في إطار أنشطته السنوية الأكاديمية والعلمية، نظم ماستر بالبلاغة والخطاب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة وصالون مازغان للثقافة والفن، يوماً دراسياً حول أعمال الكاتبة الروائية المغربية زهرة المنصوري حيث شارك فيه العديد من الباحثين بالكلية نفسها ومن خارجها، وذلك يوم الجمعة الماضي 16 فبراير 2018 برحاب مركز الدكتوراه. استهل اليوم الدراسي بكلمات مختلفة لكل من السيد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية ألقاها نيابة عنه نائبه الدكتور البويلماني، وكلمة السيد رئيس صالون مازغان للثقافة والفن ألقاها نيابة عنه الباحث إبراهيم العذراوي، وكلمة السيد منسق ماستر البلاغة والخطاب الدكتور سعيد جبار، ثم أخيراً كلمة المحتفى بها المبدعة زهرة المنصوري.
في الجلسة العلمية الأولى التي ترأستها الدكتورة نعيمة الواجيدي، ومقررها الباحث عزيز العرباوي، تطرق الباحث الدكتور عبد الفتاح الفاقيد في مداخلته «السرد والتخييل في رواية من يبكي النوارس» إلى نص الرواية حيث اعتبرها أنها تمثل تدشيناً لمنعطف حاسم في المشهد الروائي العربي من خلال سياقين مختلفين هما: الرواية والسياق التاريخي وسياق الهوية المرتبط بالصراع العربي العربي، والصراع العربي الإسرائيلي… ثم الرواية والسياق الفني الاستطيقي من خلال استحضار التفاصيل اليومية للشخصيات ومشاعرها ورواسبها الثقافية والاجتماعية رغم انحدار بعضها من المناطق والجغرافيات المتباينة. كما تحدث الباحث أيضاً محكيات الاستبطان وحضور الذاكرة ولغتها الإطار داخل المتن الروائي (الشخصيات: تحقيق الاندماج وتفاعلها في المحيط القريب، منحدرة من بلدان مختلفة…)، الأحداث المتعددة، التصدع والشرخ السيكولوجي للشخصيات…). إن الاهتمام بخطاب الذاكرة في الرواية، حسب الفاقيد دائماً، يأتي ليبرز تقنيات الاسترجاع والاستشراف، حيث يتعالق السرد والتخييل من خلال محكيات تمر عبر صيغتين سرديتين: الضمير الغائب (تعليق، تفسير، إصدار الأحكام…)، والسرد المباشر للأحداث. فمقولة الهجرة مثلاً تعبر عن شروخ وأزمات وإحساس بالاغتراب داخل مجتمع مختلف، تتحول من خلاله إلى بؤرة دلالية تمثل شروخات وأزمات لدى الشخصيات المستعدة إلى استعادة مرارات البعد ولا تستغني عن الحنين إلى الديار حيث الشعور بالخوف والألم والكبت…
بينما تطرق الباحث السعيد الخيز في مداخلته «صورة الأنا والآخر في رواية من يبكي النوارس» إلى مفهوم الاستدلال باعتباره علامة، وكمفهوم مشترك بين العديد من المجالات والحقول العلمية يقع في المستوى الثاني من التداولية أي جانبها التواصلي. وفي هذا الإطار تحدث عن قيم الهوية من خلال استحضار التعدد وصورة المرأة والحنين إلى الوطن. وقبل أن يتطرق إلى معالجة هذه القيم، تطرق الباحث إلى سيميولوجية الغلاف من خلال: تحديد معالم الغلاف وعناصره اللغوية والأيقونية، وانسجام العنوان والصورة على الغلاف، متوصلاً إلى تحليل العنوان تركيبياً.
