في ذكرى غيابها الثالث: ثريا جبران: 3 سنوات على رحيل «امرأة غاضبة» من «الجنرال»

 

(24 غشت2020-24 غشت 2023)، ثلاث سنوات إذن مرت على رحيل «امرأة غاضبة» ، من «الجنرال» بعد أن رأت «الشمس تحتضر» ورافقت «طير الليل» في رحلته البعيدة. إنها أيقونة المسرح المغربي « ثريا جبران»، الفنانة والوزيرة والإنسانة قبل كل شيء.. التي آمنت بالكلمة سلاحا، وبأن «شفاه الصمت» لا تقود إلا للـ»العطش» والعيش في زمن «الزفت»، فظلت صوتا هادرا على الخشبة رغم كل ما اعترض «عود الورد» من أشواك الطريق، باحثة في كل عمل جديد عن تقديم مادة مسرحية حديثة ومنغرسة في صلب التربة المجتمعية والسياسية المغربية، وباحثة عن غد جميل ظلت تصرخ من أجله طويلا «امتى نبداو؟»
في اتصال لنا بالفاعل المسرحي والثقافي ورئيس الإئتلاف المغربي للثقافة والفنون سابقا،  حسن النفالي، حول عطاءات الراحلة ومسارها، صرح هذا الأخير بأن الذكرى الثالثة لرحيل أيقونة وفقيدة المسرح المغربي والثقافة والفن المغربي ثريا جبران، هي مناسبة «للوقوف وقفة وفاء واسترجاع لما قامت به هذه السيدة من خلال مسيرتها الفنية التي تجاوزت 50 سنة كفنانة وكمسؤولة وكإنسانة وكمواطنة. ثريا لا يمكن اختزال تاريخها ومسارها الفني والإنسانيفي هذه العجالة، فقد كانت فنانة كل المغاربة الذين أحبوها فوق الخشبة أو في الشاشة الصغيرة والكبيرة. هي التي لم تتخل عن أحد، سواء من عائلتها المقربة أو عائلتها الفنية، حيث كان تخدم الجميع بكل تفان ومحبة».
من جانب آخر، يضيف النفالي « ثريا المسؤولة التي قضت سنتين ونصف كوزيرة للثقافة، سعت إلى خدمة المثقفين والمبدعين بصفة خاصة وخدمة الثقافة المغربية بصفة عامة. إذ رأت مجموعة من المشاريع النور في هذه الفترة نذكر منها إصدار بطاقة الفنان، إحداث التعاضدية الوطنية للفنانين، تطوير المعرض الدولي للنشر والكتابـ ، إحداث المكتبة الوطنية للمملكة».
وأضاف النفالي «هذه هي ثريا كما يعرفها الجميع وكما يحبها الجميع وكعربون على هذا الحب فكرنا نحن مجموعة من أصدقاء الراحلة: حسن نجمي، عبد الجبار خمران ، محمد بهجاجي وأنا ، في الاحتفاء بذكراها والتخليد لمسيرتها عبر إصدار كتاب يجمع عددا من الشهادات (115 شهادة) ما بين شهادات ودراسات ومقالات لمبدعين وأصدقاء ومسؤولين سياسيين وفنانين مغاربة وعرب، بعنوان» ثريا جبران الأيقونة» والذي تم تقديمه خلال فعاليات الدورة 28 للمعرض الدولي للكتاب بالرباط هذه السنة.
هذه الشهادات عبرت عن علاقة أصحابها مع الراحلة ولهذا نجد فيها زوايا نظر مختلفة. وسيقف قارئ هذا الكتاب هذا الاختلاف الذي يغني، ولاشك، تجربة الراحلة ثريا جبران، وسيكتشف أن هناك مناطق ظلال عديدة لم يكن يعرفها في حياة الراحلة.
الكتاب أيضا سيبقى للأجيال القادة للتعرف على هذه المرأة الاستثنائية وما كانت تتمتع به من خصال إنسانية رفيعة، وهو التفاتة نعتبرها بسيطة جدا في حقها بعد أن فقدنا فيها الإنساسة والفنانة والمسؤولة التي وهبت حياتها للمسرح والفن بكل الحب والتضحية الواجبين».
يحتوي الكتاب أيضا على 300 صورة من الأرشيف الشخصي والعائلي للفنانة الراحلة، الذي يؤرخ لفترات مميزة من حياتها المهنية والشخصية.  وهو من إصدارات سنة 2023 عن منشورات وزارة الشباب والثقافة والتواصل (مطبعة دار المناهل).
وقد سهر على إنجاز هذا الإصدار الجماعي فريق فني متنوع، كالفنان التشكيلي عبد الله الحريري، والشاعر نجيب خداري، والكاتب محمد بهجاجي، والاعلامي حسن نجمي، والمسرحي حسن النفالي، و المخرج المسرحي عبد الجبار خمران.
ولأن الكتاب لم ينل حظه بعد من التداول والاحتفاء بتجربة الراحلة، فقد تمت برمجة لقاءات عديدة مستقبلا من أجل التعريف به وبسط مضامينه لعل أولها سيعقد بمدينة الدار البيضاء نهاية شتنبر المقبل.
من جهة أخرى المخرج المسرحي عبد الجبار خمران أن تجربة الراحلة ثريا جبران الفنية وبعد أعمال فنية عديدة اكتسبت خلالها تراكماً حِرفياً صلباً أساسه موهبتها، وسَقَفه ما تتمتع به شخصيتها من عمق إنساني نبيل، ستشهد منعطفاً مسرحياً نوعياً عبر لقائها بمخرج موهوب ومتحمس سيصير رفيق درب حياتها، هو المخرج المسرحي عبد الواحد عوزري، حيث أسسا معاً عام 1987 فرقة «مسرح اليوم» التي ستطبع المشهد المسرحي المغربي المعاصر بطابع حداثي أساسه التجريب الجمالي والبحث المعرفي واستقصاء شكل مسرحي ضالته الابتكار والتجديد في مختلف مكوناته وعناصر الدراماتورجيا من نص وإخراج وبناء درامي وسينوغرافيا وتشخيص…
حصلت الراحلة ثريا جبران على العديد من الجوائز والتكريمات والاستحقاقات، أبرزها وسام الاستحقاق الوطني، ووسام الجمهورية الفرنسية للفنون والآداب… واختارت «الهيئة العربية للمسرح» الراحلة ثريا جبران لكتابة رسالة اليوم العربي للمسرح عام 2013، وسجلتها بالصوت والصورة من على سرير المستشفى يومها… ومما جاء في رسالتها آنذاك: «منَحْتُ العُمْر للمسرح. ما قضيتُه من سنواتٍ على الخشبات، وفي المسارح المغربية والعَرَبية والأجنبية، أكثر مما قضيتُه في بيتي وبين أفراد أُسْرتي الصغيرة. اتَّخذتُ المسرح مَسْكَناً وأهل المسرح أَهلاً، وتهْتُ طويلاً في النصوصِ والشخوصِ والأَقْنِعَة والأحلام والخيال. وكانت سعادتي في كل عملٍ جديد، وكان الفرحُ يتَجدَّدُ مع كلِّ لقاء جديد. وطبعاً، كان هناك الكثيرُ من الألم في طريقي».


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 26/08/2023