسي.
كما ساهمت النقابة الوطنية للتعليم في النقاش الوطني حول حقوق الإنسان بعقد ندوة حول (تدريس مادة حقوق الإنسان بالمدرسة المغاربية) سنة 1989، وكان المؤتمر الوطني السادس (دجنبر 1989) فرصة للتوقف عند أزمة النظام التعليمي، حيث ركزت وثيقة السياسة التعليمية على الانعكاسات السلبية لتوصيات المؤسسات المالية الدولية على القطاعات الاجتماعية الأساسية، واهتم المؤتمر بشؤون التكوين والإعلام والشؤون الاجتماعية، وذلك من خلال رفع شعار «النقابة المؤسسة» وسيتميز عقد التسعينيات بالتجربة الوحدوية لأقطاب الحركة الوطنية سياسيا ونقابيا، كما أن النضال المشترك بين النقابة الوطنية للتعليم والجامعة الحرة للتعليم سيكون هو العمود الفقري لهذه الوحدة نقابيا، وقد تجسد ذلك في إضرابات مشتركة وملفات مطلبية موحدة.
كما تم انعقاد المؤتمر الوطني السابع بالمحمدية (يوليوز 1995)، واستقلت النقابة الوطنية للتعليم بشراء مقر جديد لها خاص بها سنة 1998.
وفي سنة 2002 سيوقع اتفاق 13 ماي يخص الملف المطلبي لرجال ونساء التعليم مع حكومة التناوب برئاسة المرحوم عبد الرحمان اليوسفي وإقرار نظام أساسي ونظام جديد للتعويضات ،
وانعقد المؤتمر الثامن للنقابة الوطنية للتعليم أيام 17-18 و19 دجنبر 2002 تحت شعار «من أجل نقابة حداثية ومواطنة تلتزم بمبادئ التأسيس وتساهم في تطوير التعليم والحقوق والمكتسبات».
وسيغادرنا المرحوم عبد الرحمان شناف بين المؤتمر الثامن والتاسع ليخلفه نائب الكاتب العام عبد العزيز إيوي، وسينعقد المؤتمر العاشر في فبراير 2013 تحت شعار مركزي « معا أقوياء دفاعا عن المدرسة العمومية الشغيلة التعليمية الحريات والحقوق النقابية والديمقراطية». وسيترك المشعل لصادق الرغيوي في المؤتمر الحادي عشر وستجدد له الثقة في المؤتمر 12.
وتعاقب على النقابة الوطنية للتعليم على مدى 58 سنة كل من أحمد الضمضومي و محمد صبري و عبد الرحمان شناف وعبد العزيز إيوي والصادق الرغيوي .
58 سنة من الوفاء لجيل الرواد والمؤسسين الذين قدموا الغالي والنفيس من أجل القيم النبيلة للنضال النقابي النظيف.
58 سنة من النضال المتواصل ولا تزال الرحلة مستمرة.
تحية لرجال ونساء التعليم في عيد ميلاد النقابة الوطنية للتعليم في سنتها الثامنة والخمسين، بعد مراكمة تجربة غنية مليئة بالمعاناة والإحباط، مليئة بالانتصارات والمحطات المتوهجة التي ستظل راسخة في التاريخ، تاريخ الفعل النقابي المغربي وتاريخ تراكم غير مسبوق ولا يمكن إعادة تكراره.