في وداع الكبير أحمد طليمات: مثقف مبدئي إلى حدود الشراسة، جريء بلا وقاحة، بشوش في وجه القتامة

 

في أجواء مطبوعة بمرارة الفقد وفداحة الخسران ودع عصر يوم الاثنين 23 نونبر الجاري مثقفو ومناضلو مدينة مراكش الكاتب والمبدع أحمد طليمات، الذي غادرنا صباح نفس اليوم مخلفا أثره الشغوف بدفق الحياة والمحبة في قلوب رفاقه وقرائه ومحبيه.
خبر وفاة الكاتب المبدع أحمد طليمات نزل على نفوس أصدقائه صاعقا في صدمته التي جعلتهم يواجهون فيها الحقيقة التي لا يحتمل أحد تصديقها، لأن الراحل كان دائما وأبدا ابن الحياة وأحد فرسانها الذين لا يكلون ولا يملون في الدفاع عن طراوتها مقاوما أشكال البؤس التي تُفتعل للتشويش على عمقها، فظل طيلة حياته وفيا لقضية التنوير حاملا في قلبه سؤال الكتابة وقلق الإبداع.
وقال الباحث والمناضل عبد الصمد بالكبير في تأبينه بالمقبرة « من دفناه اليوم ليس أيها الناس، وقلّ الرجال في زمن صعب مررنا منه جميعا، لكنه مر منه في أصعب لحظاته. نحن دفنا أديبا، وما أصعب أن تنتج أديبا في زمن فيه قلة الأدب.» وعن أدواره النقابية قال بلكبير « كان في طليعة من أشرف على التنظيم التلاميذي وهو التنظيم الذي أنجز في المغرب المعاصر الكثير من الإصلاحات في المدرسة المغربية. أما بالنسبة لدوره التربوي فقد كان الراحل مدرسة وحده، يشهد على التميز المطلق لعلاقته بتلاميذه التي كان أساسها الحب والاحترام. إننا ندفن اليوم رمزا من الرموز التربوية ومن الرموز الأدبية والثقافية والرموز النقابية والسياسية. ويضاف إليها أنه كان من الرموز الأخلاقية لأن تواضعه ومحبته للناس كانت طاقة معترفا بها من قبل الجميع، إذ لم يُر أحمد طليمات إطلاقا، متخاصما مع أحد، ومن شمائله الأخلاقية أنه لم يكن يجد سعادة إلا في تقديم خدمة وعونا ومساعدة، فكان منزله مفتوحا لجميع الرفاق وجميع الأصدقاء. نتمنى أن يسمح هذا الوطن بإعادة إنتاج مثل هذه الرموز ..».
ونعى مركز التنمية لجهة تانسيفت آسفي المبدع أحمد طليمات، الذي كان أحد أبرز نشطائه قائلا « كان أحد الذين تمهلوا مع حب هذا الوطن وعاشوا تطلعاته و تعثراته، عتماته ونقط ضوئه. مثقف مبدئي إلى حدود الشراسة، جريء بلا وقاحة، دينامي إلى آخر رمق، بشوش في وجه القتامة. كاتب يكتب بوحي من ضميره، يفكر بهدوء ويعبر بقوة ساخرة. لكل تلك الخصال كان لفقده طعم الفجيعة ليس بالنسبة لنا كمركز تنمية بالجهة، بل لكل من عرفه من المبدعين والمثقفين في ربوع الوطن.»
الشاعر إسماعيل زويرق استحضر ذكرى أحمد طليمات في تدوينة له قال فيها «كان صديقا أثيرا وكاتبا نحريرا وشاعرا كبيرا ومناضلا جريئا لم يرحل هو في قلوبنا باق في مراكش باق في الخالدين باق…» و أضاف الشاعر زويرق « بقلب ملأ مداه الشجى أقول لك وداعا أيها الصديق الذي لا يمكن أن يعوض، وداعا سيدي أحمد طليمات ولتعلم أنك فينا باق إلى الأبد.»
