في ندود لجمعية «ملتقى الصورة» والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية : السينما الأمازيغية.. الواقع والآفاق

نظمت جمعية “ملتقى الصورة” والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الدورة الأولى»لأيام السينما الأمازيغية، أيام 25 – 26 و 27 أبريل 2018 بالرباط.
وشكلت الندوة الوطنية التي حملت عنوان»السينما الأمازيغية: الواقع والآفاق» لحظة ثقافية وفكرية وسينمائية فارقة خلال أيام التظاهرة، بالنظر إلى قيمة المتدخلين وقيمة المواضيع المعالجة ونوعية مجالات التدخل. كما شكل الجمهور الذي تابع الندوة الوطنية نقطة مضيئة للتظاهرة، ساهمت في إعطاء وهج خاص للدورة الأولى، حضور نوعي ومكثف، يترأسهم عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وأطر جمعية “ملتقى الصورة”ومهنيين ونقاد وإعلامين وعدد من طلاب الجامعات والمعاهد والمتخصصة بالرباط.
في بداية الندوة تحدث الباحث ادريس أزدود ومسؤول وحدة البحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية عن أهمية الندوة الوطنية وانتظارات المعهد من هذا اللقاء العلمي باعتباره لحظة للتفكير الجماعي في الوضعية الحالية للسينما الأمازيغية وكذا مستقبل الفن السابع معها.
ومباشرة تناول الكلمة الناقد محمد بنعزيز الذي توقف عند مراحل ثلاث من تطور السينما الأمازيغية حديثا بالمغرب، معتبرا أن مرحلة الإنتاج السينمائي من خلال الفيلم الروائي هي أخصب مراحل إنتاج السينما الأمازيغية، كما ساءل الناقد أفلاما سينمائية متعددة، من ذلك: الأفلام الأمازيغية المنتجة عبر الحامل (في هاش س) ثم الحامل (في سي دي) ثم الحامل التلفزي ثم الحامل الرقمي مؤخرا. وتوقف الناقد عند أهمية علاقات التأثير والتأثر بين الدارجة المغرية واللغة الأمازيغية، معتبرا أن بنية اللغة الأمازيغية هي بنية مماثلة لبينة اللغة العربية الدارجة، وساق للحضور أمثلة حية كنموذج. وفي معرض وضع تفصيلات حول بعض مكونات العمل الفني في السينما الأمازيغية، سلط الناقد الأضواء على بنية الفضاء في الحياة اليومية للريف والمدن الأمازيغية باعتبارها مؤثرا مباشرا وقويا في المتخيل الفيلمي، على مستوى تنوع جودة الصورة والصوت والشخصيات والحوار، باعتبارها أحد مداخل التميز والفرادة التي تكتسبها السينما الأمازيغية، كما توقف الناقد على مكونات الحكاية في السينما الأمازيغية باعتبارها مجال منخرط في التراث المحلي وأحد التمفصلات المؤثرة في الإيقاع الفيلمي في السينما الأمازيغية، ولم يفت الناقد سرد الدور الاجتماعي الذي تلعبه السينما الأمازيغية في حياة المتلقي خلال مختلف مراحل الإنتاج الأمازيغي، كما اعتبر أن ذلك الإنتاج لعب أيضا وظائف ثقافية وفكرية غاية في الأهمية.
وفي مداخلة ثانية، بعنوان:»السينما الأمازيغية بصيغة المؤنث: مليكة المنوگ نموذجا»، سلط الباحث سعيد أشملال الأضواء على الجانب التاريخي لتطور السينما الأمازيغية. وفي سياق إعداده لمختلف مسارات إنتاج الفيلم الأمازيغي، اعتبر أن مرحلة إنتاج الفيلم الروائي الطويل وإنتاج الفيلم الوثائقي هي أقوى مراحل الإنتاج السينمائي تعبيرا وإبداعية، وصرح الباحث سعيد شملال أنه في ظلّ الانفراج السياسي الذي شهده المغرب مع بداية الألفية الثالثة، تمّ الانفتاح الرسمي على مختلف العناصر المكوّنة للهوية المغربية عامة والمكوّن الأمازيغي خاصة. الأمر الذي سمح ببروز بعض التعابير الثقافية والفنية (من بينها السينما) التي تلامس كينونة وهوية الإنسان الأمازيغي إلى درجة أن السينما المغربية الناطقة بالأمازيغية أصبحت تستأثر باهتمام الباحثين والنقاد ومنظمي بعض التظاهرات السينمائية الوطنية على حد سواء.
