في ندوة علمية بمراكش: ابن المؤقت المراكشي مفكر الإصلاح الذي جمع بين الحساب والتوقيت والفقه والتصوف والأدب

 

أعادت ندوة علمية نُظمت، يوم الخميس 08 فبراير 2024 برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، شخصية العلامة محمد ابن المؤقت المراكشي إلى واجهة البحث والتفكير بمضامين متنوعة سمح بها تنوع عطاء هذا المفكر وغزارة إنتاجه وتعدد اهتماماته التي ينظمها هاجس أساسي هو فكرة الإصلاح.
وبرز الفقيه العلامة محمد ابن المؤقت المراكشي الذي يعد أكثر علماء المغرب تأليفا، في هذه الندوة العلمية التي نظمتها مؤسسة محمد المؤقت للعلوم والثقافة، شخصية فكرية بواجهات متعددة وبمسار غني في الحياة مليء بالتقلبات المثيرة لشهية البحث، وعَبَر بنشاطه الفكري حقولا متنوعة من الفقه إلى التوقيت، إلى الأدب السردي، إلى الشعر إلى النقد الاجتماعي، إلى التاريخ وغيرها.
في الجلسة الافتتاحية التي سيرها الأديب والإعلامي عبد الإله التهاني، أكد عبد المنتقم المؤقت نجل العلامة ابن الموقت ورئيس المؤسسة المنظمة، أن هذه المناسبة العلمية الرفيعة التي تجمع خيرة الباحثين، تشكل فرصة لتناول الإرث الغني للعلامة محمد ابن المؤقت باهتماماته المتنوعة، وصرحه الإصلاحي، موضحا أن المؤسسة منخرطة في جهود العمل العلمي والثقافي من أجل الكشف عن جوانب الشخصية الثقافية للمغرب من خلال عطاءات مفكريها ومثقفيها.
و من جهته أبرز الدكتور عبد الجليل لكريفة، عميد كلية الآداب و العلوم الإنسانية بمراكش، أهمية شخصية محمد ابن المؤقت المراكشي وطرافة إنتاجه الفكري والإبداعي، مؤكدا على ضرورة فتح أوراش جديدة للبحث في إرثه وخاصة في الجوانب غير المستكشفة منها.
الأستاذ عبد الإله التهاني في تقديمه للجلسة العلمية الأولى من الندوة، أوضح أن ابن المؤقت المراكشي شكل لحظة يقظة للوعي المغربي في مرحلة دقيقة من تاريخ البلد موسومة بآثار التدخل الأجنبي وفرض الحماية عليه، لذلك لا ينبغي أن تأخذ الانتقادات الحادة التي قدمها في أعماله على أنها ضد الحضارة والتمدن، وإنما هي حرص على الهوية المغربية، وشكل من أشكال الصدام مع الغرب.
«محطات في حياة محمد بن المؤقت المراكشي» عنوان المداخلة التي قدمها الأستاذ الباحث أحمد المتفكر الذي انطلق فيها من قولة « أزهد الناس في عالِم أهله» لإظهار مدى التهميش الذي لاقاه الإرث الفكري الكبير للعلامة ابن الموقت المراكشي في مدينته وبلده، وضعف الاهتمام به، رغم أنه كان من أكبر المصلحين، حيث مرت على وفاته 75 سنة، ولم يلتفت إليه في الجامعة المغربية، حاله كحال عدد من العلماء، كالفقيه السباعي الذي أقبرت كل مؤلفاته.
وبعد تقديمه لمجموعة من الأدلة التي تشكك في تاريخ ولادته المحدد في سنة 1894 بحي زاوية الحضر بعمق مراكش المدينة، أوضح أحمد المتفكر أن ابن المؤقت نشأ في بيئة علمية أثرت كثيرا في مساره، فوالده عبد الله المتوفى سنة 1911، واحد من كبار علماء التوقيت في عصره، وقد أخذ عنه أسرار المهنة وخباياها وهو صغير السن. وجدته من والده كانت من العارفين الشاهدين، يزورها المريدون في خلوتها ويلتمسون منها الدعاء. ووالدته عائشة المصلوحية كانت على نفس المستوى من الورع والتقوى والزهد، وأخوه من أبيه سيدي محمد كان من الزهاد المتصوفة.
