قانون المالية 2021:الأسئلة المغيبة

-ماهي مصادر التمويل؟
-هل يمكن أن يكون الحجر
هو الحل؟
-ما هو مقابل الدعم لإقلاع الاقتصاد؟
-هل ستظل الدولة في حاجة إلى ديون الخارج لتمويل نفقاتها؟
-هل يمكن أن تتولى الدولة ديون الأسر ومساعدة الفقراء مباشرة إلى ما لانهاية؟

 

 

لم يخرج عالم جديد من محنة الكورونا، كما أن كل الحالمين بأن الأشياء ستتغير في صلبها ويخرج إنسان جديد، عليهم أن يؤجلوا أحلامهم إلى ما بعد الإقلاع الاقتصادي…
وفي هذه النقطة بالذات، لا يمكن أن نسلم في بلادنا، على الأقل، أن كل التوقعات بأن الإقلاع سيكون ملحوظا بالعين المجردة، قابلة للتحقق، بل يمكن أن نعلن التخوف من أنها، في ما يبدو، صارت في خبر كان، ولم تعد مطروحة في الأفق المنظور، ونعني به نهاية سنة 2020، وسنة 2021، التي نعد ونستعد لقانونها المالي…
لنتذكر
نحن جزء ولسنا جزيرة في واقع العالم الحالي، وكلما توجس العالم نصاب بالعدوى، وعليه فلن نخرج سالمين من هذه الصدمة، المسبوقة بالجائحة والمتبوعة بتزايد درجة خطورتها.
فهذه المرحلة، بغض النظر هل نسميها موجة ثانية أو ثالثة، ستدوم أطول مما توقعنا..ولعل ما فقدناه معها، بالأساس، هو قدرتنا على التوقع، ولو بالتلصص قليلا على ما بعد الجائحة، أو على أقل تقدير ، القدرة على طرح السؤال عما بعد الأزمة..
فلا أحد يغامر بطرح سؤال ما بعد الحجر، فهو نفسه ما زال يروج كاحتمال لمواجهة الوباء، بالرغم من أن قرارا مثل هذا له ما يطرحه من تساؤلات كبرى سيحين وقت مناقشتها…وبخصوص الأزمة، ابتعد السؤال وابتعد طيف الجواب، وبناء على ذلك صارت الخيارات الاقتصادية والسياسة المالية وغيرهما خيارات معقدة، والتشاؤم زاد بخصوص ما ملكناه سابقا من أجوبة، من قبيل هبوط العجز عند ناقص 5 الواردة في قانون المالية المعدل…
أما بالنسبة للنمو المقدر في 4% بخصوص قانون مالية 2021 ، فالسؤال هو هل يمكننا تحقيقه لاسيما وأن الحكومة في شخص وزارة المالية قد وضعت قاعدة زمنية لاستئناف الإقلاع الاقتصادي تبدأ في النصف الثاني من سنة 2020!
ونحن غارقون في شكوك هذه الجدولة مع تنامي التوجس والإجراءات الاحترازية والتشديد في المراقبة، لا شيء يثبت لنا، بوضوح، أن النمو الذي نتوقعه في القانون المالي 2021 سيكون حقا في الموعد، وهوما قد يميل الكفة تجاه قول الخبراء بضرورة بناء القانون المالي لسنة 2021 على فرضيات أخرى غير الفرضيات التي تمت لحد الساعة…
المحقق أن الأمور تفترض أن تدار بمهارة كبيرة، قد تجعل من الصعوبة اتخاذ القرار ، إذا ما حسبنا منطق المهارة في الأثذوكسيات المتواترة منذ عقود.
أمامنا هدف أول هو إنقاذ الأسر، وهدف ثان يتمثل في إنقاذ المقاولات مع ما يتطلبه ذلك من موارد مالية جديدة لا نملكها، وقد تمنعنا ثوابتنا المالية من اختيارها…
والمطروح هنا المزاوجة بين حماية الفقراء، والسعي وراء إنعاش الاقتصاد الوطني، في توقيت واحد وسياق واحد وقرارات متناغمة..هنا تكمن الموضوعتان الرئيستان للقانون المالي المطروح للنقاش..
بالنسبة للدعم الاجتماعي ونفقات الأسر سيظلان قائمين ما دام لا تفكير في مناصب شغل إضافية، إذ أن أقصى ما يمكن القيام به هو الحفاظ عليها .
-فكيف إذن سندعم الاستهلاك؟
-رفع الأجور؟
-مستحيل..
وعليه، فإن مساعدة الأسر ستطرح نفسها من جديد…
نفس الشيء بالنسبة لتأجيل الديون المتعلقة بالأسرة؟
-إلى متى ؟
وهل ستتولاها الدولة واعتبارها جزءا من الانفاق العمومي؟
من هنا، فالمساعدة المباشرة والديون الأسرية حلاَّن مهمان ما دام التشغيل لن يكون هو الحل الآن..
ويبقى كيف نمول هذا الحل؟

