في شهادات حول الراحلة..ستظل نعيمة سميح الصوت الأقوى والأجمل في تاريخ الأغنية المغربية

غيب الموت الفنانة الكبيرة والقديرة نعيمة سميح، مخلفا حزنا كبيرا لدى المغاربة بصفة خاصة والعالم العربي بصفة عامة، وأجمعت بعض الشهادات التي تم نشرها ضمن منشورات سفارة المملكة المغربية بتونس في كتاب بعنوان : « نعيمة سميح أثرا تونسيا « على ثراء تجربة نعيمة سميح وتميزها.
وفي شهادة عمر أوشن بعنوان : «ليلة غنت نعيمة سميح للمعتقلين السياسيين «ياك أجرحي»»، جاء فيها: «كان المغرب في بداية السبعينيات نهرا تجري مياهه في كل الاتجاهات والتجاذبات. وكانت وتيرة الاحتداد والمواجهة بين المعارضة والحكم تزداد وتتعمق، وخلال هذه الفترة عاشت البلاد انقلابين عسكريين فاشلين يوليوز 71 وتلاه انقلاب في غشت 72 ..
من اللقطات التي ستبقى راسخة صورة الملك والفنانة.. وهي الصورة التي ما زالت تتداول في كل المناسبات ويبدو فيها الملك الحسن الثاني في حفل زفاف ابنته الأميرة للا مريم في فاس يمسك بيد نعيمة سميح وهي تنزل درجا …
أتذكر أنني أول مرة سألتقي بها كان قبل عشرين سنة تقريبا في نادي على ضفاف نهر أبي رقراق، وكانت المناسبة من فكرة وإعداد وإخراج الصديقة فاطمة الزهراء صلاح المستشارة والذراع الإعلامي الناعم في السفارة الأمريكية آنذاك ..
وجدنا أنفسنا ذات مساء في قاعة مع نعيمة سميح في حفل سمي «كان وأخواتها» بحضور عبد القادر الشاوي المعتقل السياسي السابق والروائي ومجموعة من المعتقلين من اليسار في السجن المركزي ..
ستغني الأغنية المحبوبة التي عشقها الشاوي ورفاقه في السجن: ياك أجرحي.. ويرافقها بالعود رشيد برومي وذكريات من عبروا المعتقل تخترقها دموع تخجل من كبريائها ومن أجواء اللحظة…
كان من حق سكان السجن المركزي أن يشاهدوا نعيمة سميح في القناة الأولى، وكانت لهم حقوق أخرى راكموها بعد نضال لتحسين أوضاعهم في المعتقل…»
وكتب عبد الرحيم الخصار: «نعيمة سميح سيّدة الطرب المغربي: الأصواتُ العظيمة فريدة جدا، والكاريزما هي العملة النادرة. أما حين يرفع الصوتُ الشجنَ إلى مقام اللذة، جارفًا معه الحنينَ والحب والفرحَ والألم، فتلك حالة لا يصل إليها إلا الذين وهبتهم السماء أسرارها. نعيمة سميح صوتُ الأصوات في أرض المغرب وسمائه، صوتُ عميق في التاريخ، وشاسع في الجغرافيا. كأنه يجري مع أنهار البلاد، ويسري مع نسيمها، يهطل مع الثلج والمطر، ويتناغم مع تغاريد الطيور في أعشاشها. صوت عميق وواضح وصادق. إنه الصوت الذي يشبهنا ويقولُنا ويترجم ما يعتمل بدواخلنا، الصوت الذي يحافظ على سطوته سواء وهو ينبعث من قصر أو ينساب من مذياع صغير في بيتٍ بالحيّ القديم. الصوتُ الذي نتبعه بحثا عن فرحٍ مستعاد، وعن بهجةٍ تصير مع السيدة نعيمة سميح غيرَ مستحيلة.
تملك نعيمة سميح صوتا فريدا، يتميز بتلك البحّة الخاصة بها، والتي تجعل المستمع يتعرّف عليها من أول جملة. كما تملك قدرة رهيبة على تمثّل المعنى، فيحسّ المتلقي بصدق الجملة الشعرية التي يتناغم مضمونها مع طريقة الأداء. فتلك التموجات الصوتية التي تصاحب نبرة الشجن عند نعيمة سميح كفيلة بأن تجعل الحمولة الدلالية للجملة أو للمقطع الغنائي تقع عند المتلقي موقعا عميقا ومؤثرا.
حتى في أغانيها الحزينة كانت تبعث البهجة في الكلمات. تكاد تكون أغنية «ياك أجرحي» هي أشهر عمل فني أدته في حياتها، حفظه محبوها وأعاد غناءَه الكثيرُ من المطربين المغاربة والعرب. وثمة سبب جعل هذه الأغنية التراجيدية بالذات تقع موقعا وجدانيا خاصا لدى عشاق نعيمة سميح، فقد تزامنت إذاعة الأغنية مع فترة مرض سميح ولزومها الفراش إثر إصابتها بفقر الدم. تحكي الأغنية عن التعب من الحياة والشعور بالوهن ولوعة الفراق واعتبار الحب هو الدواء الوحيد للمرض. لذلك ظنّ محبّوها أن الأغنية تصف حالتها. وقد تعمّق لديهم الشعور بالتعاطف مع مطربتهم وبالتالي ترسيخ مكانة أغنيتها تلك.
