شكلت مدونة الأسرة المغربية قفزة نوعية في تاريخ تعديل مدونة الأحوال الشخصية، واعتبرت منذ أربع عشرة سنة قانونية متقدمة، حيث ضمت عدة نصوص قانونية، انسجمت ومطالب الحركة النسائية في المغرب، بل والأكثر من هذا اعتبرتها المنظمات الحقوقية والنسائية العربية التي زارت المغرب في أكثر من مناسبة أنها مدونة قانونية رائدة في العالم العربي، جاءت كنتاج توافق مجتمعي بين الحركة النسائية والمجتمع المدني التقدمي من أحزاب ومنظمات حقوقية من جهة، والإرادة الملكية من جهة أخرى.
مدونة الأسرة المغربية، التي شهدت اليوم على تطبيقها أربعة عشر عاما منذ خروجها إلى حيزالوجود، في ظل سياق وطني وسياسي مختلف عما هو اليوم، حيث يرى اتحاد العمل النسائي، الذي أطلق حملة وطنية «من أجل تحيين ومراجعة مدونة الأسرة بعد 14 سنة على صدورها» ، يوم 24 فبراير من خلال تنظيم ندوة بالمكتبة الوطنية بالرباط، أن السياق العام اليوم مختلف تمام عما كان عليه أمس، حين صدور مدونة الأسرة سنة 2004.
بالنسبة لعائشة لخماس، رئيسة اتحاد لعمل النسائي، اعتبرت في افتتاح هذه الندوة الوطنية حول «من أجل قانون أسري يضمن الملاءمة والمساواة»، أن صدور مدونة الأسرة سنة 2004 شكل تطورا نوعيا في صيرورة تحديث ودمقرطة المجتمع المغربي، أعاد الاعتبار لكل مكونات الأسرة ولقيم المساواة والعدل.
وتستدرك لخماس أن بمرور أربع عشرة سنة على صدور هذه المدونة، بدأت الإشكالات المتعددة التي تعرقل تطبيقها الجيد، تطفو على السطح، كما أصبحت بعض بنودها التي عرفت تغييرات جزئية أو لم يمسها أي تغيير متناقضة مع روح وفلسفة المدونة ومع السياق العام الذي جاءت فيه.
وتخلص رئيسة اتحاد العمل النسائي إلى أن الأمر يقتضي مراجعة شاملة لهذا القانون، كي تستحضر فيه المكتسبات التي راكمها المغرب وأهمها دستور 2011، الذي ينص على المساواة بين النساء والرجال في جميع الحقوق، وعلى إحداث هيئة المناصفة ومكافحة كافة أشكال التمييز لضمان تمتع النساء بهذه الحقوق، كما ينص على حظر التمييز، وإلزام السلطات العمومية بمحاربته وبملاءمة التشريعات الوطنية مع المواثيق الدولية المصادق عليها من طرف المغرب.
وأجمعت مشاركات ومشاركون في هذه الندوة الوطنية، التي استقطبت عددا من الفعاليات السياسية والفكرية والإعلامية والأكاديمية، على أن مسألة الملائمة لمدونة الأسرة، أصبحت ضرورة لا محيد عنها من أجل تحقيق المساواة، خاصة أنها جاءت قبل دستور 2011، كما أن التطبيق لمقتضياتها على ارض الواقع، افرز عدة إشكاليات يلزم حلها لتحقيق العدالة والإنصاف.
وانتقد هؤلاء واقع التطبيق لمدونة الاسرة، وبينوا حدود فلسفتها التي تحمل في طياتها أعراف وتقاليد انتصرت فيها إرادة الفقهاء ضدا على فلسفة الإسلام حسب حسن رحو الجيراري الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط.
وكان الجيراري الذي قدم مداخلة حول «المادة 400 من مدونة الأسرة كنص انقلابي ضد حقوق المرأة في الإسلام والقانون: الحقوق الإرثية نموذجا» كان جد قاس بخصوص تقييم هذه المدونة، حيث منح للصياغة القانونية للمدونة 3 على 20 كنقطة، واعتبر هذه الصياغة جد فضفاضة الكل يجد نفسه فيها حتى الشيطان حسب تعبير الجيراري.