بالنسبة لدعم الإقلاع وبقاء المقاولات

في دعم المقاولات، لا تزال الوسيلة هي القروض المضمونة من الدولة، لطمأنة الأبناك، مع قرارات أخرى تخص تخفيف التحملات الاجتماعية لدى المقاولات وتولي أدائها بدلا من الرأسمال الوطني.
السؤال سؤالان في هذا الباب:
هل يمكن أن يمتد الدعم إلى مالانهاية، ألا يكون هناك سقف زمني وعتبة لكل هذا؟
ومنه يتفرع سؤال آخر، يتعلق بكيفية محافظة النظام البنكي على استقراره و قدرته على الإبداع في تمويل المقاولات؟
غير أن الجواب يفترض أشياء محايثة لهما، ومنها:
ما هو تقدير الحكومة للأزمة؟ ما هو تأثيرها على القطاعات ؟
ما هو مدى الصدمة إلى حدود 2021؟ وعليه، يفترض في وزير المالية أن يعرف:هل سيظل الوزير تحت نفس السقف وبنفس المقدمات: منطق كلاسيكي مبني على فرضيات تقليدية تهم الموسم الفلاحي، وتقلبات السوق البترولية والغاز ، أم سيسير نحو التفكير بشكل مغاير؟
بالنسبة لوزير المالية الأسبق فتح الله ولعلو »فإن الأزمة دفعت الدول حول العالم، للتخلي عن “العقيدة المالية” أو “الثوابت المالية” (عجز بنسبة 3% في الميزانية، دين عمومي أقل من 60%، وغيرها…)، إذ كان عليها أن تنشر وتستأنف مهامها، كدولة حامية واستراتيجية، إلا أنها اضطرت إلى إعادة النظر في سياستها العامة غير أنه، وعلى المدى القصير، ستسبب هذه السياسات مشكلة وستطرح إشكاليات عدة، لاسيما ما يتعلق بالتمويل المالي«.
وبخصوص التمويلات، لا بد من العودة إلى مظاهر الأزمة فيها، كما يقول العربي الجعايدي،أعمدة الاقتصاد الوطني تعاني: فالصادرات توقفت بسبب الجمود العام..وتراجع الطلب الدولي وانخفضت قدرة النسيج المشابهة وقطاع البناء تعطل، جزئيا أو كليا، لأن الدولة لم تحافظ على مستواها المطلوب في التقدم في المشاريع والأشغال العمومية والبنيات التحتية إضافة إلى بناء السكن بكل أنواعه«…
ونفس المعطيات السلبية تمس السياحة والاستهلاك العام، الذي تراجع وسيتراجع، مع تزايد تسريحات العمال والأجراء…

الدعم ومشروطاته

يحيلنا موضوع الدعم، كمجهود من الدولة، على نقاش تعرفه كل الدول، ملخصه:لا بد أن يقابل هذا الدعم ضمانات حقيقية وملموسة من المقاولات«، التي تكون مطالبة بتوزيع عادل للثروة!
فالدعم وجوبا، يذهب للمنافسة والتخفيف من قوة الضربة مع إعادة النظر في الأجور على المدى المتوسط ، الذي سيشمله البرنامج الاستعجالي والإقلاعي، مع ضمان المناصب الخاصة بالشغل وتكوين الموظفين كحل استراتيجي، فلا يمكن أن نراقب بحياد الدرجة التي وصلت إليها الدولة وأن تضع نفسها في معادلة صعبة :
الضعف في المشكل
والضعف في الحل..!
وسيبقى السؤال حقا، بما أنه مال عمومي، كيف لنا أن نتأكد، أولا، من عدم استعمال الدعم لما يتحدد له؟
كيف ستتم المراقبة؟
هل من مشاركة للمجالس المعنية بالمحاسبة، وهل يمكن صرف الدعم ضمن شبكة المراقبة المنصوص عليها وليس تحت طائلة الاستعجال مثلا؟

فلوس فلوس، منين نجيب فلوس؟

تجاوز الكارثة يقتضي ضخ أموال إضافية في الاقتصاد، وفي ذلك يرى المراقبون وخبراء الاقتصاد، منهم العربي اجعايدي أن الدين العمومي يبدو هو وسيلة التمويل الوحيدة التي تبقت للحكومة، لأن تخفيض الانفاق العمومي على التوازن الاجتماعي وإنقاذ المقاولات سيكون جد خطير…
أي استدانة يجب اللجوء إليها؟
الدولة تفتخر بأنها تلعب ورقة الاستقرار والانضباط المالي والموازنات الكبرى بصرامة، وهو ما يجعلها تلعب ورقة رأسمال الثقة لدى الممولين الأجانب…
إلى متى يمكن أن تلجأ إلى التمويل الدولي من أجل تغطية مصاريفها ونفقاتها؟
أوروبا ستعيد النظر وتعيد توجيه خطوطها البنكية الاقتراضية..
دول الخليج في الوضع الحالي غير وارد الاستفادة منها أضف إلى ذلك .
الدين في السوق الداخلي ليس معطى محسوم، علاوة على أن الدين الداخلي ارتفع في السنوات الأخيرة، وهو دين تموله الأبناك أساسا، والحال أنه مطلوب منها تركيز مجهوداتها على تمويل مشاريع المقاولات. …

