في يومين دراسيين بعاصمة زيان .. تشخيص رهانات ومتطلبات المناطق الرطبة في ظل التداعيات الثقيلة لتعاقب سنوات الجفاف

شكلت أشغال «النسخة الرابعة للأيام الهيدرولوجية»، المنظمة في مدينة خنيفرة، بمناسبة اليوم العالمي للاحتفاء بالمناطق الرطبة، الذي يصادف 2 فبراير من كل سنة، واختير له هذه السنة شعار «حان الوقت لاستعادة الأراضي الرطبة»، مناسبة للخروج بعدد من التوصيات، أهمها التأكيد على «أهمية المناطق الرطبة بعالية الحوض المائي لأم الربيع، نظرا للدور الذي تلعبه على المستوى البيئي والسوسيو اقتصادي بمنطقة خنيفرة، خاصة أنه يشكل رافعة لتنمية الاقتصاد المحلي»، مع ضرورة استحضار «معاناة المناطق الرطبة من آثار التغيرات المناخية المتمثلة في تعاقب سنوات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة وانخفاض التساقطات السائلة والصلبة».
وبعد التأكيد على «أن ضغط الإنسان المتواصل على الموارد الطبيعية وسلوكياته السلبية تجاه الكائنات الحية، تشكل تهديدا حقيقيا للمناطق الرطبة»، تم التشديد على «أهمية البحث العلمي في البحث عن حلول لإيقاف تدهور المناطق الرطبة»، علما بأن الوضع يستدعي «تنظيم أيام دراسية موضوعاتية بمشاركة عموم الفاعلين والمهتمين بالمناطق الرطبة، من أجل التنسيق وتوحيد الرؤى والعمل جنبا الى جنبا لحماية هذه المجالات الهشة»، والعمل على «دعم وتشجيع الدراسات والأبحاث العلمية التي تصب في تشخيص وتثمين وتدبير المجالات الرطبة».
وفي السياق ذاته ، تمت الدعوة إلى «اعتماد مقاربة نسقية وشمولية عبر عملية التقصي والتبصر لفهم وإدراك خبايا هذه المنظومات البيئية»، والعمل على «تجويد الحكامة من خلال تدبير الشأن المحلي عبر دمقرطة التدبير والانتقال من الديمقراطية التمثيلية إلى الديمقراطية التشاركية، وجعل البعد البيئي مدخلا لإرساء برامج التنمية المحلية»، علاوة على «إرساء الجانب الوجداني في المقررات المدرسية تجاه المناطق الرطبة من أجل الرفع من درجة الوعي والإحساس بالمسؤولية والغائية تجاه هذه الأوساط».
للتذكير ، فإنه على غرار باقي بلدان العالم، خلد المغرب اليوم العالمي للمناطق الرطبة، وفي هذا الإطار استضافت خنيفرة، يومي السبت والأحد 4 و5 فبراير 2023، يومين دراسيين من تنظيم «جمعية الباحثين الجغرافيين في الماء والبيئة بجامعة مولاي سليمان ببني ملال»، بتنسيق مع المديرية الجهوية للوكالة الوطنية للمياه والغابات، مختبر دينامية المجالات والأخطار والتراث، مجموعة حماية الطيور بالمغرب، جمعية أصدقاء المحمية الاحيائية لشجرة أرز الأطلس، المنتزه الوطني لخنيفرة، المدرسة العليا للتكنولوجيا بخنيفرة، ثم فرع جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض، ونادي اسمون نعاري للرياضات الجبلية بذات المدينة.
وبقاعة العروض لغرفة التجارة والصناعة والخدمات، تم افتتاح اليوم الأول لأشغال اللقاء بكلمة تقدم بها ذ.طارق العرفي باسم جمعية الباحثين الجغرافيين، وتميز بجلستين بمشاركة عدد من الباحثين وطلبة الدكتوراه والفاعلين المدنيين والمشتغلين في مجالي البيئة والغابة، ذ.هشام البوزكراوي، ذ.الحسن أبا، ذ.امحمد خافو، ذ.حسن بلحسن، ذ.محمد الغاشي، ذ.أحمد حميد، د.عمر غضبان، د.حسن واخير، ذ.طارق العرفي، ذة.نادية لحلو، وذلك في حضور نوعي من أطر المياه والغابات، ومهتمين بالبيئة والمناطق الرطبة، ومن فعاليات المجتمع المدني، الذين أثروا اللقاء بأسئلتهم ومقترحاتهم.
فيما تميز اليوم الثاني بجولة بيئية بين منتجعات ويوان وعيون أم الربيع وأكلمام أزكزا، والتي تم تتويجها بورشات شارك فيها ذ. المصطفى تودي، ذ.الحسن أبا، ذ. هشام بوزكراوي، والتي لها علاقة بهذه المناطق الرطبة، وما تكتنزه من أنواع الثدييات والطيور والأسماك، ومن عيون وبحيرات، وكذا من ثروة غابوية في حاجة للمزيد من الحماية، مقابل ما تقوم به المياه والغابات من مبادرات، من بينها توزيع أفران على الساكنة المحيطة بالغابات من أجل التخفيف من القطع العشوائي للاشجار، كما تمت مناقشة خصائص هذه المواقع الجيوفيزيائية والجيومورفولوجية وأهم المعايير المعتمدة دوليا، وسبل تثمينها بخلق مشاريع مدرة للدخل وأنشطة سياحة أيكولوجية.
