للبلاغ الذي اعتبره المغرب غير ذي بال، قصة لا بد أن تروى .
قصة تثير الشفقة، على مصير إفريقيا أمام مناورات الجزائر وشركائها في الاحتيال القاري.
فقد بدأت القصة، بصدور محتويات البلاغ، والاجتماع ما زال منعقدا، وقبل اعتماده، وقتها كل الذين قرأوا متابعة وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، في قصاصة لها صدرت حول اجتماع مجلس الأمن والسلم في الاتحاد الإفريقي، المنعقد يومي الثلاثاء والأربعاء، تاسع وعاشر مارس الجاري، قد تفاجأوا بما ورد فيه من قرارات« ثورية«، تقدم الأمور وكأن القارة الإفريقية قد اصطفت وراء الرئيس الجزائري تبون، ورئيس الانفصاليين الغالي…
البلاغ، كما أرادته الجزائر صدر قبل اعتماده ووقعت حوله مناقشات، وصلت إلى حد الغضب من طرف رئيس المفوضية الإفريقية الجديد محمد فقي، مع الذي سبقه الجزائري اسماعيل شرقي، الذي خطط مع دولته لكل شيء.
ما نشرته الوكالة وقتها، ونحن نتحدث عن قصاصة مرت عليها عشرة أيام للتذكير، يقول بأن اجتماع مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي المنعقد على مستوى رؤساء الدول والحكومات، عن طريق التحاضر عن بعد يوم الثلاثاء، »اتخذ« عدة تدابير لتسريع حل النزاع في الصحراء، والتي من شأنها إضفاء ديناميكية وإعطاء نفس جديدة لجهود الاتحاد الإفريقي لتسوية النزاع…
وعددت في سياق الانتشاء المتسرع:( نحن نتكلم عن عشرة أيام قبل الصدور الرسمي للبلاغ للتذكير)
– »الطلب من طرفي النزاع العودة السريعة إلى طاولة المفاوضات.
– التأكيد على ضرورة تصفية الاستعمار في الصحراء عبر تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال.
– عقد قمتين، على الأقل، سنويا لمجلس السلم والأمن الإفريقي في متابعة لقضية الصحراء.
– إعادة تفعيل دور الممثل السامي للاتحاد الإفريقي المكلف بالقضية وتكليفه بالبدء في عقد اتصالات مع طرفي النزاع.
– تفعيل دور اللجنة رفيعة المستوى لرؤساء الدول والحكومات حول قضية الصحراء.
– طلب رأي قانوني من المستشار القانوني للاتحاد الإفريقي حول «القنصليات» التي تم افتتاحها…
– اتخاذ الإجراءات المناسبة لإعادة فتح مكتب الاتحاد الإفريقي بمدينة العيون لتمكين الاتحاد الإفريقي من القيام بدوره.
– طلب الإسراع في تعيين الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة.«
حقيقة ما جرى يوم الثلاثاء الماضي، كانت مغايرة ، تفاصيل الاجتماع كما تابعناها في حينها تكشف المعطيات التالية:
أولا: قمة فاشلة
كانت مناورة الرئيس الجزائري، للمجلس الإفريقي للسلم والأمن، موشكة على الانتهاء، وبالضبط كانت ولايته منذورة لاستكمال دورتها يوم 12 مارس الجاري، وأراد، هو والعاصمة الجزائر، بمناورة عرف بها الجميع، عقد قمة لدول المجلس إياه، والتي تضم عادة 15 دولة.
وعوض التاريخ الأصلي يوم 25 مارس، بعد أن يستلم الرئيس الجديد مهامه، صار التاريخ هو تاسع مارس.
وكان الهدف من هذا التمرين الديماغوجي، محاولة ترك بصمة لا تنمحي، في تقديره، وإرث سياسي للقارة في القضية التي تحرك، بعدوانية، دولته الشقيقة.
والذي حصل أن الأغلبية الساحقة لم تحضر على مستوى رئاسة الدول، ولم تحضر سوى بتمثيلية أقل رتبة، باستثناء الجزائر طبعا، وجنوب إفريقيا والموزمبيق، وكينيا من خلال رئيسها أوهورو كينياتا ، بصفته رئيس مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي لهذا الشهر الحالي….
مجلس الأمن والسلم هو الجهاز التقريري في الاتحاد الإفريقي، ولهذا يعتبر الخصوم أن الفوز فيه فوز يستحق التطبيل.
وهو ما ضاع في القمة الحالية، حيث غابت رئاسات مصر، الكونغو، ،زامبيا، نيجيريا، ملاوي، جيبوتي، السينغال، أثيوبيا، بينين، والمغرب….
