في حوار مع الدكتور حمزة اكديرة رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة

وزارة الصحة غيّبت الصيادلة والعديد من مكونات المنظومة الصحية واعتمدت تدبيرا أحاديا في مواجهة الجائحة

 

 

 

تعيش الوضعية الوبائية التي تمر منها بلادنا خلال الأيام الأخيرة، على إيقاع العديد من المتغيرات، التي جعلت أعداد الوفيات ترتفع يوما عن يوم، ونفس الأمر بالنسبة للإصابات، الناجمة عن مجموعة من العوامل، من أهمها ضعف وتأخر التشخيص والتكفل المبكرين، مما يؤدي إلى تدهور الوضع الصحي لعدد كبير من المرضى الذين يصبحون في حاجة إلى ولوج مصالح العناية المركزة والإنعاش، التي تعرف ضغطا كبيرا، مما يؤدي إلى نهايات غير مرغوب فيها، حتى بالنسبة لمن تم إيجاد سرير لهم، لكن التكفل بهم جاء متأخرا، وهو ما تسبب في مفارقة العديد من المصابين بالعدوى للحياة.
خلل، دفع وزير الصحة إلى الإعلان عن إشراك الصيادلة وأطباء القطاع الخاص والمراكز الصحية في منظومة مواجهة الجائحة الوبائية، إلا أن الأجرأة ظلت مفتقدة وغائبة، وبقي صيادلة الصيدليات خارج دائرة مطاردة «كوفيد 19»، بالرغم من المساهمة الكبيرة التي يمكن لهم تقديمها، ونفس الأمر بالنسبة للصيادلة الإحيائيين ومختبراتهم، التي لم تتم الاستفادة من القسط الكبير منها في هذه الحرب ضد الجائحة. الوضعية الوبائية وتطوراتها وصلتها بمتدخلين آخرين، شكلت موضوع أسئلة طرحتها «الاتحاد الاشتراكي» على الدكتور حمزة اكديرة، رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة، الذي استعرض جملة من الملاحظات في هذا الباب من خلال الحوار التالي.

 

o أعلن وزير الصحة قبل أيام عن إشراك صيادلة الصيدليات في مواجهة الجائحة، هل تم رصّ صفوف هذه الجبهة؟
n للأسف الشديد، لم نلمس أي خطوة فعلية في هذا الصدد، بل نحن نستغرب عدم انفتاح وزارة الصحة على صيادلة المغرب من خلال الصيدليات المفتوحة على امتداد ربوع المملكة والتي يقدر عددها بـ 12 ألف صيدلية، وهنا يجب أن أشيد وأنوّه بكافة الزميلات والزملاء على ما بذلوه من مجهودات وما قاموا به من عمل متواصل بكل تفان ونكران ذات لتأمين ولوج المواطنين إلى الدواء منذ بداية الجائحة وعلى امتداد أشهر الحجر الصحي، وهو العمل الذي يواصلون القيام به بكل جدية ومسؤولية، علما بأننا فقدنا زملاء بسبب إصابتهم بهذا الفيروس، الذين نجدّد عليهم الرحمات ونتمنى لأسرهم عظيم الصبر والسلوان.
إن عملنا الميداني كصيادلة يجعلنا على يقين تام بوجود مصابين بالفيروس بدون أعراض، الذين بإمكانهم متابعة العلاج في منازلهم وفقا لما جاء في بروتوكول وزارة الصحة الأخير، من خلال الحصول على الوصفة الكلاسيكية، التي يمكن بكل بساطة أن تُصرف من الصيدلية، وبالتالي نستغرب بخصوص السبب الذي يحول دون توفير الكلوروكين بالصيدليات، علما بأننا يمكننا أن نستقبل الحالات التي من المحتمل أن تكون مصابة وأن نعمل على توجيهها صوب المختبرات والمؤسسات الصحية أو أطباء القطاع الخاص، في علاقة تكاملية بين جميع الأطراف، بما يسمح ويضمن التشخيص والتكفل المبكرين بالمرضى والمساهمة الجماعية في مواجهة الجائحة، وهو الأمر الذي لم يتم تفعيله لحدّ الساعة وما يزال يعرف تعثرا لا نعلم سببه.

o وماذا عن دور الصيادلة الإحيائيين وهل تم فسح المجال للعدد الكافي للمختبرات للمساهمة في الرفع من الفحوصات المخبرية؟
n الجميع يعلم بأننا لا نتوفر على العدد الكافي من المختبرات العمومية للمساهمة في القيام بمسح جماعي يمكّن من البحث عن الفيروس والكشف عنه، والوصول إلى سقف مرتفع من الفحوصات المخبرية بتقنية PCR، ونفس الأمر بالنسبة للموارد البشرية، الأمر الذي يتطلب الانفتاح على القطاع الخاص، وهو ما لم يتحقق بالكيفية المرجوة، إذ سبق لمجلس الصيادلة الإحيائيين أن راسل وزارة الصحة في هذا الصدد دون أن يتوصل بأي جواب، وعندما وجدت الوزارة في وقت لاحق أنها أصبحت متجاوزة في مجال البحث عن الفيروس عند المواطنين، عملت على إعداد دفترين للتحملات دون إشراك هذه المجلس الذي يضم أهل الاختصاص في هذا العمل، وختاما اعتمدت مؤخرا مختبرين اثنين في كل مدينة، وهي الخطوة التي يعتريها الكثير من النقص، فضلا عن كونها تتناقض مع القانون لأنها بمثابة توجيه نحو مختبرات بعينها، والحال أنه كان يجب فسح المجال أمام كل المختبرات التي تتوفر على المؤهلات التقنية المطلوبة، وتلك التي تجد نفسها غير قادرة على القيام بهذه الاختبارات ولا تتوفر على ما هو مطلوب، تطلب سحب إسمها من القائمة.