هذا وتميزت عروض «النسخة الرابعة للأيام الهيدرولوجية»، بتناول مختلف الجوانب والأرقام والمتعلقة بالمناطق الرطبة، إقليميا وجهويا، حيث تطرقت في مجملها للمنابع والبحيرات والتنوع البيولوجي، ولأهمية المحميات والمنتزهات الوطنية التي أنشأتها مصالح المياه والغابات، وخصائصها ودورها في تثمين المناطق الرطبة، وللمواقع البيولوجية، والأنواع النباتية النادرة والمهددة بالاندثار، وكذا لأنواع الطيور والثديات والزواحف والأسماك، وللاشكالات والتحديات التي تواجهها الثروة الغابوية، سيما منها المساحات المشجرة بالأرز. كما تم التطرق لـ «التغيرات المناخية ومدى تأثيرها على الموارد المائية، ومدى قدرة الأبحاث العلمية على مواجهة هذه التغيرات أو التأقلم معها»، فضلا عن إشكالية تدبير المياه بناء على نموذج حوض أم الربيع، باعتباره ثاني أكبر الأحواض بعد حوض سبو، مع التوقف عند مسؤولية الإنسان في تراجع الغطاء النباتي وما يستدعيه ذلك من إجراءات معقلنة وعدالة مجالية وتدابير علمية، وكذا تم تناول علاقة الإنسان بالأرض وبالمناطق الرطبة كمنظومة مشكلة من ماء وحياة، ومن تكوينات وخبايا تتطلب مقاربة نسقية وشمولية ودمقرطة في التدبير.
ومن خلال ذات العروض، تم الاطلاع أيضا على أهمية التربية البيئية في ضمان التنمية واستدامتها، وعلى وسائل الاشتغال البيئي، ثم على وضعية الأحواض المائية (أم الربيع وسرو مثلا)، وروافدها الرئيسية والثانوية، وتغيرات صبيبها بتغير الأحوال المناخية، فضلا عما يتعلق بمسببات الانجرافات على مستوى مستجمعات المياه في هذه الأحواض، ومخاطر الشح والتوحل التي تتعرض لها بسبب تداعيات الجفاف وتأخر التساقطات المطرية والثلجية، إلى جانب الاشارة لأهمية السدود في تدبير الوفرة والندرة المائية على السواء، مع التذكير بالوضعية الكارثية التي بات عليها سد أحمد الحنصالي نموذجا.
وفي كلمة بالمناسبة، ذكرت «جمعية الباحثين الجغرافيين في الماء والبيئة»، بأن تنظيم «النسخة الرابعة للأيام الهيدرولوجية» ، يأتي بعد تنظيمها للنسخ الثلاث السالفة، بشراكة مع مختبر «دينامية المشاهد، المخاطر والتراث»، بكلية الآداب والعلوم الانسانية ببني ملال، والتي وقفت من خلالها على تشخيص وضعية الموارد الطبيعية والمائية بالمناطق الجبلية بكل من دمنات وإملشيل والمناطق الواحية بكلميمة، مشيرة إلى أن المناطق الرطبة «تعتبر أنظمة إيكولوجية مهمة للغاية تساهم في تعزيز التنوع البيولوجي وتجديد إمدادات المياه ، وكذا تخزين الكربون وتعزيز السياحة البيئية، إلا أن مختلف التقارير الحديثة تشير إلى أن هذه الأراضي تختفي بمعدل أسرع بثلاث مرات من الغابات، حيث أن أكثر من 35 بالمائة من الأراضي الرطبة قد تدهورت أو اختفت منذ عام 1970»، «ويعد وقف هذا الفقدان أمرا بالغ الأهمية بالنسبة للمجتمع العلمي».
ويجدر التذكير أن الوكالة الوطنية للمياه والغابات قد أصدرت بلاغا بالمناسبة، بصفتها الجهة المسؤولة عن تدبير المناطق الرطبة بالمغرب، أكدت ضمنه على»الحاجة الملحة لإيلاء استعادة المناطق الرطبة الأهمية القصوى، حتى تتمكن من لعب دورها بالكامل كمنعش ومحفز للنظام الايكولوجي الذي يعتبر لبنة أساسية للتوازن بالنسبة لسكان الارض»، لافتة إلى اعتماد «نهج تشاركي مع الجهات الفاعلة المحلية وتشجيع الحلول المبتكرة للحفاظ على الأراضي الرطبة، وتعزيز مرونة النظم الإيكولوجية على النحو المنصوص عليه في استراتيجية «غابات المغرب 2020-2030».


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 13/02/2023