ردود الفعل الفلسطينية والعربية تؤكد رفضها ترحيل الفلسطينيين عن أرضهم
بدأ النازحون الفلسطينيون بالعودة إلى شمال قطاع غزة صباح أمس الاثنين، بعد اتفاق بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي.
وأظهرت الصور التي نقلتها مباشرة مختلف القنوات عشرات الآلاف من النازحين في طريق العودة، في مشاهد تؤكد تشبثهم بأرضهم ورفضهم مخططات التهجير ، وذلك بعد يوم على حديث الرئيس الأمريكي عن ترحيل سكان القطاع إلى مصر والأردن.
وتوجه عشرات الآلاف الفلسطينيين الذين جر بعضهم عربات محملة بالأمتعة باتجاه حاجز نتساريم على شارع الرشيد الممتد على طول ساحل غزة.
وشكلت عودة النازحين الاثنين بعد تأخير ليومين، اختراقا في إطار تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الهش الذي جاء بعد 15 شهرا من الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة، والتي دمرت القطاع وشردت كل سكانه تقريبا.
ومنع الاحتلال الإسرائيلي النازحين، الأحد من العودة إلى شمال القطاع عبر حاجز نتساريم الذي يقسم المنطقة إلى قسمين.
وبررت سلطات الاحتلال رفضها بعدم إطلاق سراح الرهينة المدنية أربيل يهود التي اعتبرت الإفراج عنها أولوية، وعدم تقديم حماس قائمة بالرهائن الأحياء منهم والأموات.
ومساء الأحد، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي عن حلحلة هذه العقدة، كاشفا أنه “بعد مفاوضات مكثفة وحاسمة…ستفرج حماس… الخميس…عن أربيل يهود والجندية أغام بيرغر وعن رهينة آخر”. كذلك، من المرتقب إطلاق سراح ثلاثة رهائن آخرين السبت، كما هو مقرر في المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة بين إسرائيل وحماس.
وأكد مكتب نتانياهو أن “إسرائيل تلقت من حماس لائحة توضح وضع جميع الرهائن” الذين يمكن إطلاق سراحهم خلال المرحلة الأولى، الأحياء منهم والأموات.
وفي إطار “هذه الترتيبات”، فإن إسرائيل “ستسمح لسكان غزة بالعبور إلى شمال القطاع اعتبارا من صباح (الاثنين)”، بحسب مكتب نتانياهو.
وبعيد ذلك، أكدت حماس أنها قدمت هذه اللائحة إلى الوسطاء المصريين والقطريين.
من جانبه، أعلن مسؤول أمني أن “أكثر من مائتي ألف نازح وصلوا إلى مدينة غزة وشمال القطاع في أول ساعتين” بعد السماح لهم بالعبور.
وقالت حماس إن “الاحتلال دمر أكثر من 90 % من مباني والبنية التحتية في محافظتي غزة وشمال القطاع خلال الحرب” مشيرة إلى أن “مدينة غزة وشمال القطاع بحاجة إلى 135 ألف خيمة وكرفان (بيوت متنقلة) فورا”.
ونزح معظم سكان غزة البالغ عددهم 2,4 مليون شخص، مرات عدة أحيانا، جراء الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة . وبموجب الاتفاق، تم السبت الإفراج عن الدفعة الثانية من الرهائن، وهن مجندات. في المقابل، أفرجت سلطات الاحتلال عن 200 معتقل فلسطيني، بعد أسبوع على بدء تطبيق الاتفاق الذي تم برعاية أميركية وقطرية ومصرية.
وشملت الدفعة الأولى في 19 يناير ثلاث إسرائيليات مقابل نحو تسعين معتقلا فلسطينيا.
وينص الاتفاق المؤلف من ثلاث مراحل على وقف الأعمال القتالية وانسحاب إسرائيل من المناطق المأهولة. وتمتد المرحلة الأولى ستة أسابيع وتشمل الإفراج عن 33 رهينة من غزة في مقابل نحو 1900 معتقل فلسطيني. كما ينص على أن يتم خلال المرحلة الأولى التفاوض حول المرحلة الثانية.
الترحيل خط أحمر
أجمعت مختلف ردود الفعل الفلسطينية والعربية عن رفضها ترحيل الفلسطينيين عن أرضهم، معتبرة أن هذا المخطط مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية، وشكل من أشكال التطهير العرقي.
وجاءت هذه المواقف عقب طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطة لـ”تطهير” غزة، قائلا إنه يريد من مصر والأردن استقبال الفلسطينيين من القطاع من أجل “إحلال السلام في الشرق الأوسط”، حسب قوله.
