في فقرة «حوار مع..» بالمهرجان الدولي للفيلم.. الممثلة الأسكتلندية تيلدا سوينتون: المخرج الأمريكي لويس أندرسون مخرج حريص على التفاصيل

أكدت الممثلة الأسكتلندية تيلدا سوينتون، التي تعد من الممثلين المبدعين الذين لا يمكن تصنيفهم في خانة واحدة بسبب قدرتهم الخارقة على التفوق على أنفسهم، أنها تعاملت، في مسارها الفني الطويل (شاركت في أكثر من 70 فيلما)، مع مخرجين عالميين أمثال جيم جارموش ودريك جارمان وسالي بوتر و لوكا غوادانينو وجود أباتو وبونغ يون هو وتوني غيلروي وبيلا تار وويس أندرسون؛ وهم مخرجون يكاد يستفرد كل واحد برؤية فنية تختلف عن الآخر، غير أنها تعترف أنها استمتعت مع كل واحد منهم، وقدمت كل ما بوسعها تقديمه، لأنها تجتهد للدخول في الدور حسب ما يطلبه منها كل مخرج.
وقالت سوينتون، التي كانت تتحدث أول أمس الاثنين إلى جمهور المهرجان الدولي للفيلم بمراكش في فقرة «حوار مع..» ، أن المخرج الأمريكي لويس أندرسون، الذي اشتغلت معه في العديد من الأعمال (الوفد الفرنسي، مدينة الكويكب، مملكة طلوع القمر، جزيرة الكلاب، فندق غراند بودابست..إلخ)، يبقى هو المخرج الأكثر تميزا، من وجهة نظرها، في التعامل مع الممثل؛ فهو مخرج حريص على التفاصيل، وعلى الدقة في الأداء على نحو شامل وأكيد. وتابعت أنه يحدث أن تؤدي ما يطلبه منها على هذا النحو أو ذاك، لكنه يصر على إعادة المشهد لإدخال تفصيل صغير يبدو أنه بدون أهمية، لكنه يعيره اهتماما كبيرا ويلح على القيام به حتى لو لم يفهم الممثل سبب ذلك. يتدخل في حركة اليد مثلا وهي تحمل كأسا أو في انفراج القدمين، وفي طريقة المشي.. قد يرى البعض في ذلك غلوا أو مبالغة، أو أن هذا الحرص على الدقة ليس مهما، لكن لويس أندرسون لا يجعل الممثل يرتجل، بل يبحث لديه عما يريده هو من الشخصية كما تخيلها أو درسها.
وأردفت المتحدثة أنها تعتبر كل شخصية في فيلم نموذجًا منفردًا بذاته، وأنها تسعى دائما لأن تقدم من فيلم إلى آخر أدوارا منفردة، أي أنها لا تكرر نفسها، ولا تقبل الأدوار التي تجعلها رهينة نمط واحد من الأدوار، وأن هذا هو التحدي الحقيقي لمهنة الممثل.
وكشفت تيلدا سوينتون أن نجاح المشاريع السينمائية مرهون بإرساء تواصل ناجع بين أطقمها، مستعرضة أبرز المحطات الرئيسية في حياتها المهنية، ومسارات الإبداع السينمائي.، مضيفة أن الفيلم الناجح هو الذي يستطيع أن يخلق عالمه الخاص، ويجبر المتلقي على ترك كل ما عداه، فلا يبقى سوى عالم الفيلم بصرف النظر عن الواقع والخيال.
ولم يفت سوينتون، في لقائها المسائي مع الجمهور، إبداء رؤيتها المتطورة للسينما في سياق دولي يتميز بتنامي تقنية البث المباشر والتكنولوجيات الحديثة وتداعيات أزمة كوفيد التي وضعت الفرد في مواجهة متوترة مع فردانيته، موضحة أن هذا الوباء مكّن من إدراك أهمية التجربة الجماعية التي تقدمها السينما كفرجة، وأيضا كممارسة إنسانية واجتماعية ولحظة لقاء جماعية مع سحر الأفلام، وتأثيرها على الوجدان العام.
وأبرزت الممثلة أنها تهتم «بشكل خاص بالتأطير»، وأن اللقطة في الفيلم «وحدة قائمة الذات»، ولهذا فإن كل شيء موزع في اللقطة، له الأهمية نفسها التي تحظى بها الشخصيات، وهذا ما أطلقت عليه «ديمقراطية اللقطة». لا شيء مجاني في اللقطة، وكل شيء عضوي ويخدم الفيلم في صيرورته ونمو بنائه وتطور حكايته.
إلى ذلك، عرضت أثناء فقرة «حوار مع..»، التي أدارها أندريا بيكار، مقتطفات من الأعمال الفنية البارزة لتيلدا سوينتون مثل «كابريس» والابنة الخالدة» و»أورلاندو»، وهي الأعمال التي وقف الجمهور من خلالها على المسار المهني الحافل والمتعددة للفنانة الأسكتلندية الحازمة والجريئة والمتمردة والمثقفة والملتزمة بالقضايا العادلة والمهتمة بأدق التفاصيل، سواء كانت خلف الكاميرا أو أمامها.
