في ذكرى رحيله العاشرة : الرباط تنثر وردا أكثر في احتفالية محمود درويش

أنا من هناك

أنا مِنْ هُناك. ولي ذكرياتٌ. وُلدْتُ كما تُولدُ الناسُ. لي والدَهْ
وبيتٌ كثيرُ النوافذِ.
لي إخوةٌ. أصدقاءُ. وسِجنٌ بنافذةٍ باردَهْ.
ولي موجةٌ خطفتْها النوارسُ.
لي مَشهدي الخاصُّ.
لي عُشبةٌ زائدَهْ
ولي قمرٌ في أقاصي الكلام، ورِزْقُ الطّيور، وزيتونةٌ خالدَهْ.
مررتُ على الأرض قبلَ مرور السّيوف على جسدٍ حوّلوه إلى مائدَهْ.
أنا من هناك.
أعيدُ السماءَ إلى أمِّها حين تبكي السماءُ على أمّها،
وأبكي لتعرفني غيمةٌ عائدَهْ.
تعلّمتُ كُلَّ كلامٍ يليقُ بمحكمة الدّم كي أكسرَ القاعدهْ.
تعلّمتُ كلَّ الكلام، وفكّكتُهُ كي أركّبَ مُفردةً واحدهْ
هي: الوطنُ…
من ديوان «ورد أقلّ»

 

محمود درويش: الأثر الشعري

 
«طورني القارئ المغربي».
جُملةٌ كافية لوصْفِ طبِيعَة العلاقة الشّعْـريّة والإنْسانيّة التي ربَطت الشّاعِر محْمُود درويش بالمغَاربَة والمغرب. البلدُ الذي أحبّه وتطلّع دومًا إلى مُعانقَتِه والإصْغاء لنبْضِ جُرحِه وقلقِ قصِيدته، فيما درويش، هُو الآخر، كان لا يكُفّ عن التّصريحِ: « أشعر بامْتنانٍ خاصّ لكرم المغرب والمَغاربة، إذ دلّوني على رحَابة لُغتنا و آفاقه، وعلى سِعَة مكانِها و فَضائِها. ودلّونِي على امْتدادِ بِلادِي الصّغيرة بما هيَ أرْضٌ وشعبٌ ومَعْنى وقصيدة، في المكانة الإنسانيّة الرّحبة، فقد عمّقُوا إحْسَاسِي بالمسؤُولية الجمَالية والأخْلاقية إزاءَ علاقَة الشّعر بالواقِع والتّاريخ، واتّجاه مَكْـر الالتْباس الجمِيل بين الشّعر والنّثر، وعلّمُوني كيف أحْتضِن المسَافة كيْ أتأمّل أكْثر وأكتبَ أقلّ».
لم يكُنْ ذلك، قَيْد حياته، فحسْب. فها هُم ثلاثة فنّانين مغاربة، يُبادِلُون صاحِب «ورد أقل» ب « ورد أكثر». يَمُدّون له اليدَ بالمُصافَحة والتّحيّة بعْد الأركانة التي سبق له أنْ نالها، وسعِد بفوزهِ بها سنة 2008 أشْهرا قليلة قبل موْتِه المُفاجِئ…
ثلاثة فنّانين تشْكيليين:عزيز أزغاي، فؤاد شردودي، وعبد الله الهيطوط، اخْتاروا أن «يُطوّرُوا» محمُود درويش، و أنْ ينْظُروا إلى مُنجَزه الشّعري الباذِخ من زاويةٍ مُخْتلفة عن تِلك التي دَرجُوا على النّظر من خلالها للشّاعر ولشِعْره. فقد أثْمـرت قراءتُهم له، واحْتكاكُهم به رؤيةً فنيّةَ وجماليةَ بمقْدُورها أنْ تُغْنيَ شِعْرية درويش وتُضيءَ جوانبَ من مَساره الشّعْـري والإنساني. فعَلى مدى عشرة أيام، اسْتعاد الفنّانُـون الثلاثة، ضِمنَ إقامةٍ فنيّة، الأثر الشِّعـْري لدرويش. الشّاعرُ الذي شغـلَ النّاس ومَلأ الدنيا. الشّاعـرُ الذي لم يَسْتطِع شاعِرٌ آخر، لحَدّ اليوم وبعْد مُضِي عشْر سنوات على رحيلِه، أن يشْغـل مكانتَه الشّعريّة أو يُعوّضَ الغيابَ الذي صار جليّا أنه لا يليقُ به.
خلال الإقامَة الفنيّة، حرصتُ، قدْر المُتاح، على أنْ أكُون مُتابِعًا لسيْر الفكرة التي حلمْنا بها داخل بيت الشعر في المغرب. وقد عاينتُ كيف الفنّانين الثلاثة حرصُوا على اسْتِحْضار درويش ليس من خلال الواقع والوقائع، فهو نفسُه كان يمْقتُ ذلك، بل بالحفْـر في ثنايا وجُوده الشّعْري والحياتي وتقْطير هذا الوجُود عبْر مِصفاةٍ لا تتقدّم فيها القصِيدة ولا القضية، بل مُقتضيات الفن ومُتطلباته الخاصة، دون أنْ نشْعرَ بأيّ توتـّر بين اللوحات الفنيّة التي شكّـلت باقة « ورد أكثر» و بين نصّ الشاعر وقضيّته. فثمّة العديدُ من الوشائج التي يُمكن رصْدُها و الوقوف عليها… تبدُو اللوحاتُ مكتفية بنفسها، قادرةً على قـوْل ما تودُّ هي قولَه، لا ما تراكمَ في ذهْننا وذاكِرتنا عن درويش: القصيدة والقضيّة.
في هذا المعرض، استطاع الفنانُون الثلاثة السّفـر بالنّصّ الشّعري الدرويشي بعيدًا عن المنْشأ الذي انْوجد فيه، أي الكتاب والديوان. وحملُـوه عبر وسائط فنيّة جديدة تقومُ على اللّـوحة، وتسْتعمِلُ التشويش كآليةٍ مُمكنة لإنطاقه وتقويله ما كان يُـضمره بين دفتيْ الديوان.
والواقع أنّه لم يكن مُتاحا لأصحاب «ورد أكثر» أن يقوموا بذلك لولا ملكة الإصغاء العميق لذبذبات هذا النصّ والتفاعل مع ظوَاهره و أسْراره. وهم الذين عـُرف عنهم اشْتغالهم بالشّعـر كتابة وأفقا للعمل الفنّي الصباغي. فكما أن قصيدة درويش اغتنت بخلفيات جمالية وفنية ورؤيوية متعدّدة، تتيح لنا لوحات هذا المعرض سفرا في جغرافيات فنيّة و بصرية لتوسّع لا الأفق الشعري فحسب، بل و المجال الفني و التشكيلي في لحظة تزاوج
لقد نجح الفنانُون الثلاثة، فيما نجَحَ فيه الشّاعر نفسه، أيْ صوْنُ هويّةِ ورسَالةِ الشّعر والفنّ. وذلك في نظري أهمّ تكْريم لمحمود درويش: استعادةُ دوْر الشّاعِر وتقديرُ المسَافة التي يتَعيّنُ عليه أنْ يرْعاها لخلْق الدّهْشة، واسْتِعَادة الحُلم والأمل و بعث كل ما هو جميل و ممتع.
إنّنا في بيْت الشعر في المغرب، بمعيّة شريكِـنا مؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع و التدبير، نشعُر بالكثير من الغِبطة ونحن نضَعُ، في الطريق، هذه الباقة من الورد، عنوانا للفرح و للحياة. وليس إشارة للموت. فقد قهر الشاعر محمود درويش الموت، وها هو بعد عقد من الزمن، يطلّ علينا من قصيدته ليُبلغنا السّلام ويجدّد قولته «لقد طورني قارئي هنا في المغرب، حين صدّقَني فقبل اقْتراحاتي الجمالية المُتواضعة بغضّ النظر عن الإفـراط في التأويل الرّمزي لصُورة الشّاعر».
سلامًا محمود درويش…
شُكرًا لمن وفـر لنا فرصة التحلّق حوله حيّا و ميتا…
سلامًا لصوتك الشّعري المنْذور للجُرح وللوجَع الإنساني البهيّ…
سلامًا لك و أنت ترقدُ هنالك تحت أركانة مغربك.
رئيس بيت الشعر
في المغرب

