في ذكرى وفاة الرايس الملتزم أجحود الحاج محمد البنسير أجحود، القلب النابض لوطنه ومواطنيه

 

ينتمي المرحوم الرايس أجحود الحاج محمد البنسير إلى أسرة فقيرة، ازداد سنة 1937 بقرية تامسولت إحدى قرى الأطلس الكبير، ودخل الكتاب على عادة أهل المنطقة، أضف إليها واقع البيئة الاجتماعي والديني الذي أثر على تكوينه كما ساهمت أغاني ورقصات أحواش في المرقص وأغاني الجيل الأول من الروايس أمثال الحاج بلعيد وبوبكر أزعريي وبوبكر انشاد وغيرهم في تكوينه الفني المبكر .
ولكون قريته كباقي القرى تتخذ الرقص والغناء وسائل تعبيرية للتعبير عن المعاناة المريرة اليومية، فقد اندمج فيها وأخذ يتحاور وشعراء منطقته، بعد هذا أتقن آلة الرباب واستهوته فن تيرويسا كهاو فمحترف حيث قال في إحدى أعانيه :
نكارايس زنزاغ ئواليون س-لمال
صرت فنانا محترفا لفن تيرويسا أبيع الكلمات بالمال
هنا تتجلى صراحته منذ البداية.
للمزيد من الاطلاع على حياته يمكن الاطلاع على الديوان الأول الذي أصدرته معربا في طبعته السادسة سنة 2022.
في ذكرى وفاته هاته أريد فقط أن أضع نماذج من أغانيه معربة ليطلع القراء على الدور الإعلامي التوعوي والحقوقي والسياسي الذي قام به في حياته وتقوم به أغانيه بعد وفاته.
نماذج من قصائده المغناة
في قصيدته الوحدة الترابية المعنونة بعنوان :
إسبانيا لابدا ترحل غ-لماكان
جاء فيها :
لماليك اخطب الشعب ئساسند نان
إسبانيا لابد ءاترحل غ-لملك نغ
لحوكم نون ءالا هاي ئصرصا فلاغ
ءاطوز ومت ن-صحراء ءاغ نيت ئموس لخوف
ئنا ياسن ءوكليد ءاتحيلم ءاترحلم
ءاتيني تنام ءوهو راءا يخشن واوال…
القصيدة طويلة مدونة في مؤلف الوحدة الترابية في الشعر المغربي الأمازيغي جاء هذه الفقرة ما تعريبه :
خطب الملك على الشعب المغربي مصرحا بأن على إسبانيا أن تغادر صحراءنا تنفيذا للحكم الصادر من محكمة لاهاي المنصف لنا وأضاف الشاعر البنسير قائلا ما تعريبه : عم الخوف وسط الصحراء وأمر الملك بأن يستعد المحتل لمغادرتها طوعا أو كرها وإذ رفضتم سيكون الكلام سيئا…
كما تناول المرحوم أجحود الحاج محمد البنسير الفوارق الطبقية شعرا ولحنا رائعا وحنجرة موصلة قائلا :
ئلاكراءر ءاقرس ايزيمر زود لعيد
ءوراد سون ءاتاي ءاركيغ إيترس لوز
تيلي توايا مات ئسنوان تاويتيد
ييلي كرانتا خيزوكا ءاغ ئفرد
ئغ ئسوا ءازكيف ئتياقن س-لواحيد
جاء في هذه الفقرة ما تعريبه :
هناك من يذبح الخروف كأنه في يوم عيد
لا يشرب الشاي إلا إذا وضع اللوز بجانبه
ولديه خادمة تطبخه وتحمله له، وهناك من لا يأكل غير الجزر
إذا شرب الحريرة يحمد الله ويستعد للعمل
واحد أكل الخروف وشرب الشاي واللوز، وبجانبه ثان ينهش الجزر
أظن أن الصورة لا تحتاج إلى تعليق ويشكل هذا الأسلوب شكلا ومضمونا ميزة فناننا الدمسيري وفي نفس الوقت مصدر شعبيته حيا وميتا حيا.
وفي قصيدته المغناة : ما منك راد سكرغ ؟ ماذا أفعل ؟ نقتطف الآتي :
ما منك راد سكرغ اتتوب ءولا ءاد ءوريغ ؟
يان ئفكان ءاضر إتا كانت أوكان ءاضارنس
ئغ ئنجم غ-ءوسنان رات ئش ءوبنكال
جاء في هذه الأبيات ما تعريبها :
ما الذي سأفعله لأعود إلى الطريق تائبا ؟
مع العلم أن من أراد السير في الغاب راجلا، إذا لم تخدشه شوكة حادة
ستلذغه أفعى جد سامة
وأضاف في نفس القصيدة مجسدا النفاق الاجتماعي قائلا :
… مامنك راءانامن غ-ءوضبيب ءولا ءاكرام ؟