يشار إلى أن تيلدا سوينتون بدأت مسيرتها في فن التمثيل سنة 1985 في فيلم «كارافاجيو» لديريك جارمان، ونتج عن عملهما معا سبعة أفلام سينمائية، منها «آخر إنجلترا» (1987)، و»إدوارد الثاني» (1991)، الذي حازت عنه جائزة أفضل ممثلة بمهرجان البندقية السينمائي الدولي، و»فيتغنشتاين» (1993). كما انتزعت سنة 2008 جائزة «BAFTA» (جائزة الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزة)، فضلا عن جائزة الأوسكار كأفضل ممثلة في دور ثان، مكافأة على أدائها المميز في شريط «مايكل كلايتون» لصاحبه «توني غيلروي».
وفي سنة 2020، حصلت على جائزة الأسد الذهبي بمهرجان البندقية، وجائزة مهرجان لندن السينمائي تقديرا لها عن مجمل أعمالها الفنية، ولعبت مؤخرا دور البطولة في فيلم «ثلاثة آلاف عام من الشوق» (2022) لجورج ميلر، وفي «مدينة الكويكب» (2023) لويس أندرسون، و «القاتل» (2023) لديفيد فينشر. كما سبق لها أن حصلت على اعتراف عالمي أكبر، سنة 1992، عن دورها في فيلم «أورلندو» المستوحى من رواية الكاتبة البريطانية فيرجينا وولف، والذي أخرجه «سالي بوتر». وتمكنت سوينتون من إقامة علاقات عمل وفية مع مخرجين كبار أمثال جيم جارموش: «العشاق فقط يبقون أحياء» (2013) و»الموتى لا يموتون» (2019)، ولوكا غوادانينو: «أموري» (2009) «دفقة كبيرة» (2015) و»تشويق» (2018)، وجوانا هوغ: «التذكار» (في جزأين 2019 و2021)، وبونغ جون هو: «محطم الثلج» (2013) و»أوكجا» (2017). وعملت تيلدا سوينتون أيضا تحت إدارة المخرجة لين رامزيك «نحتاج للتحدث عن كيفين»، (2011) والمخرج المجري الكبير بیلا تار: «رجل من لندن» (2017).
تيلدا سوينتون ممثلة بارعة، ولها قدرات كبيرة تستطيع من خلالها الانتقال بسلاسة عالية من نمط سينمائي إلى آخر، حيث شاركت في فيلم «Dr. Strange» الذي أنتجته استوديوهات «مارفيل»، وظهرت في «إيمي المجنونة/حطام القطار»، وهي كوميديا من إخراج «جود أباتو» وشاركت فيها رفقة «إيمي شومر»، وقد حصد هذا العمل إشادة النقاد. كما أدت الأدوار الرئيسية في أفلام ناجحة عالميا مثل «محطم الثلج» و»أوكجا»، وهما من إخراج «بونغ يون هو».
يشار إلى تيلدا سوينتون ولدت في عائلة عسكرية، وتلقت تعليمها بمدرسة داخلية اسكتلندية، إلى أن التحقت بالجامعة لدراسة العلوم الاجتماعية والسياسية في جامعة كامبريدج، وتخرجت عام 1983، بشهادة في الأدب الإنجليزي.
وخلال فترة وجودها كطالبة، دخلت مرحلة الإنتاج، وشرعت في العمل لموسم واحد في شركة شكسبير الملكية. ثم قررت، بعد ذلك، التمرد على الفنون عندما انتقلت الى الإنتاج، وتصدرت رابطة مهنية بالتعاون مع المخرج التجريبى ديريك جارمان. وقد استمرت في العيش والعمل مع جارمان خلال تسع سنوات أسفرت عن إنتاج سبعة أفلام، وعن تحول صارخ في مسارها الإبداعي، مثل الترشيح لأكبر الجوائز العالمية.
وحين استسلم جارمان لمضاعفات مرض الإيدز عام 1994، ترك رحيله المفاجئ فراغا مدمرا في حياة تيلدا، غير أن مسيرتها الفنية تواصلت، وشاركت في عدد كبير من الأفلام إلى أن أصبحت رقما صعبا في معادلة «تميز الأداء» على المستوى الدولي، وهو ما حقق لها تسابق أكبر المخرجين العالميين على خطب ودها من أجل المشاركة في أعمالهم الفنية، كما مكنها هذا التميز من المشاركة في أفلام تعتبر، إلى حد الآن، من التحف السينمائية العالمية.


الكاتب : سعيد منتسب

  

بتاريخ : 29/11/2023