في مذكرات مولاي المهدي العلوي (2) : الصحراء من عمر إلى بيريز دو كويلار مرورا بأخطاء الديبلوماسية وتدخل إدريس البصري..

أنطلق من مسلمة أولية وهي أن الكتاب الذي نحن بصدده، كصيغة من صيغ المذكرات الخاصة بمولاي المهدي العلوي، لن يكون كافيا بتاتا لتلخيص حياته.
لن يستطيع أن يضعها كلها، بكل تشعباتها ودروسها، بكل ألمها وانفلاتها، بكل تعددها وتميزها، بين دفتي كتاب، حتى ولو كانت مذكراته بلسانه هو.
تقودني هذه المسلمة إلى الاعتراف بأنني قرأتها مرتين، وبأني سأعود إليها باستمرار.
لا لأنها مكتوبة بلغة شاعرية تفترض العودة المستمرة إلى ينابيعها، بل لأن فيها ما يهمنا من مواقف ومن إضاءات تاريخية جوهرية، بالنسبة للاتحادي المناضل، وبالنسبة للإعلامي المتلهف للاطلاع على خبايا حياة تقاطع فيها الوطني بالإيديولوجي بالقومي بالحقوقي بالأممي بالاشتراكي الديموقراطي، حياة تجسر الفجوة فيها بين محيط الأمير ومحيط المتمرد والمعارض.
ولا بد أيضا من التسليم بأننا أمام حياة كل عناوينها فارقة، تحيل إلى حيوات أخرى لشخصيات وملوك وأمراء ورؤساء دول، طالما غذوا كل الخيالات والأفكار والتصورات عنهم، في أذهان أجيال متعاقبة.
حياة تعكسها العناوين، التي تتقاطع حولها مسيرة غنية للغاية لقيادي وطني، يساري اتحادي، وديبلوماسي فريد من نوعه، مع مسيرات عظماء من المغرب ومن العالم.

 

