أنا قطعة من الله. توضأ بضوء القمر، واستحم بدورانه. توقف بالقرب من عزلته. نشفته زوجته برموش عينيها. التفتت يمينا وشمالا، وسألته: وأنا؟ قال: «أنت قطعة مني». اتكأ عليها، وهي لا تفهم ما قاله. صمتت، وتسللت بعينيها الواسعتين نحو النجوم البعيدة. تَعُدُّ الواحدة بعد الأخرى، وتتهرب من الحساب، كما لو كانت النجومُ سبحةً بدون بداية ولانهاية، وفي دوران النجوم السبعة، أعادت جوابَه، وحطّته حزاما على خصرها، ثم قالت، دون أن تكلمه، : «أنا هي تلك النجمةُ البعيدةُ والهاربةُ من حزامِ أخضرَ ، أدخلته إلى بيت يشبه الكهفَ، غطّته بشعرها ونهديها المنتفخين غير المحجوبين. أحسّ بقشعريرة لم يستطع سترها، ولا حتى كبحها. حدَسته بعينيها الواسعتين، أخبرته أنّها الليلُ والنجومُ والقمرُ، وأنها العارفةُ بحسابِها، وبقراءة الكف، وبلغة الحناء… أغمض عينيه تاركا الكلام للرغبة وترنّح شخيرُه. هنا غطّته بشعرها، وناما عميقا إلى حدود الفجر. استيقظ باكرا. ما زال القمر في السماء يَعُدُّ ما تبقى من الزمن للرحيل.
اغتسل بالرذاذ الصباحي. حمل فأسه، وبدأ يحفر في كل مكان. أيقظ زوجته، وأمرها بفعل كذا وكذا، مِثْلَما أمرها بحجب نهديها الرمانيتين. هي تقول : «حاضر»، بينما هو ينتشي بطاووسية. هي تقول له: «لا أحد يراني في هذا الخلاء». يجيبها، والفأس يدق الأرض، « إنّ النهارَ فاضحٌ». ردت عليه : «نعم سيدي». هيأت الفطورَ، وجلس قبالتها، وهي تصبُّ الشاي. أكل خبزه المدهون بالزيت. حملت له سبسِبَه، أشعله، ملأ المكان برائحة الكيف. صعد إلى الجبل، كي يصطاد ما يجود به اليوم. يغريه أكل الأرنب البري، والحجل، بينما هي يغريها أكلُ لسانه. كان يغني حين يصطاد في الجبل، وهي ترد عليه من بعيد.
صوتها يتوالد في الصدى، ولا أحد يردّ عليها، فقط هو حرّم عليها الغناء، وأجبرها على حجب نهديها، ومنعها من تطريز بيتها ببحثها، كان المنع نهارا حين يكون خصرُها محزوما بالأخضر. إلا أنها حين تزيله في الليل، تبدو نجمة في الهواء. هو يدوخ للقبض عليها، هي تساعده على ذلك. هي تقول له: «لقد منعتني في النهار». هو يقول: «إن للنهار أذنين وعينين». هي تقول: «لا وجود في هذا الخلاء إلا أنا وأنت». هو يقول إنه يغار عليها من خيوط الشمس، وقد تسربت إلى جسدها.
هي تقول: «أنا قطعةٌ من الله».
قال : «وأنا؟»
قالت : «أنت قطعةٌ من طين».
قصة : أنــا وأنـت
الكاتب : حسن إغلان
بتاريخ : 18/01/2019