ونبه الباحث أن ما يعنينا في هذا الدراسة هو الحديث عن الحضور النسائي في السينما الأمازيغية وراء الكاميرا، ولذلك حاول الإجابة عن الأسئلة التالية: إذا كان التأريخ الرسمي للسينما الأمازيغية (وليس أفلام الفيديو) يعود إلى سنة 2006، تسائل: ماهو تاريخ ظهور أول مخرجة سينمائية أمازيغية؟ ماهي أوجه التشابه والاختلاف بين سينما المخرجات الناطقة بالعربية وبين تلك الناطقة بالأمازيغية؟ ماهي مميّزات تجربة مليكة المنوگ السينمائية؟ وماهي القيمة المضافة التي تسجّل لفيلمها الطويل»تاونزا”؟
وأوضح الباحث أنه على مستوى المصطلح، هناك فرق بين المخرجة الأمازيغية وبين الفيلم السينمائي الأمازيغي (من توقيع امرأة)، أي هل الحديث عن السينما الأمازيغية بصيغة المؤنث يستدعي الوقوف عند أفلام المخرجات الأمازيغيات فقط (ولو كانت بعض هذه الأفلام أو كلها غير ناطق بالأمازيغية)، أم عند الأفلام المعبّرة عن المكوّنات الأمازيغية، حتى ولو كانت بعض مبدعات هذه الأعمال غير ناطقات بالأمازيغية؟ تفاديا للمنطق الاختزالي، ولاحظ الباحث أن المقصود من هذه الأسئلة هو الإشارة إلى مختلف أفلام المخرجات التي يحضر فيها أو من وراء عدسات كاميراتهنّ الإنسان الأمازيغي.. ثم أخيرا توقف الباحث عند تجربة مليكة المنوگ باعتبارها أول مخرجة سينمائية أمازيغية على مستوى الفيلم الروائي السينمائي الطويل الناطق بالأمازيغية.
ومن الأفلام التي استحضرها الباحث في سياق استعراضه مختلف الإفكار المذكورة، هناك:” فاكهة محرمة”،»مختار»، «كيد نسا”، «الراكد”، «منزل الحقول»، “عيون جافة»، كونيكسيون”.. فيلم»تاوزا» لمليكة منوك، ومفهوم “تاونزا» كمعنى يقصد به قص الشعر فوق الجبين.
وختم الباحث مداخلته بسؤال: لماذا يعتبر إشعاع المخرجات الأمازيغيات محدودا في مناطق الجنوب؟
وفي مداخلة ثالثة، توقف الناقد عمر إذثنين عن دلالات مفهوم السينما الأمازيغية؟ محددا بعض المعاني التي تدور في فلكه، منها ارتباطه سؤال الهوية، باعتبار السينما الأمازيغية في تقديره هي كل فيلم ناطق بالأمازيغية، وفصل الناقد المراحل التاريخية التي مر منها تطور الفيلم الأمازيغي، من ذلك: تجربة إنتاج فيلم الفيديو: أكثر من 300 فيلم، وأهمية تلك المرحلة في كون سينما فيديو الأمازيغية قامت على هدف خدمة الخطاب الثقافي للحركة والقضية الأمازيغية: اجتماعيا، ثقافيا. ومن خصائص مرحلة إنتاج سينما فيديو الأمازيغية: البساطة، تفاوت وضعية الجودة، تباين المضامين، تعدد الشخصيات، الحرية في الرأي.