إن الحديث عن القيم التي عالجتها الرواية، جعل السعيد الخيز يتطرق إلى قيمة الهوية من خلال الأنا والآخر والعلاقة التي تربطهما معاً في مجتمع الغرب. فهوية الأنا تمر في الرواية من خلال تقديم الشخصيات انطلاقاً من انتماءاتها الجغرافية (اليابان، أمريكا…)، إلا العربي الذي يتم تقديمه من خلال هويته لا جنسيته… وبالتالي يتم تدجين هويته وجنسيته فيتم بيعها في بعض الأحيان وعدم الاعتراف في أحايين أخرى، بل يتم التحلل منها في العديد من المواقف (حالة ميسون المتمردة). أما الهوية اللغوية باعتبارها معياراً للانتماء فيتم التخلي عنها لفائدة التقرب من الآخر ورضاه كزينب مثلاً. بينما تبقى هوية الآخر والمتمثلة في الأوربي والأمريكي، فالأول يقدم على أنه نخلة متجذرة في التربة ومرتبط في الذهن بالنبيذ والطبخ الجيد والتغيير والارتباط بالجذور وإمكانية الاندماج والانفتاح على الآخر، فمدينة باريس مدينة الأضواء والأنوار خلافاً لمدننا العربية. أما الأمريكي فله الحق في ريادة العالم والتسلط عليه لأنه يحتكم على السلاح والسلطة والقوة والمال والاقتصاد ويتحكم فيه، فالأنا الأمريكية تمثل صورة المنقذ للدول العاجزة عن حل مشاكلها الداخلية والخارجية والتدخل في هويات الآخرين بغرض فرض ثقافته واختياراته وقراراته…
إن التخلي عن الهوية كما جاء في مداخلة الباحثة حنان أقجيح التي عنونتها «واجب الذاكرة: من السرد إلى الغفران في رواية الغثاء»، يتم من خلال الحديث عن الروح والذاكرة المرتبطة بذاكرة الذنب خلال فترة الحماية. فالحديث عن الذاكرة هنا كان من أجل تبخيسها والتشكيك في فقدانها في آنٍ معاً، فالحفيد يرغب في إحياء ذاكرة الجد، بينما هذا الأخير يرفض أن يستعيدها لأنها تؤلمه. وبالتالي يمكن الحديث عن مسألة مهمة هنا يمكن استنباطها من مقولة ماركس: «ذاكرة الأجداد تثقل ذاكرة الأحفاد». وفي هذا الصدد، دعت الباحثة إلى تأريخ أدبي يخالف التأريخ الرسمي المعبر عن التاريخ الذي يمكن التشكيك في صحته مائة بالمائة، لأنها تؤمن بأحقية الأدب في التأريخ. إن الباحثة حنان أقجيح وهي تتحدث عن ذاكرة الأجداد، وخاصة في الجزء الأخير من الرواية، طالبت بوجوب الذاكرة والتذكر لأنهما يقودان إلى إقامة العدل وإنصاف الأجداد، فالرواية في نظرها طقس أدبي للغفران، ومن هنا ففكرة دفع الثمن المقابل مرفوضة تماماً لأنها تبخّس العمل المقاوم والتحرري.
واختتمت أقجيح مداخلتها بفتح الباب أمام تساؤلات متعددة من خلال قراءة الرواية، وهي تساؤلات تنم عن تحليل منطقي للنص ورؤية نقدية واضحة المعالم حيث طرحت أسئلة من قبيل: سؤال الرواية كنوع جديد من التأريخ، والإشكالية الدياليكتيكية بين التاريخ والرواية والعلاقة بينهما، وسؤال تذكر الماضي، والقدرة على الغفران…
في حين تطرقت الباحثة ثريا أسعدي في مداخلتها «سيميولوجية الشخصية وبناء الدلالة في رواية الغثاء» إلى مقولة الشخصية وذلك باعتمادها على تصورين اثنين: تصور كريماس من خلال النموذج العاملي، وتصور فيليب هامون من خلال اعتبار الشخصية علامة يجري عليها ما يجري على العلامة. قسمت الباحثة الرواية اعتماداً على النموذج العاملي إلى ملفوظات سردية حددت فيها معالم كل عنصر على حدة: (المرسل، الموضوع، المرسل إليه، المساعد، الذات، المعيق). أما من خلال تصور هامون فقد ميزت بين ثلاثة أنواع من الشخصيات وهي: الشخصيات المرجعية: الاجتماعية: المعلم، قطاع الطرق… والمجازية: تتجلى في مجموعة من الصفات والسلوكات والتصرفات مثل الحقد والحب والكراهية… والشخصيات الإشارية: علامة على الكاتبة، السارد والقارئ نفسه. وهنا ينوب السارد مصطفى عن الكاتبة في توجيه الخطاب إلى القارئ. والشخصيات الاستذذكارية: وتمثل الخوف، الألم، الحب، الحنين،… (علي الحناوي، المهدي، منانة، التهامي، الأم، صفية الفقيه، الجدة…).