فمن حيث الشكل لم يتوفر للاجتماع ما يجعله بالفعل قمة للدول، ولكنه كان مناسبة للرئيس تبون لكي يكشف عن عدائه وعن قاموسه العدواني ضد بلادنا، والتي جعلها في مستوى الدول الاستعمارية ودولة الابرتهايد، وجنوب إفريقيا التي ما زالت تحلم بدور دولي ضيعت فرصته عندما كانت عضوا في مجلس الأمن!
وقد اختار رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون، الثلاثاء الماضي، الهروب إلى الأمام من تعفن أوضاعه الداخلية، بالهجوم على المغرب في حقوقه المشروعة، ودعا إلى »تنسيق الجهود الإفريقية والعمل على بلورة حل دائم للنزاع في الصحراء، آخر مستعمرة في القارة السمراء«!
وتحدث تبون في مداخلة عن طريق تقنية التحاضر عن بعد، خلال اجتماع لمجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي على مستوى رؤساء الدول والحكومات، لم يحضره سوى أربعة قادة من القارة وغاب عنه 11 آخرون ، عن »الأوضاع الخطيرة في الصحراء، وعن تدابير عملية وفعالة لبلورة حل دائم لهذا النزاع الذي طال أمده، والذي لن ينتهي أبدا بالتقادم«.
وقال إن »إفريقيا التي تغلبت على الاستعمار الأوروبي، والتي أسقطت النظام العنصري (الابارتهايد) يتبقى لها اليوم أن تقضي على آخر بؤرة استعمارية في قارة إفريقيا«(كذا!)
واتهم تبون المغرب بخرق وقف إطلاق النار، في الوقت التي تردد أبواقه التواصلية أخبار الحروب التي تخوضها فصائل الخدمات المأجورة على بلادنا…
هذا الهجوم تزامن مع تصاعد نضالات الشعب الجزائري بواسطة الحراك، وتعالي الأصوات الدولية للمطالبة باحترام حقوق الإنسان وإعطاء حق تقرير المصير للشعب الجزائري باختيار نظامه السياسي المدني…
وأوردت وكالات الأنباء تجدد مسيرات الطلبة بالجزائر العاصمة ومدن أخرى، وخاصة بجاية، للأسبوع الثالث على التوالي، منذ استئناف مسيرات الحراك المناهض للنظام، في 22 فبراير الماضي، وذلك للمطالبة بالتغيير الجذري، بحسب ما أفادت به وسائل الإعلام الجزائرية.
وفي ذات الوقت، طلبت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، من السلطات الجزائرية أن توقف »فورا« أعمال العنف ضد متظاهرين سلميين وكذلك الاعتقالات التعسفية.
وأعلن روبرت كولفيل، المتحدث باسم المفوضية، خلال مؤتمر صحافي في الأمم المتحدة في جنيف، »إننا قلقون جدا لتدهور وضع حقوق الإنسان في الجزائر والقمع المستمر والمتزايد ضد أعضاء الحراك المؤيد للديموقراطية«.
وأشار المتحدث إلى «تقارير ذات مصداقية» مفادها أنه تمت ملاحقة ألف شخص للمشاركة في الحراك أو لنشر رسائل تنتقد الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك أن »32 شخصا على الأقل معتقلون حاليا لممارسة حقوقهم الأساسية المشروعة، وقد يتعرض بعضهم لعقوبات طويلة بالسجن في حين لا يزال آخرون في الحبس الاحترازي«.
ثانيا: مضامين النقاش…
يظهر من المداخلات التي عرفتها المداولات الإفريقية في المجلس، أن المستوى العام أكد على المرجعيات، والتي وردت في قرار قمة نواكشوط في أبريل 2018، من خلال القرار 693، وهو الذي وضع مرجعيات ثابتة للاتحاد الإفريقي بخصوص القضية الوطنية، وعلى أساس:
– حصرية الحل الأممي.
– لعب دور مساعدة مجلس الأمن في العمل على دعم جهود الأمم المتحدة.
– تنشيط »الترويكا«، التي تضم الرئيس السابق للاتحاد الإفريقي، والحالي ورئيس الدولة التي تحتضن القمة في المرة القادمة…
وبحسب التدخلات، كانت المفاجأة من الموزمبيق. وصفته مصادرنا الديبلوماسية بأنه كان رائعا (مْخيَّر) باللغة الدارجة، حيث فاجأ الجميع، بدعم قرارات الأمم المتحدة، وإحياء وتنشيط الترويكا ومساعدة الأمين العام للأمم المتحدة ودعوته إلى تعيين ممثله الشخصي في الملف…
أما الدول الأخرى فقد مالت إلى مواقفها المعتادة، بتفاوت بين التدخلات، كما هو حال غانا التي وصفت مصادرنا موقفها بأنه جيد، والملاوي الذي كان أكثر جودة، إضافة إلى بوروندي التي أكدت بالأساس على حصرية الملف بين يدي الأمم المتحدة، ودعم الحكم الذاتي المقترح من طرف المغرب.
