في جديد إصدارات الفنان التشكيلي بوعبيد بوزيد: وجوه بوعبيد بوزيد «التطوانية»

 اخترنا، في هذه الحلقة من سلسلة «كتابات في تاريخ منطقة الشمال»، الابتعاد عن السرديات المدونة، وعن الإسطوغرافيات العامة، وعن الدراسات القطاعية المتخصصة في تاريخ الشمال، قصد الإنصات لنبض الإبداع الحي الذي يصنع تفاصيل الهوية البصرية لمنطقة الشمال عموما، ولمدينة تطوان على وجه الخصوص. لا يتعلق الأمر بمتون عالمة تستقرئ الأحداث وتتقصى التفاصيل بقدر ما أنها أصوات خفيضة تنتجها ذات مبدع تشكيلي، خبر الممارسة الفنية تنظيرا ودراسة وتفعيلا والتحاما بمسارات جمعوية ومهنية موازية وداعمة. يتعلق الأمر بالفنان بوعبيد بوزيد الذي صدر له كتاب تجميعي هام مطلع سنة 2025، تحت عنوان «وجوه في تطوان»، وذلك ضمن منشورات جمعية الحاجة زبيدة أفيلال وجمعية تطاون أسمير، في ما مجموعه 88 من الصفحات ذات الحجم الكبير. وقد سعى الفنان بوزيد في هذا العمل الاحتفائي الباذخ إلى تجميع سلسلة أعمال تجسيدية لبورتريهات خاصة بشخصيات تنتمي لفضاءات مدينة تطوان الثقافية والسياسية والإعلامية والاجتماعية والرياضية، وكذا لشخصيات وطنية مرت من مدينة تطوان وتركت أثرا لمرورها وبصمة ثقافية عززت معالم الهوية البصرية والمجالية لمدينة تطوان.
من الواضح أن المبدع بوعبيد بوزيد استنفر الكثير من الجهد ومن الخبرة الميدانية في مجال الممارسة التشكيلية من أجل إنجاز تصورات على تصورات، وتقنيات على تقنيات، وزوايا نظر متقاطعة في الاحتفاء بحميميات الوجوه وبفطرتها المعطاءة وبعناصر تميزها في سياق تجاربها ورؤاها المخصوصة على مستوى فعلها في زمانها المخصوص وداخل محيطها المباشر. فكانت النتيجة، تحقيق تراكم هائل من البورتريهات المجددة على مستوى التقنيات والأدوات المستعملة، ثم على مستوى استنفار الفنان لتكوينه النظري من أجل استثمار معارفه الفنية وتجارب فن البورتريه التي حققتها البشرية منذ عصر النهضة الأوربية للقرنين 15 و16 وإلى يومنا هذا. وقبل كل ذلك، بدا واضحا نجاح بوعبيد بوزيد في توظيف حسه المرهف في مجال الممارسة التشكيلية، قصد استنطاق التفاصيل واستثمار تجاربه الشخصية مع الفرشاة ومع الألوان ومع لعبة الظل ومع الأشكال ومع الرموز، إضافة إلى استثمار رصيده المهني والجمعوي قصد تخصيب تجربته وقصد ضمان امتداد إشعاعها داخل محيطها المحلي والوطني الواسع. سيظل بوعبيد بوزيد أحد أقطاب الممارسة التشكيلية الراهنة بمدينة تطوان وبعموم بلاد المغرب، الأمر الذي زكاه بعطائه الموصول داخل الإطارات المدنية الموازية مثل جمعية تطاون أسمير، وكذا من موقعه كأستاذ في المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان، ثم من خلال مبادرته بالإشراف على تأسيس مركز تطوان للفن الحديث الذي يؤرخ للحركة التشكيلية بمدينة تطوان منذ سنة 1945 إلى يومنا هذا. لم يأت شغفه بالفن التشكيلي من عدم أو من غواية عابرة، بل من تكوينه الأصلي داخل المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بتطوان، ثم بعدها بالأكاديمية الملكية للفنون الجميلة ببروكسيل، فدراسته لعلم المتاحف بالمركز الأندلسي للتراث التاريخي بإشبيلية. وقد عزز كل ذلك بانفتاح ميداني على المعالم الأثرية والتاريخية والجمالية لذاكرة المدينة العتيقة لتطوان، حيث ظل دائم الحضور والفعل مما أثمر أعمالا رائدة لا شك وأنها عنوان للبعد الجمالي في أشكال تأثيث الفضاء الجماعي لمدينة تطوان. ويوضح الفنان بوعبيد بوزيد السياق العام الذي أثمر عمله الجديد في كلمته التقديمية، قائلا: «وللحقيقة، فإنني لم أكن أظن أنني سأجد نفسي يوما سابحا في بحر فن البورتريه وجماليته، وذلك لأنني كفنان تشكيلي كنت أشتغل على مختلف التقنيات والأساليب، تشخيصية وتجريدية، حيث كان تعاملي مع البورتريه تعاملا شحيحا، ولم أستفق من غفوتي مع هذا الفن الذي يُعنى بوجه الإنسان، بقسماته وحالاته النفسية، إلا عندما اكتشفتُ أنني قد أنجزتُ العديد من البورتريهات التي فاقت المائة والتي قُدمتْ كهدايا تكريمية لنساء ورجال قدموا الكثير لبلدهم المغرب، وأصبحت هذه اللمسة الجميلة تقليدا اختصت به مدينة تطوان وتأثرت به مدن مغربية أخرى نظرا لقيمة البورتريه وجماليته الفنية» (ص.11).
