في لقاء احتضنته كلية الحقوق بالمحمدية حول درس حقوق الإنسان وحرية الإعلام

علي كريمي: كان هناك انفتاح أكثر مع حكومة التناوب من خلال التعديلات التي طالت الحقوق والحريات

 

استضافت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية الأستاذ الجامعي وعضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، علي كريمي ، في موضوع ” تطور درس حقوق الإنسان بالمغرب”.
الأستاذ سليم الورياغلي نائب عميد الكلية المكلف بالبحث العلمي، أكد في كلمة له، أن هذا اللقاء العلمي سيكون متميزا وغنيا بالنسبة للطلبة والباحثين، لمكانة المحاضر الذي يعتبر خبيرا ومتمكنا في مادة حقوق الإنسان بالمغرب.
اللقاء المنظم من قبل إجازة التميز في الدراسات العليا في العلوم السياسية وإجازة التميز في الصحافة القانونية والاقتصادية بكلية الحقوق المحمدية، وبتعاون مع مختبر حقوق الانسان والقانون العام ومختبر الدراسات السياسية والحكامة الترابية،رأى فيه الأستاذ سليم الورياغلي، أنه يأتي في إطار الدينامية التي تعرفها الكلية وانفتاحها على المحيط الخارجي، حتى يتمكن الطلبة الباحثون من الإطلاع والتحصيل واكتساب المهارات، وامتلاك أدوات البحث في شتى المواضيع التي يقدمها الأساتذة الضيوف كل في مجال تخصصه واشتغاله.
الدكتور الأستاذ محمد زين الدين، رئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق المحمدية، أكد أن الدكتور والأستاذ الجامعي وعضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، علي كريمي، قامة علمية تعرف خبايا حقوق الإنسان بكل ما تحمله من مناهج ومقومات كمادة أساسية داخل الحقل القانوني ،و جمع بين التدريس في مجال القانون ومجال الإعلام والإتصال، كما أشرف على تسيير الجمعية المغربية للعلوم السياسية، والتي عرفت خلال هذه المرحلة إشعاعا وطنيا وعلميا بارزا.
وأضاف الأستاذ زين الدين في كلمته، أن الدكتور علي كريمي، زاوج بين التنظير والممارسة الميدانية في مجال حقوق الإنسان، داعيا الطلبة إلى الإستفادة ما أمكن من تجربة المُحاضر، واستخلاص ما سيقدمه من أفكار وخلاصات في مجال تطور حقوق الإنسان بالمغرب.
الدكتور علي كريمي تطرق في مداخلته ،إلى مراحل تطور درس حقوق الإنسان في المغرب، إذ سيحصل في منتصف السبعينيات من القرن الماضي،يقول، الانطلاقة بكلية الحقوق بالدار البيضاء، على يد كل من الأستاذ محمد بناني والأستاذ محمد علي مكوار، ومنذ ذلك الحين، بدأ الاهتمام بهذا الموضوع، ليتم تعميم درس حقوق الإنسان في الجامعات المغربية.
وشدد علي كريمي على أن تدريس هذه المادة كان يقتصر في البداية على الحريات العامة ،ولا تتجاوز المدة ثلاثة أشهر فقط قبل أن تتطور الأشياء على اعتبار أنها تتقاطع مع عدة تخصصات أخرى ،من إعلام وقانون جنائي وإداري ..الخ،موضحا أن فكرة الحريات العامة وحقوق الإنسان خرجت من رحم الفكر السياسي، فلسفة الأنوار، لكن درس حقوق الإنسان يضيف الأستاذ علي كريمي، وإلى حدود منتصف الثمانينات، كان منحصرا في مجال محدود ، ومن ثمة يتساءل المحاضر ،لماذا لم تهتم النخب السياسية والفكرية في المغرب بذلك .
وذكر كريمي بما حدث في معركة إيسلي حيث أصيبت النخبة المغربية آنذاك بالذهول، وتساءلت لماذا تتمرغ الإمبراطورية الشريفة في الوحل متناسية أمجادها من خلال معركة الزلاقة ووادي المخازن ، وقد بدأت البعثات الدبلوماسية المغربية في البحث، ووجدت السر في مبادىء الحرية والمساواة، حيث شرعت هذه البعثات في بعث تقاريرها إلى السلطان منادية بتطبيق هذه المبادئ لعل المغرب يخرج من هذه الشرنقة.
وعاد الدكتور علي كريمي في عرضه إلى التاريخ من خلال رحلة الصفار، وكيف يتم وصف فرنسا التي ستصبح دولة مستعمرة، وكيف يلعب الإعلام دورا مهما في رفع الظلم،مشيرا إلى أن فرنسا أعطت أولية لحرية الرأي والإعلام والاتصال منذ سنة1848 ،لكن هذه الأشياء لم نعطها اهتماما ولم نستحضرها في درسنا الحقوقي.