وأكد أن هذا المناخ أثر في الروح الفكرية لابن المؤقت المراكشي، حيث غلبت عليه الصيغة الصوفية ممارسة وتأليفا. مثلما أثرت فيه المخاضات التي شهدها الربع الأول من القرن العشرين، التي دفعته إلى بلورة رؤيته الإصلاحية. فهذه الفترة عرفت صراعات اجتماعية حادة بين التقليد والتجديد، العمل الوطني والخيانة، بين العلماء السلفيين وشيوخ الزوايا.
وأوضح الأستاذ المتفكر أن ابن المؤقت كان بارعا في سر الحرف واستعمله في علاج أحد تلامذته، مستندا في ذلك لرواية شفوية أخذها مباشرة عن العلامة أحمد الشرقاوي إقبال.
وأبرز المتفكر أن ابن المؤقت انتقد عدم قيام العلماء بواجبهم في النصح والتوجيه للحكام وتقويمهم بدل التملق إليهم والتقرب منهم وتزيين أعمالهم. وحمل المسؤولية للحكام الذين لم يعملوا بجدية على محاربة الفساد والمفسدين. مبرزا آثار رحلته إلى الحج، وانقلابه على الطرقية، بعد أن كان ناصريا ثم فتحيا بنانيا، لينتهي بمهاجمة الزوايا.
وتحدث المتفكر عن موسوعية ابن المؤقت، حيث كتب في مختلف العلوم كالتاريخ والآداب والتصوف والسحر والأوقاف والتوقيت. كما كان مخالفا تماما لأعلام عصره من فقهاء ابن يوسف، حيث كانوا يتحدثون كثيرا ويدرِّسون ولا يكتبون، أما ابن المؤقت فكان قليل الكلام غزير التأليف، اهتم بجانب لم يهتم به معاصروه كثيرا، هو النشر والطبع، حيث كان يرسل كتبه بطريقته الخاصة إلى مصر لتطبع في مطبعة مصطفى أبي الحلبي، إضافة إلى ما طبع من أعماله في فاس. وأوضح في هذا الصد أن مجمل أعماله تصل إلى 200 عمل، طبع منها أربعون عملا، و50 مخطوطا، والباقي مازال متلفا.
أما الأستاذ الدكتور عباس رحيلة فاعتبر في مداخلته التي عنونها بـ» من مظاهر تقليد المغاربة للأوروبيين زمن الاستعمار الفرنسي، من خلال كتاب ” الرحلة المراكشية “، ابن المؤقت المراكشي أكبر مصلح في بلاد المغرب في النصف الأول من القرن العشرين، ومع الأسف فهو لا يُعرف إلا بالمؤقت، مسجلا أن من العجائب أن يجهل متى ولد، موجها الدعوة إلى الباحثين إلى مراجعة ترجمته.
وأوضح في مداخلته أن العلم الذي حظي به ابن الموقت، لم يحظ به أحد، مبرزا أن فكرة الإصلاح هي الهاجس الأساسي الذي كان مسيطرا عليه، حيث أنه كشف العيوب السائدة في أرض المغرب في زمنه، وما آل إليه الناس من انحرافات. وهو ما يكشفه كتابه « الرحلة المراكشية» التي أرادها، كما يظهر عنوانها الفرعي» مرآة للمساوئ الوقتية»، التي قدم فيها سردا لما اعترى المجتمع من أحوال، حيث أدرك ابن المؤقت أن المشكل الذي يتخبط فيه الناس هو البعد عن السنة.
وتحدث الدكتور عباس رحيلة عن تفاصيل الرحلة المراكشية، مبينا رمزية اعتماد المؤلف على ثلاث شخصيات، محددا إياها كما يلي: عبد الهادي رمز للهداية، وعبد الباسط رمز لما يحتاجه المصلح من بسط للعلم، وعبد الصمد لأن الإصلاح يحتاج إلى صمود في لجة المقاومة التي تواجهه.
وأشار الأستاذ رحيلة إلى أن هناك أسئلة كانت تعتمل في عمق تفكير ابن المؤقت، هي من له الأهلية ليكون مصلحا؟ وفي أي مكان؟ وعن السؤال الأول رأى المتحدث أن ابن المؤقت يجيب «أنا» لأنه يجمع بين العلم والجرأة، وعن السؤال الثاني فمكان الإصلاح هو مدينة مراكش.
وختم مداخلته بالتساؤل عن أسباب غياب ابن المؤقت عن مجهر البحث الجامعي، وضعف الاهتمام الرمزي به وبقيمته العلمية والفقهية والأدبية.