ومن جهته نعى اتحاد كتاب المغرب الراحل مستحضرا فصولا من نشاطه الثقافي والإبداعي، ومما جاء في النعي « تلقى المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب، بأسى وتأثر بالغين، نبأ رحيل عضو الاتحاد، الأديب والمناضل السياسي، الأستاذ أحمد طليمات، صباح يوم الاثنين 23 نونبر 2020، بمدينته مراكش، عن سن 75 عاما، إثر وعكة صحية مباغتة ألمت به، بعد حياة مليئة بالحضور الثقافي والإبداعي والنضالي.اشتغل الأديب الراحل رحمه الله، في بداية مساره المهني بالتدريس، وقد بدأ مسيره الأدبي ونشر كتاباته منذ ستينيات القرن الماضي. التحق باتحاد كتاب المغرب عام 1973، وتحمل المسؤولية لدورات في مكتب فرع الاتحاد بمراكش، بمثل ما عرف الراحل بعضوية تحرير صحيفة «الاختيار» الثقافية التي كانت تصدر من مراكش، وكانت تديرها مؤسستها الشاعرة المغربية مليكة العاصمي. كتب الأديب الراحل الشعر والرواية والقصة القصيرة، فضلا عن كتاباته الفكرية، وله فيها جميعها مجموعة من الإصدارات، وأخرى تركها المرحوم قيد الطبع. كما عرف رحمه الله بنشاطه ونضاله وعطائه النقابي والسياسي، على الصعيد الوطني، منذ سبعينيات القرن الماضي، بانخراطه وبمسؤولياته في حركات ولجان ومنظمات وطنية، من قبيل «حركة 23 مارس» و»حركة الشبيبة الديموقراطية» و»منظمة العمل الديموقراطي الشعبي» وبرحيل الفقيد الأديب والمناضل أحمد طليمات، تكون أسرة الثقافة والنضال بمدينته مراكش بصفة خاصة، وببلده المغرب بشكل عام، قد فقدت في رحيله أحد الأصوات الإبداعية والنضالية المؤثرة والمعطاء.»
وكتب الشاعر عبد العاطي جميل مرثية شعرية في وداع فقيد الثقافة و الأدب أحمد طليمات بعنوان « لروح أحمد العاشقة هذه الكلمات» يقول في أحد مقاطعها:
« في حلقه توقفت الكلمات
إجلالا
لرفيق الكلمات
لعشيق الكلمات
أحمد طليمات
كانت تراوده
تغازله
شعرا وسردا
في بستان الوقت
الهارب دوما
عن فرح البسطاء
وكان واحدا
من هؤلاء البسطاء
يحب الحياة كلمات
من أبهى حروف
لها شمائل الجوالين
حاءات حليمة
تخرج من دمه العاشق
حلما غجريا
يملأ الطرقات
بمختصرها يصعد مقامات الأنفاق ..»
ولد الشاعر والروائي أحمد طليمات بمدينة مراكش سنة 1945، اشتغل مدرسا في قطاع التعليم العمومي، و منذ أواخر ستينات القرن العشرين وهو يكتب وينشر في المنابر الثقافية للصحافية المغربية. في بداية سبعينات ق.20 كان عضو هيئة تحرير صحيفة «الاختيار» الثقافية التي كانت تديرها الشاعرة المغربية مالكة العاصمي، والتي كانت تصدر بمراكش. من مؤلفاته :وثني المطر (شعر)2011، لحاءات حليمة وللحروف شمائل (شعر)، المختصر من مقامات الأنفاق (رواية)1996،المختصر من تخرصات الكوارثي وترخصاته أو : وجدناها(رواية)1998، السيد لينين والسيد فرويد والسيد تحفة (قصص)2008، مخلوقات منذورة للمهانة (قصص)2010. رحم الله الفقيد.


الكاتب : مكتب مراكش:  عبد الصمد الكباص

  

بتاريخ : 25/11/2020