وذكر الأستاذ كريمي أيضا بلحظة وفاة الحسن الأول ووفاة با احماد سنة 1901،والهجوم الغربي على المغرب، وفرض الإصلاح علينا ،وقد رفع محمد سعيد الخليفي الدكالي الذي كان يشتغل في الخارجية ،مذكرة إصلاحية، يشرح فيها كيف يمكن للمغرب أن يخرج من هذا الوضع، موصيا باعتماد الحريات والمساواة،وغيرها من المذكرات التي ركزت على هذا الأمر، ومن ضمنهم أيضا الحاج علي زنيبر سنة1903 الذي دعا يشكل واضح إلى اعتماد المساواة وحرية الإعلام، إلى غير ذلك من المحطات والمراجل التي كانت المناداة فيها إلى هذا الأمر.
وعرج الأستاذ علي كريمي على سنة1908، التي عرفت تقديم مشروع دستور، تقدم به عدد من النواب والطلبة الذين تخرجوا من جامعة القرويين، حيث نشر هذا المشروع في أربعة أعداد من جريدة لسان المغرب بطنجة ،وقد ورد في هذه الأعداد،مبادىء أساسية، تتعلق بحرية الإعلام والتعبير والمساواة وحقوق ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي ومنع التعذيب.
وأوضح علي كريمي، أن المغرب لم يكن مدركا لما يروج ويحدث على المستوى الدولي، ولم يكن يتوقع أن يبرز إلى العلن مفهوم التدخل الأجنبي باسم الدفاع عن الإنسانية كمبدأ من مبادىء القانون الدولي، حيث سعت القوى الأوربية للتدخل في المغرب من باب الدفاع عن الإنسانية، تزامن ذلك مع حروب العساكر المخزنية التي تهزم متمردي القبائل، فتقطع رؤوس المتمردين، أو ترسلهم إلى قبائلهم حفاة عراة، هذا السلوك وغيره أدى أخيرا إلى فرض الحماية على المغرب سنة1912، حيث بدأ المستعمر بعد سنة1914 في التشريع للحريات العامة، قبل أن يتم فيما بعد الاهتمام أكثر بقضايا التظاهرات والصحافة والإعلام والاتصال.
كما تطرق الأستاذ كريمي إلى عدة محطات أخرى شهدت إصدار ظهائر بهذا الخصوص منذ ظهير 1935 ،لكن اللحظة الأساسية، كانت لحظة1958، حينما تم اعتماد قانون الحريات العامة، ولايمكن، يقول الأستاذ علي كريمي، فهم مغزى ذلك دون الرجوع إلى الخلفية السياسية والشرط السياسي والوطني والدولي الذي نشأت فيه هذه القوانين،حيث تم تنصيب حكومة استقلالية بالعهد الملكي برئاسة أحمد بلافريج في 8 ماي 1958 ،ورسم لها ماستقوم به، وقد تمت المصادقة عليه ونشره في الجريدة الرسمية في15نونبر من نفس السنة، ليحل محل التشريع الاستعماري، إذ كان قانونا ليبراليا تقدميا، ولايوجد له نظير في المحيط العربي والإفريقي ،حيث أسندت مهمة إصدار الصحافة إلى جهة محايدة وهو الجهاز القضائي، لكن سيتم التراجع عن هذا المكسب فيما بعد خاصة في لحظة2002، إذ أصبح هناك مايعرف بالوصل المؤقت والوصل النهائي، لتأتي أيضا تقليص حرية تأسيس الصحف من خلال إجراءين إداريين خطيرين، التوقيف الإداري للصحف والمنع، حصل ذلك بعد إقالة حكومة عبد الله إبراهيم ،ورئاسة الحكومة بعهدها من طرف الملك محمد الخامس الذي كان نائبه ولي العهد آنذاك الأمير الحسن ، للتصدي لافتتاحيات جريدة التحرير، والتهييء أيضا لكل المفاجآت التي يمكن أن تحدث في أول انتخابات جماعية إلى غير ذلك من المحطات، وصولا
إلى لحظة تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الانسان سنة 1990 والانفتاح في مجال الحقوق والحريات خاصة الأحداث الإقليمية التي وقعت أنذاك، ومبادرة المغرب للمصادقة على العديد من الاتفاقيات الدولية ” الطفل والعمال والمهاجرين ومنع التعذيب وسيداو”، مؤكدا أنه كان لهذا انعكاس على التشريع الوطني وتعديلات مست عدة قوانين كالأحوال الشخصية وتنظيم المناظرة الوطنية للاعلام والاتصال وما تمخضت عنها من توصيات جوهرية.
وأضاف الأستاذ علي كريمي ،أنه كان هناك انفتاح أكثر مع حكومة التناوب والتعديلات التي طالت الحقوق والحريات،وهي الحريات التي اتسعت مع مرحلة 2011 وإقرار دستور جديد بمبادئ حقوقية واسعة وحريات متقدمة، والاصلاح الجديد للإعلام والاتصال في إطار مدونة الصحافة والنشر وتنظيم الصحافة الإلكترونية بالمغرب والحق في الوصول إلى المعلومات.
وتطرق الأستاذ كريمي إلى الحقوق الرقمية،بحكم الانتقال إلى عصر الانترنيت والتكنولوجيا، وفي هذا الباب نبه إلى الانتهاكات الواضحة المسجلة في هذا المجال، والتي ينبغي التعاطي معها،على اعتبار النقاش الدائر اليوم والمتعلق بالإعلان العالمي للحقوق الرقمية، وبالتالي يقول الأستاذ علي كريمي ،فإن درس حقوق الإنسان ينبغي له الاهتمام بهذا الجانب كحق أساسي.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 09/01/2024