وعاد الناقد في الأخير لتوصيف مرحلة تجارب إنتاج: صنف أفلام سينما، من ذلك: فيلم تيليلا و فيلم تمازيغت أوفلى لمحمود مونيش، وفيلم كنوز أطلس لمحمد عبازي، وأفلام كل من المخرج محمد بلمجدوب وعز العرب العلوي. وأوضح الناقد سياقات الإنتقال إلى مرحلة الإنتاج السينمائي المهني، خاصة الرغبة في الخروج من القوقعة الفيديو وتقوية الجودة الفنية والتقنية، وعن تحولات المرحلة التاريخية ربط الناقد هذه التحولات بمؤشرات ثقافية وسياسية منها تحول الخطاب الثقافي بالمغرب وتأثيراته على الحركة الأمازيغية، إضافة إلى ظهور مهرجانات وطلب أفلام. كما استوقف الناقد قيمة التحول باعتباره نقلة نوعية، على مستوى جودة الصورة الصوت، الحكي ومكونات فنية وتقنية أخرى. من ذلك نماذج أفلام: متميزة: وداعا كارمن للمخرج محمد العمري وفيلم أدور للمخرج محمد بابدو ، وفيلم إيبيرتا للمخرج بوزاكو.
وحرص الناقد على وضع مقارنة بين بين تجربة إنتاج الفيديو: إنتاج السينما، إنتاج التلفزة مستلهما ملاحظات وأفكار أساسية منها: هناك جمهور للفيديو وضعف جودة الإنتاج، وهناك جودة لصنف إنتاج سينما والجمهور متواضع، بهذا يمكن تسجيل مفارقات غريبة، منبها أن التلفزة حامل يعول عليه لتوسيع انتشار الثقافة السمعية الصرية الأمازيغية.
وفي مداخلة رابعة تحدث المخرج والمنتج عبد الله داري عن تجربته المهنية في معرض تطور مسارات السينما الأمازيغية، وتوقف عن لحظات مهمة من هذا التاريخ الذي عبر محطاته المتنوعة، حيث قام بإعداد شركة إنتاج أفلام أمازيغية، وصرح المخرج عبد الله داري باصطدامه بصعوبات الإنتاج السمعي البصري .. حيث ظل متخوفا ومترددا لمدة طويلة من أجل ولوج الإنتاج في صنفه السينمائي الروائي. وأكد أنه كان دوما متحمسا للاشتغال في صنف الوثائقي، خاصة مع فرص متاحة تهم دعم التلفزيون المغربي .
وبالمناسبة، أكد المخرج أن هذا المدخل مكنه من إمكانيات مالية تيسر القوت اليومي للمهني والمتخصص في المجال. وتوقف المخرج عن تجربى فيلم”إيموران» باعتباره إنتج بوسائل رقمية Dvcam، وسجل تطور تجربة إنتاج الفيلم الأمازيغي عبر مراحل تاريخية، كما سجل تطور صنف إنتاج الفيلم التلفزي الذي ساهم بطريقة أو بأخرى في قتل إنتاج السمعي البصري الأمازيغي عبر حامل الفيديو، بالموازاة صرح عبد الله داري أن من مميزات تجربة إنتاج الفيديو هي كونها على مستوى حرية التعبير تظل موسومة بالاستقلالية، في وقت أضحى الإنتاج السمعي البصري ومعه الجمهور عرضة لنسب المتابعة وبالتالي لمن يفتح ويشاهد الأنترنيت. ويؤكد المخرج أنه إذا كانت فرص الاستهلاك أقوى حاليا بفضل تنوع الهيئات المستهلكة ماليا: يوتيوب / تويتر / فيوليو، فإن ظهور نظام الدعم الوطني لمجال السمعي البصري والثقافي عموما سمح لفن السينما وفنون التلفزيون أن تعرف تحولات بنيوية ثقافية وفكرية وتقنية.