وفي إطار متابعة فعاليات الجلسة العلمية الثانية من اليوم الدراسي المتعلق بموضوع الاحتفاء بإصدارات الروائية زهرة المنصوري، يوم الجمعة 16 فبراير 2018، والمنعقدة برحاب الكلية على الساعة الثالثة بعد الزوال، والتي أشرفت على تسييرها الدكتورة رحمة توفيق. تضمنت الجلسة المسائية مداخلتين:
المداخلة الأولى للباحث محمد الصديقي تحت عنوان: «شعرية الحلم في رواية البوار».
المداخلة الثانية للباحث نورا صادقتحت عنوان: الذات في مواجهة السفح والتطلع نحو القمة في رواية « البوار».
استهل الباحث محمد الصديقي مداخلته بتقديم النص الروائي «البوار» باعتباره متنا يمثل صوتاً إبداعياً نسائياً وازناً، استطاع اغناء السرد الروائي المغربي، وفاز بجائزة المغرب للكتاب سنة 2006. وفي مقاربته النقدية للنص الروائي، بعد دراسته وتفكيكه، وبناء دلالاته، انطلاقا من المكون المهيمن، الذي يتجلى في تيمة الحلم. حيث قارب هذا المفهوم من خلال مبحث علم النفس، الذي يعتبر الحلم تعبيراً عن لا وعي النص، حيث الصراع بين الرغبة والواقع، وهو بذلك يعتبر آلية تعويضية. فالحلم بقدر تعبيره عن رغبات لا شعورية، هو وسيلة من وسائل الأنا الدفاعية لمواجهة الواقع. فطرح عدة أسئلة أهمها:
– هل يمكن اعتبار الرواية حلما، سواء كان حلما ماضيا أو مرتبطا بمستقبل؟
– هل يمكن للحلم أن يبني موقفا؟
– هل شكل الحلم آلية وخلفية لبناء السرد؟
أكد الباحث أيضاً أن الرواية تنطلق من فكرة، مفادها أن حضور المال السهل مع وجود الجهل والتخلف، يؤدي إلى انهيار العقول والمبادئ والقيم. كما اقتفى تطور تيمة الحلم من خلال: الحلم الحدث/ الحلم الرمز/ الحلم الرسالة، بحيث كانت الشخصية الرئيسية تحمل حلما غريبا، كانت تحلم أن تجر قرية السديرات إلى قمة الجبل. ظل هذا الحلم يطاردها طوال فترات حياتها من الطفولة إلى الشباب إلى الفترة التي تحاكم فيها القرية التي توجهت إلى العشبة اللعينة، مستنجدة بالشيخ المختار، الذي يحمل صفة الفقيه والمعلم والفيلسوف والمناضل السياسي، واضعة نصب عينيها وضع القرية على سكة المختار، حيث ظلت شخصية المختار متحكمة في السرد، فهو يمثل النموذج وأهل القرية يمثلون عكسه، لينتهي التأويل على أن القمة هي المتعة في الصعود، صعود قمة المعرفة. المعرفة هي الحل، والسفح هو الجهل، والقمة هي المعرفة، والرسالة هي نبذ المخدرات. تنتصر الرواية للهامش والإنسان، وكل القيم التي تشيد بالإنسان وتدعو إلى عدم تشييئه. كما تطرق أيضاً إلى مفهوم المقصدية السردية والبعد التعليمي والقيمي، الذي يرى في حضور مجتمع المعرفة الوصفة السحرية لإصلاح المجتمع. إن الرواية- حسب الباحث- تنتمي إلى المدرسة الكلاسيكية، حيث الأحداث متسلسلة وفق تدفق خطي، لا يجد القارئ أي صعوبة في فك رموزها وإعادة تركيبها.