الصندوق الاستراتيجي

الدولة وضعت آلية مهمة في الاستثمار للبحث عن جواب لسؤال تمويل الإقلاع الاقتصادي وأنشطة القطاعات المهمة في الاقتصاد: والسؤال هو كيفية أجرأة هذا الصندوق…
فوزير المالية اختار ترتيبات تقنية وتحدث عن توفير 15 مليار درهم من المال العمومي، مع تعويله النظري على تحريكه لدينامية بعدية، باعتباره رافعة لتحريك الموارد الأخرى…
وما يطرح الأمر هو السقف الزمني لذلك: هل سيكون لمدة سنة أم لمدة تتجاوز المدى المتوسط؟
كما أن التمويلات الأخرى التي يطرحها ليست بالسهولة التي نتصورها…

لا اللقاح حل ولا الحجر حل، الصحة نعم!

اللقاح سيطرح حلا ، ولكنه سيصبح مشكلة مالية حقيقية، تستدعي التفكير الجدي فيها من الآن، فهو رهان مالي أولا وقبل كل شيء،وككل دواء، أو لقاح أو منتوج صيدلي يجب النظر إلى ثمنه المحتمل، وكيف ستقوم الدولة بتوزيعه …
وككل الأدوية الأخرى، مع فارق في الأزمة والتصدع العام في معنويات الناس، يخضع التفكير فيه لمنطق الكلفة وما هو حجم ما سيدفعه المواطن وما ستدفعه الدولة…وتوازنات المقاصة والدعم، والتي تم التراجع عنها في مرحلة سابقة، وتلك قصة أخرى لا بد من العودة إليها في «فورة الحساب»..
إن اللقاح هو أحد أهم النفقات في سنة 2021 والتي يحب أن يستعد لها الوزير المكلف بالإنفاق العمومي..
إذن، هو حل عملي وعلمي ، لكنه ماليا ليس حلا!
تماما كما هو الحجر، فالعودة إلى الحجر ليست حلا ، بالنظر إلى الوضع الاجتماعي والاقتصادي، لا أحد يمكنه أن يسلم به، والدولة أول من تعرف أن اقتصادها ضعيف وأن كلفته قاسية..
ما عليها فعله؟
هناك اليوم شبه إجماع على تحسين مسلسل المتابعة والعلاج وتحسين الحكامة الصحية، عبر التكفل الجيد بالمرضى..وإشراك المجتمع المدني وإشراك القطاع الخاص، أطباء ومصحات، استعادة الثقة في القرارات التي تتخذها، حتى لا يكون هناك مواجهة معها وانتهاكها وتجاوزها والتشكيك في فلسفتها…
القرارات هل كانت كلها عقلانية حقا؟
التعايش لا بد منه.
التعايش مع انتشار واسع في حدود درجة معينة لا بد منه أيضا.
والإقلاع لا بد منه أيضا.
يستحيل أن نتوقع أن الاقتصاد يمكنه أن يدور بنصف سرعته أو أن الحياة يمكنها أن تتوقف إلى حين الانتصارعلى الوباء.
العودة إلى الحجر الأول ؟
وارد لكنه صعب قاس ،ولا أحد يتوقع كلفته ..
الحل:
كيف يمكننا أن نرفع من سلامة العاملين؟
كيف نتفادى البؤر؟
وأن ندرس أسبابها ، هل هو العمل أو العيد أو الدراسة أو العطل ؟
السؤال الذي يتكرر الآن عند الجميع: الدولة عليها أن تجد الحكامة الصحية الضرورية وكيفية التكفل بالمرضى…


الكاتب : عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 16/09/2020

أخبار مرتبطة

أفادت الجمعية المهنية لشركات الإسمنت بأن مبيعات الإسمنت بلغت أزيد من 3,24 مليون طن عند متم شهر مارس 2024، بانخفاض

عبر المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي عن إدانته الشديدة وشجبه للتعنيف الذي تعرض له الأساتذة للتدخل قوات الأمن، في

  تستأنف يومي السبت والأحد منافسات الدوري الممتاز في الكرة الطائرة، بإجراء الدورة الثالثة من» البلاي أوف» و»البلاي داون «،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *