في رثاء الشاعر والإعلامي العراقي الراحل فراس عبد المجيد الرشيد :كان يعتبر عمله شكلا من أشكال العبادة

في هذه البناية المهجورة بزنقة اللاووس –الرباط، والتي كانت تحتضن يوميتي الميثاق الوطني بالعربية ،والمغرب بالفرنسية .وفي نفس الوقت، كان يوجد بها المقر المركزي لحزب التجمع الوطني للأحرار ، وكذلك مطبعة ميثاق المغرب؛
في الطابق الثاني، بدأت مسيرتي الإعلامية. عندما دخلت هذه المؤسسة لأول مرة، استقبلني المدير المسؤول عن الجريدتين الراحل مصطفى اليزناسني ، وبوشعيب الضبار أطال الله في عمره ،وكان يشغل منصب رئيس التحرير. شعرت بهيبة اللحظة .كان كلام اليزناسني محفزا ومشجعا ، وضامنا لهامش واسع من الأمل .
وللتاريخ، تعامل معي كل الزملاء والزميلات- على قلتهن- بكثير من التقدير واحتضنوني بدفء إنساني نادر .كان من بينهم الزملاء نعيمة فراح والناقد السينمائي أحمد بوغابة وبوشعيب الضبار ومحمد أوجار وعبد الحكيم بديع والطاهر الطويل وأمين عبدالله الصحافي العراقي ومواطنه الذي ودعنا قبل يومين فراس عبد المجيد حليم الأزمي ومحمدالاحسايني والكاوزي حسن لمغور تغمدهم الله جميعا بواسع رحمته والقائمة طويلة . أريد هنا أن أتوقف عند بشكل خاص عند الشاعر والإعلامي والفنان التشكيلي الراحل فراس عبد المجيد الراشد .الذي قدم الشيء الكثير للمبدعين الشباب . وسهر بشغف نادر وحرص حرصا شديدا ،على أن يجعل من صفحة ميثاق الشباب مساحة لتفجير طاقات، واكتشاف مواهب وتشجيع أقلام واعدة . كان يشرف على الصفحة من البداية حتى النهاية، ويختار الرسوم الملائمة، حتى تتضاعف دلالة النصوص، وتصير أكثر جاذبية . أستحضر هيبته ووقاره وخجله وتواضعه وابتساماته وانفعالاته .كان يعتبر عمله شكلا من أشكال العبادة. كان يتفانى ويضحي وينصت ويتفاعل، ويقرأ الرسائل التي كانت ترد على الصفحة بالعشرات. وكان يستقبل بعض الزوار من الشباب وغيرهم، لا متبرما ولا منزعجا.
مؤهلاته وحسه الإبداعي وبعده الإنساني جعلت منه مربيا وموجها ومرشدا وبوصلة اهتدى بها جيل من المبدعات والمبدعين سرعان ما أثبتوا مصداقيتهم وعلو كعبهم . خارج الجريدة غالبا ما كنا وزملاء آخرين نذرع شارع محمد الخامس ونقطعه من أقصاه إلى أقصاه .كنا نحكي عن يومياتنا عن الصحافة والأدب وقضايا مختلفة.
شاءت الظروف والسياقات أن ألتحق بالقناة الثانية . لكن رغم تعب السفر اليومي الى الدار البيضاء ، فضلت أن اسكن في الرباط وتبعا لذلك كنا نلتقي من حين لآخر . وحتى عندما غادر المغرب واستقر في بغداد حرصت على التواصل والتفاعل معه عبر الفيسبوك، والاتصال بنجله شمس كلما أتيحت الفرصة لأطمئن على صحته.
خلال شهر رمضان وتقديرا وإنصافا للراحل فراس عبد المجيد، اقترحت على الصحافية ياسمين دروري التي تعد برنامج «مروا من هنا» أن تخصص حلقة لاستحضار مراحل من حياته في المغرب ومحطات من مساره المهني ومسيرته الإبداعية. بل كنت قد فكرت حتى في قائمة المتدخلين . وفعلا اتصلت بنجله لأضعه في الصورة . وباشرت الصحافية ياسمين دروري الخطوات الأولى .فاتصلت في المرة الأولى لأخذ الموافقة المبدئية وكذلك حصل . وعندما اتصلت به للمرة الثانية طلب منها التأجيل إلى حين إجراء عملية جراحية والشفاء منها .ومازحها قائلا: حتى الجنرال سيشارك في الحلقة، في إشارة إلى زوجته. لكن شاءت الأقدار أن يرحل الشاعر والإعلامي العراقي المغربي الهوى دون أن يتحقق ما فكرت فيه كهدية رمزية لشخصه، وكعرفان بما قدمه من تضحيات من أجل الأخذ بيد المبدعات والمبدعين الشباب المغاربة . فلترقد روحه في سلام وطمأنينة .


الكاتب : عبد الصمد بنشريف

  

بتاريخ : 24/06/2024