o قطاع الصناعة الدوائية يعتبر مكوّنا أساسيا في إطار هذه المنظومة، هل حقق ما كان منتظرا منه في زمن الجائحة؟
n لقد شهد المغرب تطورا كبيرا في مجال الصناعة الدوائية المحلية التي يجب الافتخار والإشادة بها والعمل على تشجيعها من طرف الوزارة الوصية، وتسهيل عمل المصنّعين الذين يسهرون على مدار الساعة على توفير الدواء للمواطنين المغاربة، ويقومون بتغذية السوق الدوائية بكل الأدوية الضرورية، خاصة في ظل أزمة صحية مماثلة لهذه التي تمر منها بلادنا والعالم بأسره، ويجب تمكينهم كذلك من الاشتغال مع إخوتنا الأفارقة الذين هم في حاجة إلى الخبرات والكفاءات المغربية، وهو ما يتطلب بذل المزيد من الجهود، بما يضمن حضور بلادنا في القارة الإفريقية باعتبارها رائدا في الصناعة الدوائية.

o هل ضيعنا المكاسب التي تحققت في بدايات الجائحة؟
n لقد أظهر فيروس كوفيد 19 حدود الأنظمة الصحة العالمية، وبالنسبة لنا في المغرب كان للقرارات الكبيرة والواضحة التي تم اتخاذها بناء على التعليمات الملكية السامية بالغ الأثر الإيجابي، إذ مكنت من تفادي سيناريوهات قاتمة، واستطعنا خلال فترة الحجر الصحي تفادي إصابات ووفيات كبيرة، ولأجل هذه الغاية تم بذل مجهود كبير في التواصل مع المواطنين الذين اقتنعوا بضرورة الحجر وانخرطوا فيه بكل تلقائية ومسؤولية، رغم تبعاته السوسيو اقتصادية واجتماعية.
لقد حققت الفترة الأولى من مواجهة الجائحة إيجابيات كثيرة، وتمكنت خلالها السلطات المختصة من القيام بعملية إعادة تأهيل لقدراتنا الاستشفائية للتكفل بالمرضى بصفة عامة، وخاصة الذين يصلون في وضعية صحية متقدمة تتطلب العناية المركزة والإنعاش والخضوع للتنفس الاصطناعي، كما كان للأمر الملكي بانخراط ومساهمة الصحة العسكرية إلى جانب مكونات المنظومة الصحية في بلادنا في مواجهة الوباء الأثر الكبير.
هذه المكاسب كان من الممكن استثمارها أكثر لو تم الإعداد بشكل جيد لمرحلة ما بعد الحجر من طرف جهاز آخر مشكل من كفاءات أكاديمية وثقافية وعلمية …الخ، لاتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، لأن تدبير هذا الملف من بين عوائقه تعدد المتدخلين فيه من خلال قطاعات مختلفة، الأمر الذي بكل أسف لم يتم الانتباه إليه، وساهم في هذه الانتكاسة مجموعة من العوامل من ضمنها عطلة الصيف ومناسبة عيد الأضحى ومسببات أخرى أدت إلى هذا الوضع الكارثي الذي بتنا نعيشه مؤخرا.
أضف إلى ما سبق، أن التدبير الحالي للازمة يعرف العديد من الاختلالات والتعثرات، وعلى رأسها الفقر الكبير في التواصل، خاصة من طرف وزارة الصحة، والاشتغال بدون إشراك باقي مكونات القطاع، لا سيّما القطاع الخاص.

o استقبلنا مطلع الأسبوع فصل الخريف المعروف بالحضور القوي للأنفلونزا الموسمية، كيف سيكون الوضع في اعتقادكم؟
n لن يكون بالأمر الهيّن بكل تأكيد، إذ أن خطر وقوع مضاعفات صحية وخيمة في صفوف المسنين والمصابين بأمراض مزمنة، يبقى كبيرا وقائما، لأن الكوفيد والأنفلونزا الموسمية يهاجمان الجهاز التنفسي، ولا يسلم من الأنفلونزا الصغار والنساء الحوامل، مما يتطلب القيام بحملة واسعة للتلقيح في صفوف الفئات الهشة باللقاح المضاد لها، حتى لا يكون وقع المرضين وخيما، وهو ما جعلنا نطلب من وزارة الصحة منح الصيادلة صلاحية تلقيح المواطنين بالصيدليات للمساهمة في تطويق الأنفلونزا وتقديم خيارات متعددة للمغاربة للقيام بهذه الخطوة بكل يسر.

o ماذا تقترحون للنهوض بالوضع الصحي في بلادنا بشكل عام؟
n لا بد من الانتقال من النظام الصحي الحالي والقطع معه إلى نموذج جديد يضمن التكفل الناجع والسليم بالمواطنين في أحسن الظروف ويضمن ولوجهم السلس إلى الخدمات الصحية وإلى العلاج، ونفس الأمر بالنسبة للقطاع الصيدلاني إذ من الضروري وبشكل آني ومستعجل إحداث الوكالة الوطنية للأدوية لتجاوز الأعطاب والاختلالات الموجودة على مستوى الحكامة، خاصة وأن المغرب صادق على الوكالة الإفريقية للدواء.


الكاتب : حاوره: وحيد مبارك

  

بتاريخ : 24/09/2020