في ظلال أرز إفران* عاهل حيوي نشيط 04-

 

 

ضباط من الحرس الملكي، في زيهم المكسو بالنياشين، يخرجون بدورهم، في رفقة شاب حيوي وحازم، يرتدي سترة ذات لون بني.
تسبقه همهمة: “الملك”؛ وهي همهمة تسري من أسفل الدرج حتى الساحة؛ الحرس والخدم و”المخازنية”، في جلابيب بيضاء وبطرابيش حمراء وبلغات بنية، يحيون بهذا الشكل ظهور الملك ويعلنون مقدمه واقترابه.
يومئ إلي مدير التشريفات أن الحق به كي نلحق الملك. نزلنا مراقي تكسوها زرابي من المخمل الأخضر. توقف الملك في ساحة الرئاسة لتحية مساعديه؛ فقدمني له مدير التشريفات. صافحني جلالته بحرارة، ثم ذهب راجلا ومسرعا، عبر الممرات الفسيحة المتتالية. لقد سبقنا كي يستقبل جماعة من الرعايا في جلابيب بيضاء، كانت تنتظر في الساحة أملا في لقاء قد يستغرق وقتا طويلا لو تم داخل مكتب. وعوض صرفها، أصغى لها الحسن الثاني أمام البوابة الكبرى للقصر، متحاشيا صيغ التأدب والإجلال والثرثرة، متخذا في رمشة عين القرارات اللازمة لحل بعض المشاكل من طينة ما يتطلب ساعات ذوات العدد. إن الملك، في منظور الأعيان الوافدين من الفجاج النائية، هو القائد الأعلى الذي يعتبر رأيه حاسما في الأمور العظيمة والعويصة؛ إنه أب الأمة الذي يستجار به التماسا للمساعدة حين لا نعود نعرف أي ولي نقصد.
تم اقتيادي نحو مكتب اشتغال الملك أنى أجريت محادثة  مفيدة مع الوزير بلافريج والدكتور الفيلالي مدير التشريفات.
كنت قد عدت من مصر. ونشرت كتابا عنوانه: جمال عبد الناصر ورجاله- رفاق الكفاح في سنوات المواجهة(*). وكان المغاربة مهتمين بمسار ومآل الأمور في الجمهورية العربية المتحدة، العضو في كتلة الدول الإفريقية التي تسمى: كتلة الدار البيضاء.
عرضت منجزات الحكومة الثورية في الجمهورية العربية المتحدة. ونبهت مع ذلك إلى الخطر الذي لاح لي ناجحا عن ثقل الإدارة المصرية وبطئها، وهي الإدارة التي تضطلع تدريجيا بالكثير من المهام نتيجة تأميم قطاعات من الاقتصاد الوطني كان يديرها إلى وقت قريب القطاع الخاص. وعبرت عن انشغالي الذي لاحظت بمقتضاه أن الحكومة بالمغرب تحرص على تشجيع المجهود الفردي ولا تقتصر على جعل الدولة تنجز المهام التي تعجز عنها المقاولة الخاصة. وأعتزم، حين عودتي إلى مصر، المقارنة بين التجربتين المنجزتين وفق هذين المنهجين، كي أحدد بموضوعية إيجابيات وسلبيات التأميمات المنجزة في مصر وسورية اللتين يوجد بهما رجال أعمال أكثر فردانية.
غير أننا أخبرنا أن جلالته ألغى لقاءاته وأننا سنذهب للغداء؛ فالتحقنا بالملك في الساحة العجيبة التي تهوي عليها الشمس، والتي تستمد نضارتها من حوض كبير تحيط به شجيرات متفتحة الورود. ها نحن حول المائدة داخل قاعة الأكل الموريسكية أنى وجدنا وزير الإعلام والسياحة السيد أحمد العلوي.
انطلق الحديث حيويا ومباشرا. وإضافة إلى الوزير بلافريج ومدير الديوان الملكي السيد عبد اللطيف الفيلالي، تمت دعوة الدكتور دوبواروكبير، الذي كان طبيب الملك محمد الخامس وصديقه الشخصي. وقبل ذلك ببضعة أيام، كنت قد عبرت لسفير فرنسا عن إعجابي بسمت هذا الطبيب الودود والمتفهم، الذي يعرف المغرب حق المعرفة لأنه زاول فيه مهنته بحرفية لامعة ومتألقة.
وبرغم صبيحة العمل الطويلة، إذ جلسنا إلى مائدة الطعام منذ ساعتين ونصف، ظل العاهل مفعما حيوية ونشاطا.
سيسافر نحو القاهرة التي سيجتمع فيها مع رؤساء دول كتلة الدار البيضاء غداة مؤتمر بلغراد. وكان الحسن الثاني على بينة، عبر مختلف الوزراء، من المشاريع الجارية أو المتحققة منذ الاستقلال. وقد أنجز بصددها وزير الإعلام منشورا جميلا غاصا بالصور البيانية. وحين تصفح هذا المنشور، يتضح أن البلاد صارت ورشة شاسعة لمبادرات عديدة – ليست موجهة أو منظمة دائما- تطمح إلى تشكيل الوجه الجديد لمغرب الاستقلال.

 

 

n ترجمة د. عبد الجليل بن محمد الأزدي


الكاتب : ترجمة د. عبد الجليل بن محمد الأزدي

  

بتاريخ : 19/03/2025