 

تجربة شعرية
بأفق جمالي مفتوح

 

احتفاءً بالذكرى العاشرة لرحيل الشاعر العربي الكبير محمود درويش(2008/ 2018)، ينظم بيت الشعر في المغرب، بمعية شركائه مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير وكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة محمد الخامس، ندوة «محمود درويش والتجربة الشعرية وآفاقها الجمالية» يومه الاربعاء 28 نونبر 2018 ابتداء من الساعة العاشرة صباحا، بمدرج الشريف الإدريسي بمقر الكلية.
وتتضمن الجلسة الافتتاحية كلمة وزير الثقافة والاتصال؛ كلمة رئيس بيت الشعر في المغرب؛ كلمة عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط؛
يشارك في الجلسة الأولى الأساتذة : علال الحجام، محمد بودويك، أحمد هاشم الريسوني، عبد السلام المساوي، محمد العناز.
ثم في الجلسة الثانية في الساعة الثالثة بعد الزوال ويشارك فيها الأساتذة : خالد بلقاسم، محمد أيت لعميم، بنعيسى بوحمالة، عبد العزيز بومسهولي، حسن مخافي.
وتختتم الاحتفالية في الساعة السادسة مساء برواق الفنون التابع للمؤسسة، حسان الرباط ، حيث ينظم بيت الشعر في المغرب بشراكة مع مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير افتتاح معرض «ورد أكثر» للفنانين التشكيليين عزيز أزغاي، عبد الله الهيطوط، وفؤاد شردودي والذي يستمر المعرض إلى غاية يوم 12 يناير2019 .
جدير بالذكر أن احتفالية « محمود درويش في الرباط « تتعزز بصدور عدد خاص من مجلة «البيت» عن الشّاعر الراحل بمشاركة نخبة من الكتاب المغاربة والعرب.


الكاتب : مراد القادري

  

بتاريخ : 28/11/2018