أما الأستاذ الدكتور أحمد عمالك فقدم في مداخلته تأملات في الرحلة المراكشية لابن المؤقت، وجه فيها الدعوة إلى ضرورة تحقيق أعماله قبل طبعها، تفاديا لأي تشويه لمضامينها.
واعتبر الأستاذ عمالك أن الرحلة المراكشية شكلت ردا فكريا وإصلاحيا على الرذائل والانحرافات التي عرفها المغرب في زمنه، حيث أن العنوان الذي يليق بها هو « مرآة المساوئ الوقتية.» مفصلا في عدد من العوائد في حياة الناس التي انتقدها ابن المؤقت المراكشي، كإضاعة الوقت، والجلوس في الطرقات، وقراءة المجلات والجرائد لأنها تلهي عن الصلاة، وسمر العامة، والانحرافات التي وقعت في العبادات، وتقليد الأجانب، ودار التمثيل، واستهجن اللباس الأوروبي لأنه يخالف الشرع والهوية، وشيوع آلات الطرب، واحتفالات أهل مراكش وما يرافقها من تبذير…
ووقف المتدخل عند عوامل انتقاده للزوايا والطرقية، والقضاء والعدل والفتوى، مقدما البدائل. كما أشار إلى ما سجله ابن المؤقت من انحطاط علمي الذي واجهه بمشروع تربوي.
أما الأستاذة الدكتورة سعيدة أملاح فقدمت في مداخلتها قراءة في تراث العلامة محمد ابن المؤقت: إظهار اللبس في ما انطوى عليه ضمير الشيطان والنفس نموذجا، مؤكدة أن النص كيان متعدد، يمتلك صاحبه نظرة نسبية متغيرة، يتقاطع مع آفاق متنوعة للتلقي. وأوضحت أن نص ابن المؤقت يكشف تفقه صاحبه في الدين، وتعمقه في العلم، إضافة إلى احتكامه إلى جمالية في التعبير تنقل حضوره الفكري.
وتعمقت الأستاذة أملاح، في تخوم نص ابن المؤقت، مستندة في ذلك إلى العُدة النظرية والمنهجية لمفهومي القراءة والنص، من أجل استكشاف أوجه بناء الصورة لدى المؤلف، ومواردها التخييلية والواقعية، بما يسمح لها بأن تكون مجالا للتعرف على الذات. لتخلص إلى أن عمل ابن المؤقت نصا إبداعيا في بلاغة الرؤية والحدث.
ومن جهته اعتبر الباحث الدكتور عبد العزيز ابايا في مداخلته التي حملت عنوان» نظرات في النقد الاجتماعي لدى ابن المؤقت من خلال كتاب “الكشف والتبيان»، أن ابن المؤقت يستدعي اهتماما أكاديميا خاصا ومن مختلف الحقول بما فيها العلوم الدقيقة، فهو حيسوبي، ومؤقت، ومصلح ، وفقيه، وأديب، ومن العلماء القلائل الذين اهتموا بالبيئة حيث كان من أول الذين تنبأوا بالاحتباس الحراري.
وأكد أن لابن المؤقت مشروعا إصلاحيا عاما وشاملا، بدأه حين تخليه عن الطريقة البنانية، وأوضح أنه بسبب صدقه في النقد وابتعاده عن المجاراة والنفاق، اصطدم مع علماء وأدباء عصره.
وأكد أن الطابع الإصلاحي لصاحب « الرحلة المراكشية» مغربي بامتياز، لكنه مع ذلك كان متأثرا بمحمد عبده، بعد انقلابه على شيخه فتح الله بناني الذي سبق أن مدحه بأسمى الصفات، وعاد بعد ذلك بفعل تطوره الفكري ليبدي موقفا قدحيا منه، لكنه ما لبث أن وجد شيخا آخر هو محمد عبده.
وفي تفسره لواقعة تحديد موعد القيامة، أوضح الباحث أن ذلك يعود إلى إصابة ابن المؤقت بالأسى لكون دعوته للإصلاح لم تجد آذانا صاغية، فعمد إلى تجريب أسلوب التهديد عله يفلح.
واستمرارا في نفس الأجواء العلمية تناول الدكتور مصطفى فنيتر في مداخلته « الرحلة الوقتية من خلال الرحلة المراكشية» جوانب نقدية من هذا الكتاب. معتبرا أن تاريخ صدورها، وهو 1932 بمصر، يدل على تفاعلها مع الظروف الطارئة بعد استقرار الاستعمار في المغرب. حيث تميزت هذه المرحلة بتحولات خاصة وصفها المؤلف بالمساوئ الوقتية، مبرزا الحالة العامة الناتجة عن الاستعمار وكيف تعامل المغاربة مع انعكاساتها.