ستظل نعيمة سميح الصوت الأقوى والأجمل في تاريخ الأغنية المغربية، وستظل الاسم الأشهر والاسم الأقرب إلى قلوب المغاربة. فإذا كانت أم كلثوم هي كوكب الغناء في المشرق العربي فإن نعيمة سميح هي كوكب المغرب».
وفي شهادة محمد سعد برغل : نعيمة سميح، سيرة الآتي: « أغمض عينيّ أنا الكهل الذي خبر من الأيّام مرّها قبل حلوها ومن الزمان تصاريفه البهية والأليمة، أنا المتنقّل من جنوب البلد إلى ساحله، أنا المتحوّل من الريفيّ الموغل في الفلاحة وفنون الحراثة ورعي الماشية إلى الجوّال عبر مطارات المدن شرقا وغربا، أنا المتسربل بصوت لا يمكن أن أنساه يوما، بصوت رافقني مسافات طوال صبيّا ينتقل للحرث، سنوات ينتقل للزرع وسنوات ينطلق للرعي.
نعيمة سميح، ما كنت أعرف عنها معلومة عندما بدأت الاستماع إليها بالإذاعة الوطنية التونسية سنوات مراهقتي الأولى، كان صوتها الملائكيّ الباحث عن الحريّة في نظري يأتي مفعما بالشوق والحنين، بدأت علاقتي بهذا الصوت بلا ملامح تتوطّد يوميا وكانت وسيلتي الوحيدة إليه هو المذياع، فنّانة زمن البهاء دفعتني إلى إدمان الراديو استماعا، كنت مهوسا بالبحث والتنقل بين المحطات الإذاعيّة الممكنة، لا أبحث عن سواها صوتا، بالجمهورية التونسية أبحث في برامج الإذاعة الوطنية وإذاعة صفاقس إن لم تنخني الذّاكرة، وحضرت معي كل أغانيها طوال مسيرتي الإعلامية لاحقا.
حملني البحث في صوت مغربي متألق إلى الاهتزاز طربا كلما عثرت على صوتها، كنت أحمل مذياعي الصغير بجيبي حتى لا تفلت منّي فرصة استماع إن صادف وبرمج المنشطون تلك الرائعة، كنت بالسر أعشق صوتها وكنت بالجهر أدندن كلماتها وكنت بالقلب أغمض الشغاف تسيّجني كلماتها وكنت بالعلن أبتسم مزهوا بحفظ أغاني نعيمة سميح.
نعيمة سميح شكرا فقد دفعتني مراهقا إلى حبّ المغرب غناء، وإلى حبّ المغرب شابّا وإلى الهوس بزيارة المغرب كهلا، أتجول بالدار البيضاء اسمع» جاري يا جاري» وبمراكش فيتناهى صوتك» يا كا جرحي» وأتفسّح بالقنيطرة وأدندن» غاب عني الهلال»، وسأترنّم كلما اجتزت بوابة مطار تونس قرطاج في اتجاه الأحباب بالمغرب» نحمدوا ربي ونشكروه».
وفي قصيدة زجلية للزجال أحمد لمْسِـيَّـح بعنوان: هكذا تكلمت نعيمة
صبرومعايا ، ف الغْـنا لقيت هبالي
وفي وقت الضيم ، له يهزني حالي
ولمّـا ظلامت ، كِ شي نور جا لي
ويلا ضاقت ، فيه نلقى راحة بالي
ويذاسمعتو وعجبكم نشادي ومَوّالي
لا تحسبو خاطري مرتاحة وبالي هاني .
حتى فرحي مجروح وجرحو طال
من حر اللّـيعة صوتي حادا لجبال
قطَع بين البحور وركبت به المحال
طاف الدنيا و بين ليّام ساح وجال
دمعة وبسمة ، ديما حال واحوال
وفي رسالة الفنان صابر الرباعي إلى صاحبة الصوت الشجي: «منذ نعومة أظافري، وبداياتي في الغناء ضمن المدارس وأنا أستمع إلى من اخترق صوتها قلوب كل المستمعين، وتخطى إحساسها كل حدود الكون، عابرا المشاعر وإحساس كل من استمع إلى غنائها وشدوها بأعذب الألحان وأرقى الكلمات، هي «نعيمة» التي ذاع صيتها وسكنت قلوب محبيها لا بالصوت فقط، بل بإنسانيتها وبساطة معاملاتها، ما مكنها من التربع على عرش الطرب العربي عموما، وبالمغرب خصوصا.
من منا لا يعرف أغنية «ياك أجرحي» وغيرها الكثير، هذه الأغنية الرائعة التي جاءت لتعزز مكانة فنانتنا «نعيمة سميح» من ضمن عمالقة الفن العربي.
صوت فريد لن يتكرر، إحساس عميق ليس بعده عمق، وحضور لافت مع ابتسامة مشرقة وجذابة، على مختلف المسارح العربية والعالمية.
كلمات نابعة من قلب محب وعاشق لصوت «نعيمة سميح» لن توفيها حقها مهما تكلمنا عنها.
دمت لنا سيدة من سيدات الطرب العربي ننهل من تجربتك الفنية ومسار نجاحاتك التي هي بمثابة نبراس يضيء لنا طريقنا وكريق كل من يريد أن يرسم لنفسه خطوات للنجاح الدائم».


بتاريخ : 10/03/2025