على مستوى إكراهات تطور السينما الأمازيغية، يسجل المخرج أن نمط الاستهلاك بالمجال عامة وبالسينما الأمازيغية لازال لم يؤسس بعد، كما لازالت شركات الإنتاج تقليدية العمل، لهذا يرى المخرج أنه يجب تطوير تجارب ووسائل الإنتاج عبر شركات لضمان انتظام الاستهلاك والاستمرارية، في أفق تأسيس سوق استهلاك بمواصفات إنتاج عصرية تشمل جميع المكونات: البنيات، القوانين، التلقي، مع الرهان على تربية الذوق والارتقاء به.
وفي مداخلة أخيرة، تحدث الناقد أحمد بوغابة في عرض بعنوان»قراءة في تجربة فيلم وداعا كارمن»، المنتج سنة 2013، تحدث عن تطور السينما الأمازيغية من منظور المكونات الفنية والجمالية، مكونات تساهم في تطور السينما الأمازيغية، حيث قال إنها تعرف انتقالات وتحولات بطيئة. وتوقف الناقد على محطات الكبرى للسينما الأمازيغية، وسلط الضوء على ما سماه محطات فيلمية استثنائية في هذا المسار، من ذلك تجربة فيلم»وداعا كارمن”. وصرح المخرج أن فيلم»وداعا كارمن” حلق بالسينما المغربية إلى العالمية، لكونه يتملك لغة سينمائية فيها بلاغة وعمق ورقي فني. وعاد للتذكير أن فيلم”وداعا كارمن» لم يخرج إلى السوق التجاري المغربي خلافا للسوق العالمي، بالرغم من أن الموزعة المغربية الوحيدة إيمان مصباحي التي رغبت في عرضه، اشترطت شروط (doublage)، لكن المنتج والمخرج رفض الشروط، وفضلا أن يظل بهويته الفنية كاملة بدون تغيير بدل عرضه بتغييرات تمس بنيته التعبيرية والجمالية. فظل الفيلم بدون توزيع.
وأكد الناقد أن الفيلم يمتلك قوة منفردة مقوماتها مكونات ثلاث، هي سيناريو حرفي، وإدارة ممثل متمكنة، ومونتاج وإيقاع ومحكي متفرد، فضلا عن مواصفات أخرى للفيلم، لكونه يتميز بخلفية تاريخية (1975) المسيرة الخضراء، تعود بالمشاهد لفترة موت فرانكو إسبانيا وتداعياتها دوليا ووطنيا. هنا تمكن المخرج من التجميع والمزاوجة بين حكايات بالفيلم: كارمن بائعة تذاكر السينما، والطفل:صاحب العشر سنوات باعتباره عين الكاميرا، وأم الطفل: التي تهاجر لإسبانيا: باعتبارها مؤشر على نوع هجرة مختلفة، ثم توظيف الشخصيات ضمن أدوار تاريخية، حيث تمتلك الأحداث دلالات وتداعيات عبر تداخل الأدوار السياسية والاجتماعية للشخصيات.
ومباشرة بعد انتهاء المداخلات، قدم الحضور ملاحظات وأفكار وأسئلة تهم تطور السينما الأمازيغية خلال المراحل التاريخية المذكورة، تهم مكونات الإبداع في السينما الأمازيغية والسينما المغربية، وإشكال جاذبية الفيلم في السينما الأمازيغية، لماذا نجاح شباك التذاكر في أفلام: فركوس وسعيد الناصري وتجارب مماثلة، مستقبل السينما الأمازيغية: وبذل مجهود بيداغوجي لتربية ذوق مختلف يتذوق السينما أمازيغية، وأهمية الانتقال من حالة نضال السينما إلى وضعية المؤسسة السينما، ومعالجة قضايا: نمط الاستهلاك غير المؤسس وإشكاليات الجودة والترويج والهوية الجمالية. وفي الختام تمكن المتدخلون من توضيح جملة قضايا وأفكار وردت في المناقشة.


الكاتب : متابعة

  

بتاريخ : 07/05/2018