وقال للصحافيين على متن طائرة “إير فورس وان” الرئاسية “أرغب بأن تستقبل مصر أشخاصا. أرغب بأن يستقبل الأردن أشخاصا”. وتابع “نتحدث عن مليون ونصف مليون شخص لتطهير المنطقة برمتها. كما تعلمون، على مر القرون، شهدت هذه المنطقة نزاعات عديدة. لا أعرف ولكن يجب أن يحصل أمر ما”.
وردا على هذا المخطط، أعرب الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن “إدانته” و”رفضه الشديد” لأي مشروع يهدف إلى “تهجير أبناء شعبنا من قطاع غزة”.
وأورد بيان للرئاسة الفلسطينية أن عباس “يقوم بإجراء اتصالات عاجلة مع قادة الدول العربية والأوروبية والولايات المتحدة الأميركية بهذا الخصوص”، مؤكدا أن “الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن أرضه ومقدساته”.
وتابع عباس بحسب بيان الرئاسة الفلسطينية “لن نسمح بتكرار النكبات التي حلت بشعبنا في الأعوام 1948 و1967، وأن شعبنا لن يرحل”.
وشدد على أن “الشعب الفلسطيني وقيادته لن يقبلا بتاتا بأية سياسة تمس وحدة الأرض الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية”.
كما نددت حركتا حماس والجهاد الإسلامي باقتراح الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن. واعتبرت أن ذلك يشجع على ارتكاب “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بإجبار شعبنا على الرحيل عن أرضه”.
واعتبرت حركة حماس عودة النازحين الفلسطينيين من جنوب قطاع غزة إلى شماله “هزيمة للاحتلال ومخططات التهجير”.
وقالت الحركة في بيان إن عودة عشرات آلاف النازحين شكل “انتصارا لشعبنا، وإعلان فشل وهزيمة الاحتلال ومخططات التهجير” فيما اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي أن عودة النازحين هي “رد على كل الحالمين بتهجير شعبنا”.
من جهته، أكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي رفض بلاده لمقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مشددا على تمسك بلاده بحل الدولتين “سبيلا وحيدا لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة”.
وقال الصفدي في مؤتمر صحافي مشترك مع سيغريد كاغ كبيرة منسقي الشؤون الإنسانية وشؤون إعادة الإعمار في غزة إن “حل القضية الفلسطينية هو في فلسطين وأن الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين (…) ثوابتنا في المملكة واضحة ولن تتغير وهو تثبيت الفلسطينيين على أرضهم ورفض التهجير”.
وأضاف “نحن في المملكة نتطلع إلى العمل مع الإدارة الأميركية الجديدة والرئيس الأميركي دونالد ترامب كان واضحا في قوله إنه يريد تحقيق السلام في المنطقة لذلك نحن شركاء، فالسلام الذي تستحقه المنطقة والذي يضمن الاستقرار هو السلام الذي تقبله الشعوب والذي يلبي تحديدا حق الشعب الفلسطيني في العيش بحرية وكرامة على ترابه الوطني الفلسطيني”.
وتابع الصفدي “نحن كلنا نريد تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة وإن طريق هذا الأمن والاستقرار يأتي من خلال تلبية حقوق الشعب الفلسطيني في العيش بدولته الفلسطينية المستقلة ذات السيادة لتعيش بأمن وأمان إلى جانب إسرائيل وفق مبدأ حل الدولتين واستنادا للقانون الدولي”.
من جانب آخر، أكد الصفدي إنه ركز في محادثاته مع المسؤولة الأممية على “الجهود المشتركة لوقف إطلاق النار في غزة وإدخال المساعدات الكافية للقطاع وبشكل دائم لمواجهة الكارثة الإنسانية في غزة”.
وأضاف “نحن مستمرون في العمل مع شركائنا بمن فيهم الأمم المتحدة وأولويتنا هي تثبيت وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات وتخفيف معاناة أهل غزة ومن ثم الانطلاق بجهد مشترك لتحقيق السلام الذي يضمن حقوق الدولة الفلسطينية المستقلة حتى تنعم المنطقة كلها بالأمن والأمان”.
ويرى محللون أردنيون أن مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو “موقف عدائي” و”خطير جدا” ويمثل “تهديدا للأمن والاستقرار” لدول حليفة لواشنطن، وهو محاولة ل”تصفية القضية الفلسطينية”.
وقال مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي لوكالة فرانس برس “هذا موقف عدائي من الإدارة الأميركية الجديدة تجاه الفلسطينيين أولا وتجاه الأردن ومصر ثانيا. تجاه الفلسطينيين لأنه يجردهم من حقهم في ممارسة حقوقهم الوطنية المشروعة في أرضهم ووطنهم وهذا تهديد للأمن والاستقرار في الأردن ومصر ولن يمر بسلام”.
وسبق للأردن الذي يعيش فيه 2,3 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين وفقا للأمم المتحدة، أن أعلن مرارا رفضه أن يكون وطنا بديلا للفلسطينيين.
وأضاف الرنتاوي “هذا الاقتراح جاء بعد ساعات من قرار الخارجية الأميركية تعليق المساعدات الخارجية لمدة 90 يوما واستثنيت منها إسرائيل ومصر ولم يستثن منها الأردن كأنه رسالة ضغط لعمان وجزرة مسمومة للقاهرة، وبالتالي هذا أمر خطير جدا”.
ورأى الرنتاوي أنه “إن قدر لهذا المشروع أن يرى النور لأي سبب، فمعنى ذلك أنه سيكون بروفة لتهجير أكبر وأخطر وأشمل سيطال سكان الضفة الغربية وسيكون المستهدف به الأردن أكثر من غيره، لأنه في نهاية المطاف، المجال الحيوي الوحيد للضفة الغربية هو عبر الأردن وإلى الأردن”.
وتابع “هذا المشروع الذي بدأ يتسلل داخل الإدارة الأميركية الجديدة يوحي بأنه تصفية للقضية الفلسطينية على حساب الدول العربية وبالذات الأردن”.
من جهته، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي الأردني عادل محمود مقترح الرئيس ترامب أنه “غير واقعي وهو يترجم نوايا اليمين الإسرائيلي المتطرف الطامح إلى تهجير الفلسطينيين”.
وأضاف لوكالة فرانس برس “الاقتراح هو محاولة للعمل على التهجير الناعم للفلسطينيين بذريعة إنسانية في ظاهرها ولكن في باطنها هي محاولة لتوطين الفلسطينيين في دول الجوار”.
وتوقع محمود أن “تمارس إدارة ترامب ضغوطا غير مسبوقة تحت الطاولة على الأردن للقبول بهذه الخطة، لكن الأردن سيتصدى للخطة فهو يرفض أن يكون وطنا بديلا للفلسطينيين”.
وبحسب عريب الرنتاوي “هذا الموقف ليس بجديد على واشنطن، (فوزير الخارجية أنتوني) بلينكن طاف في جولته الأولى بعد طوفان الأقصى على عمان والقاهرة وروج لفكرة تهجير (الفلسطينيين)، فقوبل بصد من الفلسطينيين والأردنيين والمصريين، وطوى الموضوع رغم أنه قدمه كإجراء مؤقت لحين انتهاء الحرب ومن أجل تخفيف المعاناة الإنسانية” لسكان غزة.
وقال “ونحن بحسب خبرتنا طوال 70 أو 80 سنة من الصراع كل مؤقت في العرف الإسرائيلي يصبح دائما”.
وأضاف الرنتاوي “هذا ليس قدر الأردن ومصر والفلسطينيين، إذ بمقدورهم أن يتحركوا بصورة عاجلة وأن يتبنوا موقفا صلبا وقويا مع دول الخليج، بالذات السعودية والإمارات، ضد هذا المشروع وبصوت عال… لمواجهة هذا الاستخفاف بحقوق الفلسطينيين وبمصالح دول حليفة للولايات المتحدة والمقامرة بأمنها واستقرارها”.
بدورها، رفضت مصر أي تهجير قسري للفلسطينيين،
وشدد بيان لوزارة الخارجية المصرية على “استمرار دعم مصر لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه وتمسكه بحقوقه المشروعة في أرضه ووطنه”.
كما أكد البيان أن القاهرة “ترفض أي مساس بتلك الحقوق غير القابلة للتصرف سواء من خلال الاستيطان أو ضم الأرض أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم سواء كان بشكل مؤقت أو طويل الأجل”.
ودعت الخارجية المصرية في بيانها المجتمع الدولي إلى “العمل على بدء التنفيذ الفعلي لحل الدولتين”، وهو ما حذرت القاهرة من أنه سيصبح مستحيلا في حال اقتلع الفلسطينيون من أراضيهم.
كما حذرت جامعة الدول العربية الأحد من “محاولات نزع الشعب الفلسطيني من أرضه”، بعد أن اقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطة “لتطهير” قطاع غزة ونقل سكانه إلى مصر والأردن.
وجاء في بيان للأمانة العامة لجامعة الدول العربية “لا يمكن أن يسمى ترحيل البشر وتهجيرهم عن أرضهم قسرا سوى بالتطهير العرقي”.