أما بالنسبة للفلسفة، التي بنيت عليها هذه المدونة، فقد سجل الجيراري أنها حاضرة غائبة مستتيرة تقديرها كل التقديرات الفقهية بما فيها المذهب المالكي، مذكرا هنا ببعض المقولات لبعض الفقهاء كأن «الزواج لا يعدو أن يكون نظام رق» و «الطلاق إزالة الملك كالإعتاق» عند ابن ماجة، مبرزا في ذات السياق أن كل العقود تبرم في البداية باتفاق إرادتين إلا عقد الزواج الذي يبتدئ بإرادتين وينتهي بإرادة واحدة، ليخلص الجراري إلى أن هناك انتصارا لفلسفة وإرادة الفقهاء ضد المفاهيم الدينية والفلسفة التي جاء بها الإسلام.
واعتبر الجيراري في هذه الندوة، التي سيرتها الناشطة الحقوقية لطيفة الجبابدي، أن المادة 400 لمدونة الأسرة اخطر نص في المدونة، حيث يرى أن 399 المواد الأخرى مجرد عناوين في المادة 400 مضيفا في هذا الصدد أن اليوم لم يعد معنى لوجودها، إذ بدل أن تقدم هذه المادة حلولا تخلق مشاكل.
ودعت الناشطة النسائية فريدة بناني، التي قدمت مداخلة حول « الملاءمة والمساواة تحيين/مراجعة/تغيير» إلى مراجعة جذرية لمدونة الأسرة من أجل قانون أسري عادل ومنصف يحقق المساواة للمرأة باعتبار أن التعديل أو الإصلاح أو التحيين لجزء من المدونة لن يحقق المساواة.
أما بالنسبة لعائشة الناصري مؤسسة جمعية المرأة القاضية، التي قدمت مداخلة حول « أي نظام مالي بين الزوجين في ظل مدونة الأسرة» سجلت أن هذا المقتضى المتعلق بتنظيم الأموال وملكيتها وكيفية تدبيرها سواء في فترة الزواج أو انحلاله، شكل فلسفة إيجابية كسر الصورة النمطية التي كانت سائدة، للانتقال إلى صورة ترسيخ أن الأسرة تتكون من إرادة زوج وزوجة وأن تقييم عمل المرأة ومجهودها لا يمكن أن يضيع.
وطرحت الناصري إشكالية الاثبات فيما يتعلق بهذا الجانب المالي، ما خلق بلبلة وانشقاقا في العمل القضائي في مجال صعوبات وإشكاليات التطبيق. ومن هذا المنطلق، دعت الناصري إلى ضرورة الملاءمة للمدونة، مع مراعاة التراكمات القضائية، والسهر على ضبط الصياغات القانونية، ومعضلة الاثبات.
وجاء في ورقة تقديم الندوة على الرغم من أن مدونة الأسرة، جاءت بالعديد من المكتسبات إلا أن أغلبها ذا طابع معنوي كالمساواة بين الزوج والزوجة في رعاية الأسرة، والتنصيص على المساواة في الحقوق والواجبات بين الزوجين، وحق المرأة الراشدة في تزويج نفسها، وإعطاء مركز قانوني لعقد الزواج بتخصيصه بملف يحفظ بكتابة الضبط، يتضمن مجموعة من الوثائق، تمكن من ربط التوثيق بنظام الحالة المدنية، وإعطاء الزوجين إمكانية تحرير عقد مستقل خاص بتدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية.
كل هذه المكتسبات ذات الصبغة المعنوية، لم تؤثر على مكانة النساء داخل مؤسسة الزواج، لأنه لم توضع آليات لتفعيلها إضافة إلى وجود مواد أخرى في المدونة، تفرغها من مضمونها: فعلى سبيل المثال لا الحصر، تنعدم مساواة الأم والأب في الولاية على أبنائهما، كما أن توقيع عقد تنظيم تدبير الأموال المكتسبة خلال الزواج، لا يقدم عليه إلا عدد قليل جدا من المقبلين على الزواج، إضافة إلى أن العدول لا يقومون بدورهم في التعريف بهذا العقد وإشعار الأزواج .