وأشار المتحدث إلى أهمية اعتماد ابن المؤقت لأسلوب الحوار في عمله لاستكشاف الجوانب التي يرغب في إثارتها، وهو الأسلوب الذي استعمله عبدالله العروي أيضا في أحد أعماله.
كما حاول الدكتور مصطفى فنيتر البحث في دلالات إثارة بن المؤقت لعدد من الممارسات التي انتقدها رغم أنها لم تكن شائعة لدى عموم المراكشيين، مثل حديثه عن الخواتم والفضة، ونزهة يوم الأحد، وقراءة الجرائد والمجلات، وتقليد الإفرنج.. وهي عادات تهم فئة معينة وليس عموم المراكشيين.
وخلص المتحدث إلى أنه من الصعب الحكم على ابن المؤقت المراكشي من خلال كتاب الرحلة المراكشية فقط، مؤكدا أن له اهتمامات في ما يخص الأحداث التي وقعت في مراكش «كانتفاضة الصولدي» التي عبرت عن حدث فرض المستعمر لعملة الفرنك الفرنسي وإزاحة الحسني، معتبرا أن المؤلف عرض صورة قاتمة عن المجتمع المغربي، وركز على سلوكات الأفراد والجماعات داخل الحاضرة المراكشية، لكنه لم يتوغل في البحث عن الأسباب العميقة.
الجلسة العملية الثانية التي سيرها الدكتور مولاي المامون المريني فتحت مداخل متنوعة للبحث في إرث هذه الشخصية، انطلاقا من مداخلة الدكتور العميد عبد الجليل لكريفة، التي تناول فيها شخصية بن المؤقت المراكشي كشاعر للملحون.
الدكتور عبد الجليل لكريفة قدم نماذج من عطاء بن المؤقت في قصيدة الملحون، مبرزا جوانب من تفاعله مع الرصيد الشعري في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. حيث أكد أنه شاعر ابن شاعر، إذ أنه عاشر والده وقيد عنه، موضحا أنه ابن هذه المدرسة، واستمرار لوالده.
وختم العميد عبد الجليل لكريفة أن هناك مجالات للبحث ينبغي طرقها في ما يخص جانب الملحون في شخصية ابن المؤقت المراكشي.
تتبلور من خلال شخصية ابن المؤقت المراكشي شروط الإصلاح، ذلك ما كشفته الدكتورة نجية الزهراوي، التي قدمت قراءة في تجليات الإصلاح الاجتماعي لديه من خلال الرحلة المراكشية، حيث يظهر أن من شروط المصلح، أن يكون متعمقا في الثقافة الدينية وفقه النص، وفقه الواقع الذي يفترض معرفة عميقة بجوانب الحياة ومكامن الخلل فيها، وفقه التنزيل. موضحة في هذا الصدد أن ابن المؤقت المراكشي خبر المجتمع وأحاط بعلله وانحرافاته، مؤكدة أنه قدم في الرحلة المراكشية نظرة نقدية للمجتمع وأسباب التخلف.
كتاب « الجيوش الجرارة في كشف الغطاء عن القوة الجبارة» شكل موضوعا لمداخلة العلامة محمد الطوكي التي حملت عنوان « نظرات في كتاب: الجيوش الجرارة في كشف الغطاء عن حقائق القوة الجبارة لابن المؤقت المراكشي.» مبرزا أن هذا العمل كتب بناء على بيتين وردا في ديوان «أحلام الفجر» لشاعر الجماعة الوطنية عبد القادر حسن.
وقدم الأستاذ الطوكي قراءة عتباتية أسلوبية لعنوان العمل، مستغرقا في تحديد السياق التاريخي الذي أحاط بكتابته، وما قوبل به الكتاب من مواقف مستعدية. ويؤكد العلامة الطوكي أن رسالة « الجيوش الجرارة « لم تكتب صدفة، بل كتبت في واقع خاص اجتمع فيه الذاتي بالموضوعي. حيث أن العمل طبع في الثلاثينيات، التي تمثل نهاية الحرب البطولية بالجبال والصحراء، لتتسلم المهمة الحركة الوطنية بالمدن، عبر المطالبة بالإصلاحات. مضيفا أنه في الزمن الثلاثيني كانت هناك مجموعة من العوامل التي أدت إلى بلورة الشعور الوطني الذي حرك المجتمع. وفي تلك الظروف ستعرف حياة ابن المؤقت المراكشي منعطفا مهما، حيث ترك الصوفية، واستلهم محمد عبده لإصلاح المجتمع كأساس للنهوض. ليخلص إلى أن الإيديولوجيا السلفية هي مرجع كتاب «الجيوش الجرارة».
وبدوره سجل الدكتور علي الخامري أن ابن المؤقت المراكشي كان يملك ثقافة واسعة وعميقة وتجربة راسخة، وهو ما أهله لتكون لديه مواقف وتحليلات في قضايا كثيرة مازالت إلى اليوم مطروحة، كالمساواة والسعادة.
وأكد أن صاحب « السعادة الأبدية» كان يتمتع بجرأة العالم، الذي لم يكن يتردد في إظهار ما يراه صوابا والجهر به. فقد كان يكتب شعر الملحون، لكنه عندما رأى أن هذا الشعر انزاح عن وظيفته انتقده، وخاصة التيار الغزلي منه.
وقال علي الخامري إن ابن المؤقت المراكشي لم يحارب ما كان يراه انحرافا، إلا لكونه كان يملك فكرا متنورا وسط الظلام، ولأنه كان لديه رأي يجهر به.
وفي نفس الاتجاه أكد عبد العزيز حدادي أن ابن المؤقت المراكشي عاش أحداثا ساهمت في خلخلة البنى والذهنيات، حيث أنه عاصر مرحلة حساسة في تاريخ المغرب المعاصر، من خلال سقوط هيبة المخزن والتغلغل الأجنبي من خلال فرض الحماية.
و أبرز أن ابن المؤقت المراكشي ضمّن في دعوته الإصلاحية تفادي التقليد الأعمى وتحصين الشخصية المغربية، مثلما دعا إلى إصلاح القضاء ومواجهة مظاهر الفساد الإداري، وبلور مفهوم الوطنية، وألح على إصلاح الاقتصاد من خلال نبذ النظام الربوي، مثلما دعا إلى الاهتمام بالمرأة وفق نظرة تجمع بين التجديد والمحافظة.
واعتبرت الدكتورة حنان رياض أن الرؤية الفكرية لابن المؤقت المراكشي ليست بسيطة، لأنه مفكر موسوعي، ومن أغزر علماء المغرب تأليفا، تعمق في الأدب ونبغ في علوم الفقه، ولم يكن منعزلا عن هموم وطنه ومجتمعه.
ولاحظت أن ابن المؤقت المراكشي لم يتحدث عن الاستعمار مباشرة، لكنه أبدى احترامه للسلطان الذي كان يسميه بأمير الوقت. وأكدت أنه انشغل بالأدب السردي الإصلاحي، وكان صارما حاد اللغة وهو ما فتح عليه أبواب النقد.
وبخصوص الجانب الأدبي في شخصية ابن المؤقت، أوضحت الدكتورة حنان رياض أنه ملك ناصية الأدب والقدرة على التعبير، واستعملها في دعوته الإصلاحية التي صاغها في قوالب أدبية جمعت بين الرحلة والمقامة، مضيفة أنه ركز على الإصلاح الديني مرتبطا بالإصلاح الاجتماعي، وانتهى بمقاومة الزوايا والطرقية، كما أن ثقته كانت في العلماء وأولياء الأمر، لنشر العلم وبيان حقوق الأفراد والجماعات.
وتميزت الندوة بحضور وازن لنخبة المغرب من المثقفين والمفكرين والأكاديميين والمبدعين، الذي حلوا بمراكش قادمين من مدن مختلفة، من أجل متابعة وقائعها تكريما لهذا الإرث الفكري الذي خلفته هذه الشخصية الفريدة من نوعها.
ومعلوم أن العلامة المحتفى بإرثه محمد بن محمد بن عبد الله بن مبارك المسفيوي المراكشي المعروف بابن المؤقت، قد توفي في 17 صفر 1369هـ، 8 ديسمبر 1949، ودفن بمقبرة باب أغمات، بمراكش، وكان عالما موسوعيا، ويعد من أبرز أعلام المفكرين المغاربة في النصف الأول من القرن العشرين، ومن الوقائع التي تنسب له أنه في أواخر حياته قام بتوزيع نشرة على العامة يدعي فيها أن العالم سيفنى وأن القيامة ستقوم سنة 1950، وأثار ذلك ضجة كبيرة بين العلماء والمسؤولين في مراكش…


الكاتب : مراكش:  عبد الصمد الكباص

  

بتاريخ : 12/02/2024