ثالثا: محاولات النصب القاري…
فلماذا نشرت الوكالة الجزائرية ما نشرته، قبل اعتماد البلاغ أصلا بالرغم مما تقدم من معطيات ؟
لقد تم تدبيج مشروع بيان من طرف الرئيس اسماعيل أشرقي، قدم إلى الكيني أوهورو كينياتا، بصفته رئيس مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي لهذا الشهر، وقد شرع بالفعل في قراءته، بما أوردته الوكالة الجزائرية. هذا المشروع سرعان ما تم تفنيده من طرف الدول الحاضرة وممثليها الذين طعنوا في خلاصات الرئيس، باعتبار أنها ليست الخلاصات التي نجمت عن التدخلات التي أعلنوها.
وهنا وقع ارتباك رئيس القمة، الذي أوقف قراءة الخلاصات، ثم قرر بأن تقوم سكرتارية القمة، ممثلة في جيبوتي ومصر وغانا بإعادة صياغة ما تم الاتفاق عليه…
ومن الأشياء التي حدثت في سياق محاولة التلبيس والاحتيال، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد استنكر ما قام به سلفه في منصب مفوض السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي، الجزائري إسماعيل شرقي، وتقول مصادرنا إن الفقي واجه الجزائري بالقول«« ليس من حقك أن تنشر شيئا لم أطلع عليه««، وهو التدخل الذي أخذه الرئيس الكيني رئيس القمة بعين الاعتبار…
وعلى كل، فإن إسماعيل شرقي، هو نفسه نشر على تويتره الخاص أن من خلاصات الاجتماع: دعوة إلى العودة إلى وقف إطلاق النار، والحال أن «البوليساريو» التي تحضنها بلاده هي المعنية بالعودة إليه، مع ادعاءاتها الحربية التي لا تنتهي.
ودعمها أيضا إلى تنشيط وإحياء الترويكا، كمقترح ألحت عليه التدخلات المساندة للموقف المغربي، ولا يضر المغرب أن يتم التنصيص عليه.. كما يهدف إلى دعم مسلسل الأمم المتحدة، ومجهودات أمينها العام، وضرورة تعيينه ممثلا شخصيا.
قالت مصادر متطابقة إن هذا »التويتر «نفسه سيؤلم الجزائري إسماعيل شرقي، وأكثر من ذلك، فهو يناقض ما نشرته وكالة بلاده الرسمية؟
كان واضحا أن الجزائر ارتبكت على أكثر من مستوى، ولم يدر أنصارها هل يصدقون المفوض السابق للسلم والأمن إسماعيل شرقي، الناطق الرسمي باسم سياسة بلاده وسياسة جنوب إفريقيا، في الاتحاد، أم وكالة الأنباء، الناطقة الرسمية باسم بلادها في قضايا العدوان على البلاد؟
الواقع الآن، هو أن القمة لم تصدر توصياتها وخلاصاتها النهائية في حينها، و كان من المنتظر أن تصوغ السكرتارية الثلاثية تلك المقترحات التي تعبر عن مواقف الدول، ثم تعرضها على الأعضاء، الـ15، للمصادقة والتبني..
والذي حدث أن الدول الأعضاء، في أغلبيتها تقدمت بخلاصات الاجتماع كتابيا، ولم يتم أخذها بعين الاعتبار. وجاء البلاغ، في نسخة مطابقة للبلاغ الكاذب،كما الحمل الكاذب، والذي تم نشره كما قلنا قبل اعتماده وقبل تبنيه رسميا من طرف رئاسة المؤتمر في شخص الرئيس الكيني، الذي يعادي المغرب.
لقد صدقنا الحكمة الكينية وصدقنا قوة الاتحاد الافريقي، واستخلصنا وقتها أن البلاغ لن يعيد خلاصات ما نشرته الوكالة وما أرادته فتحا حققه عبد المجيد تبون في القمة!
نسينا بأن النصب هو الوسيلة الوحيدة التي تبقت للدول المناهضة للمغرب.
والأمر الآن مطروح على الأفارقة كلهم وليس المغرب وحده، فهو اعتبر بأنه »لا حدث»..
وللقصة بقية ..