أما مداخلة الباحثة نورا صادق، والتي تناولت نفس المتن الروائي «البوار»، فقد استهلت مداخلتها بوصف الكتابة بالوحي والمتنفس الذي يجعل الذات تواجه السفح بالاعتماد على شساعة الحلم. سيطر على الشخصية المحورية حلم بعيد المنال، استحوذ على مخيلتها، وهو الصعود بالقرية نحو قمة الجبل، مستلهمة أسطورة سيزيف. استشعرت الانتماء إلى القمة من خلال تماهيها مع شخصية الفقيه إلى درجة التجلي الصوفي «الفقيه صار أنا وأنا صرت الفقيه» ص14. كما أشارت المتدخلة إلى أن الانتقال بالقرية إلى قمة الجبل، هو انتقال مجازي وليس حقيقي، ورصدت ملامح الشخصية الرئيسية بدقة وتفصيل. وكيف صارعت من أجل الحلم الذي سكنها، وخاصة عندما تدخلت سلطة المال التي ستقلب مآلهم من العقم إلى الخصوبة، ومن الفقر إلى الغنى. ورصدت الطالبة أيضا ملامح التغيير عند أهل القرية الذين انخرطوا في اللعبة. كما أشارت الطالبة إلى تعدد الشخصيات، وتعدد الأصوات والصراع النفسي للشخصية الرئيسية، وهي ترى البوار يصيب العقول. لكن في النهاية، حسب الباحثة، وبمؤشرات دالة، انتصرت المعرفة. وبذلك تكون الرواية رواية قضية بامتياز. كما قاربت الباحثة رواية البوار من زاوية جمالية وفنية، من ضمنها التركيز على المرجعية المكانية، التي يرمز محكيها حول جغرافية القرية، أي المهمل والمهمش. والروائية وهي تلتفت إلى هذا الفضاء الطبيعي، تكون البطولة لصالحه بامتداداته المتنوعة.
كانت مداخلة الروائية زهرة المنصوري، لحظة فارقة في مسار اليوم الدراسي، حيث استطاعت أن تشد اهتمام الحضور بطريقة آسرة، لما تميزت به كلمتها من صدق وشفافية وتحليل عميق لتجربة الكتابة كما عاشتها خطوة خطوة، من مرحلة السؤال والشك والجدوى إلى مرحلة الاقتناع والفعل والانخراط في المشروع الروائي الناضج، الذي بصم التجربة النسائية المغربية، والإبداع المغربي والعربي بشكل عام.
وتفاعلاً مع جميع المداخلات المطروحة، كان للنقاش المفتوح مع الحاضرين، دور بارز في إغناء محاور الأفكار والاستنتاجات والملاحظات التي سارت في اتجاه واحد يرتكز على تثمين التجربة الإبداعية للكاتبة زهرة المنصوري. وفي ختام اليوم الدراسي المتميز، واحتفاء بالمتن الروائي للكاتبة، تم تكريمها بتقديم جوائز رمزية، تثمينا لثقافة الاعتراف.
قراءات نقدية في أعمالها: الروائية زهرة المنصوري في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة
الكاتب : عزيز العرباوي مليكة فهيم
بتاريخ : 27/02/2018