في معرضها الإقليمي الأول للكتاب: الصويرة تستدعي أسئلة الآخر المتعدد وسبل القراءة

 

تغير إيقاع الحياة خلال الأسبوع الجاري بمدينة الصويرة التي تحولت إلى قلعة للتقاسم العمومي لأسئلة الإبداع و الكتابة ومطارحة متعة القراءة في معرضها الإقليمي الأول للكتاب، المنظم من قبل المديرية الجهوية للثقافة بجهة مراكش آسفي من 17 إلى 23 أكتوبر الجاري.
المعرض الذي أطره شعار « القراءة بين الإبداع و التعايش» قدم احتفالية متواصلة بقيم الانفتاح التي تشكل القراءة أحد أهم سبلها الحضارية التي شقتها الإنسانية لتجديد قدرتها على الابتكار المتواصل للذات، وإغناء موراد حكمتها وتعميق رؤيتها للحياة والعالم عبر الفضاء الفسيح الذي تفتحه الضيافة الثقافية، مستدعية الآخر المتعدد في أحلامه وخياله. هذه الاحتفالية وجدت مركزها بقاعة المسيرة الخضراء، حيث تنتصب أروقة الناشرين مقترحة قائمة عريضة ومتنوعة من العناوين التي مكنت سكان المدينة من الاتصال بأحدث المنشورات وإشباع حاجاتهم في القراءة. وشكلت مجالا لحوارية عميقة مع المقترحات الجمالية لكتاب ومبدعي مدينة الصويرة عبر اللقاءات الغنية التي نظمت في إطار نفس المناسبة.
تنوعت الأسماء وتكاملت في مغامراتها الإبداعية التي تمكن جمهور الكتاب من الاقتراب من عوالمها المبحرة بين الرواية والشعر والقصة والرحلة، في لقاءات تجاوزت مستوى الاستمتاع إلى اختراق الأسئلة الملحة على الكاتب في زمن متقلب يغذي مصادر القلق. حيث تجاورت في هذه اللقاءات الغنية أصوات متنوعة كمبارك الراجي ومحمد الساق، وحمزة آيت اسماعيل، وأحمد بومعيز وحسن الرموتي، مصطفى الصغوسي، ومصطفى الرادقي، وإدريس واضول والشريف آيت البشير، ومحمد بوعابد، ونوفل السعيدي ومحمد معتصم، وعز الدين زريويل، ورفيق مدرك، وسليمان الدريسي.
وفي متحف الذاكرة تعمقت المطارحات الفكرية التي تضمنتها برمجة المعر ض الإقليمي الأول للكتاب، من خلال ندوة « الصويرة فضاء متخيلا غيريا» التي شارك فيها سعيد العوادي وعبد الرزاق المصباحي، وعبد الحميد دادس، وسيرها عميد كلية اللغة بمراكش أحمد قادم. في هذه الندوة أبرزت المداخلات التي قدمت القوة التخييلية لمدينة الرياح وطاقتها التي جعلت من المكان رغم ضيق حيزها، حالة ثقافية فضاء شاسعا للإبداع والتخييل، ومحفزا بطاقة كبيرة على المغامرة في اختراق أسرار الأشكال وحجب المعنى والتواءاته في التشكيل والشعر والرواية والقصة، التي تتحول فيها المدينة إلى ممارسة نصية وتمرن على المغامرة في تخوم الحلم، مثلما يصير النص ممارسة للمكان تؤهله للانتقال نحو الآخر المتعدد. إنها الصويرة التي تظهر في هذا النص متقلبة كبحرها ورياحها، ومدينة الطباق في نص آخر، ونورس الروح ونداءه في تجارب أخرى. إنها المكان الذي يتجاور فيه الهدوء بشغب الأسئلة الأكثر صخبا.
المعرض طرح أيضا سؤال صناعة الكتاب بين تحديات الرقمي والورقي، في ندوة شارك فيها عبد القادر عرابي، وسميرة شاعر، وعياد أدلال، وسيرها حسن هرنان. و أظهرت قلق التحول الثقافي الذي أملته النقلات التكنولوجية التي أضحت فيها الدعامات الرقمية ليس مجرد وسيلة، وإنما نظاما يتحكم في تصنيع النصوص وتخزين الأثر وتوزيعه.
معرض الصويرة للكتاب كان أيضا حافلا بقيم الوفاء بتكريم عدد من رموز المدينة من المبدعين الذي بصموا حضورهم القوي، وفي مقدمتهم الفنان المرحوم الحسين الميلودي، ومحمد أبة ناصر، وعبد الفتاح إشخاخ، والحاج أحمد سوهوم والحاج محمود مانا، وعبد الحميد اليوسفي، والحاج الحسين بوفوس.
ولأن سمعة مدينة الرياح لا يمكن أن تنفصل عن تجربتها الغنية في التشكيل، فقد اقترح المنظمون على الجمهور تشكيلة من الأنشطة المرتبطة به تضم معرضا فنيا حمل عنوان «اقتفاء أثر ورموز» تكريما لروح الفنان الحسين الميلودي، ومعرضا جماعيا شعاره « روافد من التشكيل المغربي العبري» بمساهمة صلاح بنجكان وعبد الكريم الأزهر، وأحمد الأمين، والزبير الناجي والمهدي مفيد، إضافة إلى ورشات في الخط العربي و الحكاية.
ومثلما غيرت احتفالية الكتاب إيقاع الحياة بمدينة الصويرة، فقد غذى نجاح هذه الدورة الأمل في أن تكون الصفحة الأولى في كتاب كبير، يحيي سنويا اللقاء بأسئلة الكتابة والإبداع، في مدينة تتشعب فيها الرؤى وتغتني بالجمال والهدوء كما لو كان بحرها يتنفس هواء الشعر، وتنثر رياحها القصائد والأغاني.


الكاتب : مكتب مراكش : عبد الصمد الكباص

  

بتاريخ : 22/10/2022