ئغاغ ياغ كرا دوغ سرس ءايي داوان
ئنا لكارو لي تكميت ئضراك
ءولا شراب نتان ءارت ئساجنب ناغ
يقول الدمسيري في هذه الأبيات ما تعريبها :
كيف أستطيع أن أضع ثقتي في الطبيب وفي “ءاكرام” المرابط ؟
إذا ذهبت لأي منهما طلبــــا للعـــلاج من الأمراض التي أعاني منها يكون جوابه التلقائي : إن السيجارة التي تدخنها مضرة بصحتك، والخمرة التي تحتسيها ستفتك بذاكرتك، وفي نفس الوقت الذي يسدي إلي فيها النصح يدخن السيجارة تلو الأخرى ويحتسي الخمرة لدرجة الإدمان، تساؤل وإجابة عن ألف حالة وحالة اجتماعية ودينية وسياسية وغيرها يعيشها كل منا ويشاهدها في حياته اليومية وعبر عنها الراحل أجحود الحاج محمد الدمسيري أصالة عن نفسه ونيابة عن مجتمعه المحلي والوطني والإنساني.
فقط نماذج جد قليلة من ديوانه الذي أصدرناه سنة 1993 تحت عنوان الرايس الحاج محمد الدمسيري، شهادات وقصائد مختارة من أغانيه، ولمكانته لدى جمهوره العريض أصدرنا الطبعة السادسة سنة 2022 والفقيد بحاجة إلى مؤسسة من الجهات المسؤولة من وزارة الثقافة ومن محبيه، إضافة إلى دور الجهات والمجالس الإقليمية والجماعات وتدوين العشرات بل المآت القصائد التي سجلها قبل رحيله، إنها في نظري ثروة فكرية وطنية لا تعوض.
وما قلته عن الراحل الدمسيري أقوله عن روائع الشاعر الرايس بيزوران سعيد أشتوك الذي أسس ابنه الدكتور محمد بيزوران مؤسسته في قريته بحضور العديد من أفراد أسرته ومن فعاليات ثقافية وحقوقية وفنية نتمنى لها النجاح وبالتالي تكوين لجن وطنية وجهوية للجمع والتدوين وتأسيس معاهد جهوية لتدرس فيها فنون كل جهة شمالا وجنوبا شرقا وغربا مع التأكيد على الجمع والتدوين طبعا هناك دراسات جامعية في هذه الكلية وتلك بجاحة إلى طبع الجيد منها ليستفيد منها لجيل الحاضر والأجيال المقبلة.
الموضوع بجاحة إلى ندوات وإلى مناظرة وطنية.
ما أكثر لقاءات الرايس البنسير وجمهوره في أرض الغربة ودائما يحثهم على عدم نسيان وطنهم المغرب وهذا ما نلمسه في فقرة من قصيدته المعنونة بعنوان : ءورنساخ اباريز – لن نسامح باريز، مدونة في مؤلف : الهجرة والاغتراب في الشعر المغربي الأمازيغي لمؤلفه م م صدر سنة 2011 جاء في آخر القصيدة قوله :
… المغاربا راكن داغ نوصا س-ئميناغ
ما غات ف-لمحابا ءولا كما أتيفاق
كويان كيتون ءادور ئتو غين غيلول
كويان كيتون ءادور ناكرن ءاراونس
وانا ءور ئطافن دارسن مانيت ئران
لخاريج هان ءور ئدوم ئرا ءاتاك نفوغ
وانا ءور ئطافن دارسن مانيت ئران
مقارا نساخ – تمازيرت ئنو غار ءامان
ئوفن تيني د-لوز ن-سويس ءولا ءاليمان…
يقول الدمسيري في هذه الفقرة الشعرية المغناة :
أوصيكم أيها المغاربة بلساني دافعوا على وحدتكم لا تنسوا وطنكم وأبناءكم، من لا وطن له ما الوطن الذي سيقبله مواطنا ؟ المهجر لن يكون وطنا لكم لابد أن يأتي يوم تعودون فيه إلى وطنكم … لو لم أجد في وطني غير الماء يقول الدمسيري أفضل إلي من التمر واللوز في سويسرا أو ألمانيا ويعني بهما خارج الوطن وطلبا من الخالق أن يجعل رزقه في وطنه المغرب إلى حين وفاته وقد تحققت أمنيته عاش وتوفي ودفن في وطنه المغرب الذي أحبه لدرجة التقديس، هذا هو الفنان الشعبي الأصيل تخرج من الجامعة الشعبية وتقلد فيها مهنة التدريس إلى أن وافاه الأجل المحتوم بتاريخ 11/11/1989 رحمة الله عليه.


الكاتب : محمد مستاوي

  

بتاريخ : 22/11/2023