تحتل القضية الوطنية مكانة مركزية في السردية الوطنية لمولاي المهدي العلوي، تحضر بديمومة النقطة المركزية في الأجندة الوطنية، فهو يتحدث عن عمر بن جلون، من زاوية دفاعه عن القضية الوطنية، كما يتحدث عن عبد الرحيم بوعبيد من زاوية استفتاء تقرير المصير واعتقاله، كما يجد العلاقة مع الراحل الحسن الثاني محكومة بخدمة القضية الوطنية، بالرغم من القناعات المتضاربة داخل قيادة الحزب إزاء هذا الأمر. وعمر في سيرة مولاي المهدي،هو القضية الوطنية أولا : زارني، رحمه الله، في باريس بالتزامن مع انعقاد جلسات محكمة لاهاي الدولية، التي حضرها ضمن الوفد المغربي، وبعد عودته إلى باريس قام باتصال مع قيادة جمعية اتحاد الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا (AEMNA)، الذي كان يرأسه سابقا، بغرض إلقاء محاضرة بمقره بحضور جمع حاشد من الطلبة المغاربيين من المغرب والجزائر وتونس ومصر وسوريا ولبنان. وكانت المحاضرة رائعة وواضحة المعاني عرض فيها اختيارات الحزب بشكل جلي، وكذلك الموقف من قضية الصحراء منذ جذورها التاريخية إلى حالها الراهن آنذاك.
وقد اغتنم عمر وجوده بباريس لتوسيع اتصالاته الدولية، حيث حضرت معه صحبة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي اجتماعا بالجزائر من تنظيم جمعية القانونيين الديمقراطيين (Les Juristes Democtrates). وبالطبع كانت تلك مناسبة للقاء قيادة جبهة التحرير الوطنية الجزائرية (FLN)، إذ ظهر من الحوار الذي أجري معهم أن ثقتهم بالملك الحسن الثاني كانت ضعيفة، وأنهم فوجئوا باتخاذه لقرار المسيرة الخضراء دون علمهم، مع أنهم «كانوا يميلون إلى العمل المشترك بين البلدين لإيجاد حل لقضية الصحراء». وفهمنا من خلال الحديث معهم أنهم على استعداد للتعامل مع ما سمي آنذاك بالبوليساريو بكيفية واضحة على أساس أنها منظمة للتحرير«…
غير أن العمل المشترك سيتكسر، مع القبول بالاستفتاء، وحسب مولاي المهدي »فقد أبانت تلك التحركات الداعمة لقضية وحدتنا الترابية جدية حزب الاتحاد ورغبته في استئناف العمل مع النظام بما يلزم من وضوح لإيجاد حلول لكل مشاكلنا الداخلية، إلا أن هذا المسار سيشهد تحولا بعد قبول الحسن الثاني رحمه الله بمبدإ الاستفتاء خلال مؤتمر نيروبي«.
مشكلة الاستفتاء، الذي يكشف لنا مولاي المهدي أنه كان باقتراح من أصدقاء الحسن الثاني الأوروبيين، والذين كانوا يشجعونه على قبول استفتاء تقرير المصير، وهو ما أدى إلى اعتقال عبد الرحيم الذي رفضه ودعا إلى تنظيم استفتاء على الاستفتاء.
قبول المغرب بالاستفتاء فتح الطريق، كما يبدو، لدخول الجمهورية الوهمية إلى منظمة الوحدة الإفريقية، كما يبدو من منطق تسلسل الأحداث. بحيث أن ما اعتبره المغرب موقفا شجاعا بخصوص أراضيه الوطنية، عوقب عليه بدخول البوليزاريو إلى المنظمة، التي صارت من بعد الاتحاد الإفريقي..
الواقع أن حضور مولاي المهدي إلى محفل دولي لم يكن عن طريق الحضور الرسمي بقدر ما كان لأنه كان مكلفا بعلاقات الحزب الخارجية، حيثُ انتُدب، ضمن وفود الأحزاب السياسية، لمرافقة الوفد الرسمي لحضور أشغال مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية المنعقد في أديس أبابا، وهو المؤتمر الذي سيعبر فيه المغرب عن موقفه الرافض لقبول عضوية جبهة البوليساريو في المنظمة، وإعلان انسحابه منها في لحظة إجماع وطني، مُفعمة بالمشاعر»..
يوم الاثنين 12 نونبر 1984، عاشت المنطمة» أخطر حدث تتعرض له منظمة الوحدة الإفريقية منذ تأسيسها، وهو انسحاب أول دولة إفريقية مؤسسة، ودخول أول كيان مصطنع، لا وجود له على أرض الواقع، ولا هوية له، إلا تلك التي أراد صانعوه إضفاءها عليه، وخلق سابقة جديدة لم يسبق للتاريخ الحديث، ولا تاريخ العلاقات والقوانين الدولية أن شهدها«.