احتوى كتاب «وجوه في تطوان» على كلمات تقديمية لكل من امحمد بنعبود وإبراهيم الحيسن والعياشي أبوالشتاء والمؤلف، ثم سلسلة من بورتريهات تجسيدية لشخصيات متواترة تنتمي لحقول مختلفة ولمجالات متعددة. يتعلق الأمر بكل من الملك محمد الخامس، والنحات التهامي داد القصري، والزجال حسني الوزاني، والسيد الحسين بوديح، والفنان عبد الصادق شقارة، والبطل الرياضي الطيب البقالي، والعازف مصطفى الحمراني، والشاعر محمود درويش، والمسرحي محمد الدحروش، والفنانة المسرحية ثريا حسن، والإذاعية أميمة الوزاني، والإعلامي محمد العربي المساري، والإعلامي عبد السلام ماشان، والدكتور محمد العربي الخطابي، والمسرحي أحمد الطيب العلج، والفنان المختار المفرح، والشاعر محمد الميموني، والأستاذ عبد السلام الشرتي، والأستاذ عمر الفاسي الحلفاوي، والبطل شيخ الرماية، والدكتور محمد الكتاني، والمؤرخ محمد ابن عزوز حكيم، والشاعر محمد الطنجاوي، والخطاط عبد العزيز غجو، والمؤرخة حسناء داود، والسيدة رشيدة المصطفى، والفنان التشكيلي سعد بن شفاج، والأستاذ محمد عبد الخالق الطريس، والسياسي محمد اليازغي، والمؤرخ عبد الحق المريني، والوزير عمر عزيمان، والفاعل الجمعوي عبد السلام الباكوري، والسيد منويل شفيس كونصاليص، والديبلوماسي خفير خمنيز أوكرطي، والأستاذ عبد القادر الزكاري، والمسرحي رضوان احدادو، والرياضي محمد أوهار، والمهندس محمد بوزيد، والرياضي محمد أوهارون، والفاعل الجمعوي أحمد بولعيش وسيم، والفنان التشكيلي أحمد بن يسف، والدكتور اليملاحي الوزاني، والمؤرخ امحمد بن عبود، والفنان الموسيقي محمد الموصطفى، والأستاذ محمد القرواني، والأستاذ محمد اليعقوبي، والفنان عبد الوهاب الدكالي، والأستاذ العياشي أبوالشتاء، والأديب محمد عزالدين التازي، والسفيرة كريمة بن يعيش، والرياضي أنس الصوردو، والأستاذ البشير المسري، والدكتور حذيفة أمزيان، والأستاذ محمد العلالي، والدكتور المهدي الزواق، والفنان الموسيقي مصطفى مزواق، والوزير نزار بركة، والأستاذ ادياردو فيرنلديس دي بلاص، واللاعب الدولي إكوستين رودريكيس سنتياكو، والدكتور حكيم داود، واللاعب الدولي عزيز بودربالة، والمهندس رياض بن احساين، والدكتور الطيب الوزاني، والأستاذ أحمد حجاج، والدكتور محمد مشبال، والموسيقي محمد أمين الأكرمي، والأستاذ علي بن عزوز، والدكتور إسماعيل شارية، والإعلامي الرياضي بدرالدين الإدريسي، والأستاذ جواد الدفوف، والأستاذ طه العطار، والفنان التشكيلي عبد السلام نوار، ثم المبدع الفنان صاحب الكتاب بوعبيد بوزيد.
وعند كل واحدة من هذه «الوجوه»، أحسن بوعبيد بوزيد التقاط التفاصيل المطابقة لسمات الشخصية موضوع البورتريه، وكأني به يستنطق تقاسيم الوجه، وتعابير نظرة العيون، من أجل تقديم قراءة بصرية فاحصة في مسار الشخصية موضوع البورتريه. جاءت تقنيات بوعبيد بوزيد دقيقة، بألوان انسيابية أطرت مضمون اللوحة، فأحسنت استغلال عناصر الضوء والظل قصد استقراء تاريخ الشخصية المحتفى بها، الأمر الذي ارتقى باللوحة إلى بعد جمالي واضح سمح بتجاوز كل أشكال التمثيل التقني البارد والتفاعل الانطباعي السريع. أعاد بوعبيد بوزيد الروح لعطاء شخصياته، فتحولت من مجرد أسماء وأرقام ووجوه، إلى طاقات وعطاءات ومبادرات وإسهامات. وفي ذلك أسمى احتفاء بنخب المرحلة وتثمين لإبداعاتها ولإسهاماتها الناظمة لمعالم الهوية الثقافية لمغاربة الزمن الراهن.

الكاتب : أسامة الزكاري

  

بتاريخ : 13/09/2025