أول مهمة ديبلوماسية
في نيويورك

أول مهمة له في الأمم المتحدة، ضمن الوفد المتجه إلى نيويورك برئاسة أحمد رضا اكديرة، المساعد الأقرب للملك الراحل الحسن الثاني، للمشاركة في أشغال الدورة 39 للجمعية العامة للأمم المتحدة، في نونبر 1984، وكان يضم ما يزيد عن 150 شخصية منها ممثلون عن الطيف السياسي بأكمله، وشخصيات تمثل أعيان ووجهاء وشيوخ القبائل الصحراوية.
أول ما سنعرفه من مولاي المهدي، وهذه معلومة يتم تعميمها لأول مرة، هو أن الورقة التي كانت ستقدم في اللجنة الرابعة تم إعدادها من طرف خبراء أجانب، وهو ما أفقدها روحها المغربية..
ثاني معلومة هو أن الديبلوماسيين وقتها لم يكونوا على علم بمجريات الأمور، وكادوا يقدمون على خطأ فادح، مما تطلب غضب رضا اكديرة.. والصدفة وحدها أنقذت الموقف وكان ذلك عبر ممثل دولة سوريا..
»وبينما كنت متجها إلى القاعة التي تحتضن اجتماعات اللجنة الرابعة، إذا بي ألمح من بعيد وجها ينبعث من بين الجدران لشخص تأكدت، كلما كان يدنو مني أكثر، بأنني أعرفه جيدا. نعم كان هذا الشخص أحد الأصدقاء من قيادات حزب البعث العربي السوري، الذي كنت قد تعرفت عليه خلال زيارتي لدمشق، فسألته عن سبب وجوده في هذا المكان، فأخبرني بأنه التحق، قبل مدة، للعمل في الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة.
تمسكت بالرجل، كما يفعل «الغريق» الذي يتمسك بقشة طلبا للنجاة، لأطلعه بنوع من «الكبرياء» على مضمون الوثيقة وما أنا عازم عليه، مع حرصي الظاهر على أن أمنحه الانطباع بأنني على بيِّنة من أمري، فما كان منه إلا أن بادرني بالسؤال مستغربا عما إذا كانت تلك أول مرة يُقدم فيها المغرب على عمل من هذا النوع في إحدى هيئات الأمم المتحدة؟!
أمعنت النظر في عيني مخاطبي، وسحبته جانبا، حتى أمنحه الفرصة للاسترسال، ليخبرني بنبرة حازمة أن تقاليد العمل في المنظمة الأممية تقتضي أن تُطرح كل وثيقة بهذه الأهمية للدراسة مباشرة بعد انتهاء أشغال الدورة السابقة، ليطلع عليها الأصدقاء الرؤساء ووزراء الخارجية، وتكون موضوع مشاورات، قبل عرضها على الاجتماع الرسمي. لأن طرحها بهذه الكيفية سيكون بمثابة هدية لأعداء المغرب، بما أن لهم الحق في طلب إجراء تعديلات جوهرية على مضامينها بما يخدم مصالحهم، لاسيما وأن الجزائر كانت تتوفر، حينئذ، على أغلبية مريحة داخل اللجنة الرابعة. وستكون النتيجة في النهاية هي مصادقة اللجنة على وثيقة باسم المغرب، لكنها تُعارض، في الوقت نفسه، مصالحه العُليا«..هذا الأمر عندما يعرفه الحسن الثاني سيغضبه كثيرا، عند عودة الوفد :»غضب الملك لما سمع، وأعرب عن اعتقاده بأن المسؤولين في الخارجية لم يأخذوا على عاتقهم الدفاع عن قضية الوحدة الترابية لبلادهم بروح وطنية ونضالية. وأكد انشغاله الكبير بهذه الوضعية المقلقة التي توجد عليها الدبلوماسية المغربية، التي تعتمد على موظفين لا يهتمون إلا بمصالحهم الشخصية بمجرد مغادرتهم لمكاتبهم، تاركين الحبل على الغارب!! كما قال.«
هناك تفاصيل أكثر في الفصول التي يتحدث فيها عن مهمته كممثل المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة أو عن ما جرى بينه وبين جلالة الملك والأمين العام السابق للأمم المتحدة دي كويلار .. وكان لافتا أن العلاقة التي كانت لوزير الخارجية بالقضية كانت محبطة له، دفعته ذات مرة أن رفض عمل مولاي المهدي من أجل أن تعود رئاسة مجلس الأمن الموسع للمغرب، وقال له ماذا سنفعل في مجلس الأمن،لأن المرحوم الفيلالي كان محبطا بفعل التدخلات التي كانت لإدريس البصري في ملف الصحراء، و…«ليس مطلعا بما يكفي على كل حيثيات ملف الصحراء بما أن الملف يوجد بين أيدي إدريس البصري، وزير الداخلية النافذ في ذلك الوقت، وما يسببه له ذلك من إحراج، في الكثير من الأحيان، عند لقاءاته، في إطار اختصاصاته، ببعض رؤساء الدول والحكومات ونظرائه وزراء الخارجية، فلا يكون على مستوى المعلومات التي تكون قد توفرت لديهم من جهات أخرى، فكان يلجأ أحيانا إلى سفراء الدول ليعرف منهم الموضوع.

 

 


الكاتب : عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 27/10/2021

أخبار مرتبطة

أفادت وزارة النقل واللوجستيك بأن الموانئ المغربية سجلت عبور حوالي 1.9 مليون مسافر و447 ألف سيارة في كلا الاتجاهين برسم

  غادرنا نهاية الأسبوع الشاعر الزجال، النورس الجريح وزجال الهامش المنسي، عبد الكريم الماحي بعد أن أتعبه “تحتحيت السؤال” ولم

  فاز فريق الرجاء الرياضي على مضيفه الحرس الوطني من النيجر بهدفين لواحد، في المباراة التي جمعتهما أول أمس السبت،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *